خالد حسن كسلا : إصلاح «إشراقة» المشرقة بإشراقاتها
ها هو الطبيعي أن يبدأ إصلاح الخدمة المدنية ووضع نهج لمحاربة الفساد فيها من الوزارة المعنية وزارة العمل والإصلاح الإداري. فما معنى أن تنصلح الأحوال الإدارية في كل مؤسسات الخدمة المدنية التي يتغذى تسيير الأعمال فيها من المال العام. والمال العام لا بد من أن يجد الحماية من «التسييب» الذي يغري بالاعتداء عليه.. ونعلم أن المثل يقول: «المال السائب يعلم السرقة». إذن الإصلاح الإداري لا بد أن يشمل كيفية محاربة الفساد.. ويبدو أن وزيرة العمل الدكتورة إشراقة سيّد محمود، قد أغنت في وزارتها بنفسها الدولة من أعباء محاربة الفساد بالآلية المخصصة لذلك التي حتى الآن لم يسمع لها المواطن ركزاً، ولا أدري إن كان ذلك بسبب عجزها عن القيام بما هو منوط بها أم بسبب الظلم الإعلامي أم بسبب توقف حالات الفساد لمجرد ظهور آلية لمحاربته.
لكن هذا السبب الأخير بعيد كل البعد عن الحقيقة بعد أرقام السرقة التي عكسها تقرير المراجع العام، وبعد ظهور حالات فساد متهم فيها عشرة أشخاص في وزارة العمل. المتهم بريء حتى تثبت إدانته لكن عملية الفساد وقعت، لكنها لاقت وزيرة جديرة بالاحترام.. فقد وقفت على حالة الفساد بقوة لمحاربتها من جذورها.. وهنا لسنا بصدد الإشارة إلى المتهمين طبعا لأن هذا شأن قضائي، لكننا كصحافة محايدة ننتقد السلبيات ونبارك الإيجابيات، فإن ما يهمنا هنا هو أن نبارك للوزيرة ووزارتها وكل الخدمة المدنية هذه الخطوة الرفيعة التي أقدمت عليها الدكتورة «إشراقة» المشرقة بإشراقاتها في العمل التنفيذي للدولة، فهي قد أثبتت أن الإصابة والصواب في العمل التنفيذي ليس كله للحزب الحاكم المؤتمر الوطني، وأن الإخفاق والفشل والخطأ ليس كله من نصيب الأحزاب الأخرى المشاركة في الحكم مع المؤتمر الوطني. «ورب أخ لك لم تلده أمك». و«جارك القريب ولا ابن أمك البعيد». والدكتورة إشراقة ليست واحدة من أعضاء الحركة الإسلامية الحاكمة باسم المؤتمر الوطني.. وليست من أعضاء المؤتمر الوطني من غير أعضاء الحركة الإسلامية، وليست مما تبقى في الحكومة من أعضاء مجلس قيادة ثورة الإنقاذ الوطني «ثورة الخاتم ليونيو». خاتمة الثورات العسكرية على ما يبدو ورغم تحذير نافع للمعارضة من الإقدام على القيام بانقلاب وهذا سوف نعود إليه.
إذن، من نجاحات حكومة المؤتمر الوطني ذات الثمار الملموسة فتحها المجال واسعاً لاستيعاب القوى الحزبية في الساحة للمشاركة في الحكم. ويُعتبر الحزب الاتحادي الديمقراطي الذي تمثله إشراقة من الأحزاب الفعالة جداً في الشراكة مع المؤتمر الوطني في الحكم.. بل يعتبر أنه كان المجموعة الأكبر من بين المجموعات التي انشقت مع الأحزاب الثلاثة الكبرى «المؤتمر الوطني وحزب الأمة القومي والحزب الاتحادي الأصل» وحتى انشقاق بعض أسرة الهندي منه لم يؤثر على قاعدته.
إشراقة، لم تكن المرأة الأولى في السودان التي تقود وزارة وتتمتع بعضوية مجلس الوزراء.. لكنها الوحيدة من بين النساء اللائي كن وما زلن أعضاء في الجهاز التنفيذي للدولة التي قادت حرباً إدارية ضروساً في وزارتها من أجل الإصلاح ومحاربة الفساد. فهي الآن تذهب بقوة إلى محاكمة متهمين عشرة في قضية فساد مالي بوزارتها متهمين بالتلاعب في أموال عامة.. ومن قبل كانت قد قامت بإجراءات إدارية ضرورية، فكانت بمثابة «صالح عام» حقيقي.
والدكتورة إشراقة، استفادت منها حكومة المؤتمر الوطني ومشروعها الحضاري أكثر من حزبها ومشروعه الديمقراطي الذي رعاه السيد زين العابدين الهندي وتسقيه الآن الوزيرة إشراقة بالنجاح التنفيذي الذي حققته بجدارة في وزارتها.. فالمرأة تستحق موقع نائب رئيس ما دام أنها تتحمس بقرارات شجاعة لحماية المال العام. إن إشراقة صاحبة إصلاح وليس تغييراً. وفي القرآن الكريم الإصلاح هو الإيجابي والتغيير هو السلبي. ومن أرادوا التغيير هم أصحاب باطل لكن إشراقة تريد الإصلاح ومحاربة الفساد.
غداً نلتقي بإذن الله.