تذمر “دبلوماسي” ترقيات الخارجية.. السفراء يشكون والأزرق يترافع: لا توجد تجاوزات
من يتابعون تغطيات وزارة الخارجية لن يخطئوا هذه الأيام رصد ردود الفعل الكبيرة وموجة السخط المبذولة من قبل العديد من السفراء والدبلوماسيين، جراء كشف الترقيات الذي أعلنته الوزارة السيادية الأسبوع الماضي، والذي شمل جميع الدرجات.. الترقيات كما هو معلوم في الخارجية يعلن عنها كل عام وتقابل بقليل من النقد، ولكن هذه المرة تجاوزت درجة النقد كل المستويات السابقة، ويذهب بعض من استطلعتهم الصحيفة من العاملين بالحقل الدبلوماسي للطعن في دوافع ونوايا الذين خرقوا لوائح الخدمة المدنية في الترقي. حاولت (اليوم التالي) أن تبحث عن أصل وفصل القضية، التي اندلعت في توقيت حدا بالبعض للتساؤل حول دواعي خلق موجة من التذمر والغضب وسط السفراء والدبلوماسيين أثناء الانتخابات وفي وقت تشهد فيه البلاد تحولات سياسية مهمة تقتضي توجيه طاقة العمل الدبلوماسي للتحديات الحقيقية لا خلق الإحباط والمرارات.
يقول أحد كبار السفراء بالخارجية إن الترقيات التي تمت تعتبر تجاوزا لتوجيهات رئاسة الجمهورية التي قضت بفك الاختناق الوظيفي، وكان الهدف من هذه التوجيهات هو أن يرقى للدرجة الأعلى كل من أتم خمس سنوات في الوظيفة.. اختارت وزارة الخارجية أن تخصص هذه التوجيهات للكادر الإداري المساعد وأن تحرم منها الكادر الدبلوماسي الأهم الذي يعتمد عليه العمل الدبلوماسي، حسبما يقول محدّثي، كما حرمت منها كبار السفراء الذين قضوا في الخدمة سنوات طويلة. قبل أن يضيف: “لم تكن قضية ترقيات وزارة الخارجية في يوم من الأيام من القضايا المتفق عليها بين الجهاز الإداري والسفراء والدبلوماسيين، وهذا ما أدى إلى لجوء بعض الدبلوماسيين في السابق للترقي بوساطة المحكمة الإدارية وديوان المظالم”.
مذبحة جماعية
أحد الذين استطلعتهم الصحيفة في وزارة الخارجية وصف ما حدث بالمذبحة الجماعية، وقال: في السابق كانت العملية تتم وفق التقاليد والأعراف الصارمة التي تميزت بها وزارة الخارجية وبمهنية عالية وفقا لما تنص عليه اللوائح، وحتى لو كانت هنالك اعتراضات يتم الرد عليها بهدوء، ويحاط الدبلوماسي علماً بأسباب عدم ترقيته. وبحسب الكثيرين داخل الوزارة فإن العملية تمت بعيدا عن الإدارات المختصة، وعلى رأسها الشؤون الإدارية، باعتبار أنها الإدارة المختصة بالأمر من ناحية فنية.
وعلى مستوى ترقيات الدبلوماسيين انتقد هؤلاء الأمر قائلين إنه لم يتم تشكيل لجنة للترقيات حتى تؤدي عملها بالصورة المعروفة في تاريخ وزارة الخارجية. وأوضحوا أن الإدارة العليا قامت بتجميد إعلان اللجنة التي اقترحتها الشؤون الإدارية، ووافق عليها الوكيل، وكان مقترح اللجنة برئاسة أحد كبار السفراء وهو السفير سراج الدين حامد وعضوية آخرين. ولكن فوجئ الكل وأوكل العمل إلى مجموعة غير معلنة، ولا تضم سفراء بدرجات كبيرة حسب الأعراف والنظم، وتحت إشراف السفيرة سناء حمد المعينة سياسياً قبل فترة وجيزة، في درجة رفيعة.. وتم استدعاء سفراء من البعثات في درجات دنيا لتحضير الكشوفات، وهم من الذين عملوا في مكاتب الوزراء في الخارجية.
توجد وظائف شاغرة
تؤكد لوائح الخدمة المدنية أنه تتم ترقية كل من استوفى الشروط الكاملة إذا وجدت وظيفة شاغرة أعلى. وأكد عدد من خبراء الإدارة داخل وزارة الخارجية أنه توجد وظائف شاغرة لكن وزارة الخارجية قررت حرمان السفراء والدبلوماسيين من الترقي إليها دون سبب واضح ومعروف. وبهذا المنطق تم حرمان أكثر من (70) دبلوماسيا رغم وجود عدد كبير من الوظائف الشاغرة التي تغطى كل الدبلوماسيين المتنافسين والطبيعي أن تتم ترقية كل من تنطبق عليه الشروط ولفك الاختناقات الوظيفية كما وجه بذلك قرار رئاسة الجمهورية الذي لم يتم أخذه في الاعتبار. واعتبروا أن الكشوفات جاءت متجاوزة للوائح والمعايير المعروفة واعتمدت على الانطباعات والمجاملات، ويذهب آخرون إلى توصيفها حسب القرب والبعد من الحلقة الضيقة حول مكتب الوزير، والتي تتحكم في كل صغيرة وكبيرة. على كل وبحسب المتحدثين فقد جاءت الكشوفات تحمل أسماء لم تكمل القيد الزمني، وأخرى لا تنطبق عليها المعايير المطلوبة، وخلت من دبلوماسيين عرفوا بالتميز والأداء الرفيع.
احتجاجات واستقالات
لأول مرة في تاريخ وزارة الخارجية تتم استقالات في وقت وجيز بسبب تظلم إداري ومهني دون رد. إذ لم تمر على استقالة السفير رحمة الله محمد عثمان الذي قضي ما يقارب 35 عاما في خدمة وزارة الخارجية سوى شهور قلائل، حتى تقدم الوزير المفوض حسن محمد عثمان، نائب السفير في طهران باستقالته أيضا؛ احتجاجا على تجاوزه في الترقية للمرة الثالثة على التوالي، دون سبب مقنع حسب رأي زملائه. وفضل السفير رحمة الله عدم الخوض في تفاصيل أسباب استقالته كما لم تتمكن الصحيفة من استطلاع رأي الوزير المفوض حسن عثمان عن أسباب استقالته.
في الأثناء احتج مجموعة من الدبلوماسيين ظلوا في درجة الوزير المفوض لمدة عشر سنوات دون ترقية ودون معرفة الأسباب، وقدم هؤلاء خطابات احتجاج إدارية للاستفسار عن أسباب عدم الترقية ولم تصلهم إجابة حتى الآن.
تجاوز في حق الكبار
حالة السخط لم تنتاب صغار الدبلوماسيين فقط، بل استمعت الصحيفة إلى شكاوي واحتجاجات من كبار السفراء الذين أكدوا أن الموقف الشخصي هو المعيار الأساسي الذي اعتمده الوزير أكثر من معيار المهنية والكفاءات، وقال سفير رفيع لـ(اليوم التالي) إن بعض الذين تمت ترقيتهم من سفير إلى درجه أعلى ليست لهم خبرات عملية في وزارة الخارجية، وأوضح أن من أهم صفات الوكيل أن يكون قد ترأس إدارة فرعية أو عامة داخل وزارة الخارجية، لكن ما حدث أن الوكيل الجديد تمت ترقيته إلى سفير بدرجة خاصة، وهو لم يترأس إدارة داخل الوزارة، بالتالي خبرته أقل من السفراء الموجودين! وقال إن هذا الأمر سيسبب عداء بينه والسفراء الأعلى خبرة منه، وزاد السفير: الترقيات بالنسبة للسفراء لدرجات أعلى يجب أن تكون بالأقدمية والأسبقية كما أن ديوان شؤون الخدمه واللوائح تنص على أنه لا يمكن أن يأتي عضو في لجنة التقييم وهو أقل درجات من الذين سيترقون، كما أشار إلى أن هناك (4) سفراء تمت ترقيتهم إلى سفير درجة خاصة وهم في المعاش.
لكن خبيرا إداريا داخل الخارجية قال إن تعيين الوكيل هو حق للوزير المختص بقرار من رئيس الجمهورية، ولا يخضع لأسبقيات الخدمة المدنية، وبالتالي يجب أن يحترم قدامى السفراء سلطات الوكيل الجديد، خاصة بعد ترقيته، وإن كان من قبل أقل درجة منهم.
تجاوزات أخرى
يقول سفير رفيع قضى ما يقارب الثلاثين عاما في الخدمة إن التجاوزات لم تقف عند هذا الحد بل قامت الجهة المسؤولة بتجاوز الفترة الزمنية المقيدة للترقية وطبقتها على فئة قليلة دون مبررات واضحة، وتم في هذا الصدد ترقية اثنين من الدبلوماسيين إلى درجة السفير دون إكمال القيد الزمني المنصوص عليه في اللائحة. والأكثر تجاوزا هو ترقية مجموعة من السكرتيرين الثوالث إلى درجة السكرتير الثاني دون أن يكملوا ثلاث سنوات في وزارة الخارجية. وتنص اللائحة على أن يترشح إلى الدرجة الأعلى من يكمل أربع سنوات. هذه التجاوزات الواضحة لا تتناسب مع وضعية الوزارة السيادية التي تعلن أنها تحترم المهنية واللوائح، لأن هذا تجاوز لا يستطيع منفذوه الدفاع عنه.
بيد أن ما استغربه السفراء والدبلوماسيون ممن تحدثوا لـ”اليوم التالي” هو لجوء من قاموا بعملية الترقية للاتصال بكل سفراء السودان في الخارج لتقديم أسئلة عن أداء من عملوا تحت قيادتهم، وهي ممارسة تحدث لأول مرة في تاريخ الوزارة، لأن الترقيات تتم بأسس ومراجع مكتوبة منها الأسبقيات وتقرير الأداء والتقارير السرية والبحوث التي يكلف بإعدادها الدبلوماسيون. ولكن اللجنة لجأت إلى استطلاع آراء بعض السفراء بالخارج لعدم معرفتها بأداء الدبلوماسيين الذين قدموا إجابات عبر الهاتف. وهي سابقة فريدة في تاريخ الوزارة.
الصحيفة خلال الاستقصاء استمعت إلى شهادات عادلة ومؤيدة في حق الوزير علي كرتي، وقد أتيحت لي تغطية كثير من النشاطات والاجتماعات والمؤتمرات لكرتي داخل وخارج السودان، تؤيد ذات الشهادة وما يوليه من احترام لأهل الصحافة، لكن الصحيفة استمعت إلى أصوات أخرى داخل أروقة الخارجية تتناقض تماما مع الصورة المشار إليها، حيث يصفه البعض بأنه ظلم الأكثرية في هذه الترقيات خاصة مع حرصه على إحقاق العدل والتعامل بهدوء وموضوعية مع الأحداث. في المقابل كما تمت الإشارة من قبل فقد حمل بعض السفراء والدبلوماسيين هذه التجاوزات إلى مجموعة ضيقة حول الوزير نالت ثقته وعملت معه في السابق، كان لها التأثير الأكبر في هذه التجاوزات.
سفراء المعاش يتحدثون
في الأثناء استنكر سفير آخر في المعاش لـ(اليوم التالي) ما يجري وقال: لأول مرة تعد لائحة كرست السلطات في يد الإدارة العليا مقارنة باللوائح السابقة التي منحت سلطات أقل لوزراء الخارجية. لأن أعلى هرم الإدارة التنفيذية هو وكيل الوزارة. وأدى ذلك إلى أن يستخدم بعض أهل ثقة الوزير هذه الصلاحيات مما يصعب عملية المراجعات الإدارية. وقال السفير: لأول مرة تتم ترقية من تجاوزوا سن المعاش ومنحهم فترة مشاهرة وترقيتهم إلى الدرجات العليا بالوزارة مما أدى إلى خنق الهيكل بل أن يرقى أحد وقد أرسل به للمعاش وهنالك من ينتظر لأكثر من (7) سنوات. وقال: تمت ترقية أربعة سفراء دون أسبقية وهناك من التحق قبلهم بخدمة وزارة الخارجية بسنوات. كما انتقد السفير المعاشي ظاهرة الخضوع للامتحانات بصورة مهينة لا تحترم تاريخ البعض في الوزارة، وقال إن الأساس هو التدريب المستمر وإحكام معايير الدخول للوزارة منذ مدخل الخدمة، قبل أن يضيف بالقول: إن الوزارة أثبتت انها لا تحترم المواهب والتميز.
الأزرق يترافع
جمعنا كل هذه التساؤلات والانتقادات وتوجهنا بها إلى وكيل الخارجيه السابق السفير عبدالله الأزرق الذي أكد في حديثه لـ(اليوم التالي) أن هذه الترقيات استوفت كل معايير النزاهة والعدالة وفق القانون، ودافع الأزرق عن أداء اللجان المختصة وقال: تم تكوين لجنتين وفق الأسس المعروفة إحداهما برئاسته من وزير مفوض فما فوق والسفير عبدالباسط السنوسي يترأس لجنه ما دون وزير مفوض وتساءل الأزرق: لماذا نظلم الناس ولمصلحة من نفعل ذلك؟ واصفا الترقيات بأنها عبارة عن (جائزة) لمن يجود عمله ويتقنه وقال: هذا الأمر قد يغضب البعض لكن في النهاية كل هؤلاء أبناء الوزارة ونتعامل مع الكل بوتيرة واحدة، وأوضح أنه بحكم اللائحة يمنح درجات وأيضاً الوزير يمنح درجات حسب تقديرهم لأداء الدبلوماسيين، وأشار إلى أن التنافس كان في وظائف محدودة وهو شيء طبيعي، وكانت هذه المحصلة .
اليوم التالي