عندما يكتب أولاد ألوان عن ألوان !!
في الزميلة (الرأي العام) يوم الجمعة كتب الاستاذ علي يس كلمات في حق ألوان .. نشرك القراء بقراءتها هنا :
معادلات – علي يس
كلمةُ حقٍّ .. يُرادُ بها حق!!
< و صديقنا حسين خوجلي قال : (الرجُلُ العظيمُ يُشَكِّلُ وحدَهُ أغلبيَّة)..قالها ? بل كتبها ? وهُو حزين ، ذات مرَّة.. < وكان مَثار المقولة ? الفكرة ، هو أنّ «الأغلبيّة» في ألوان ،»صوَّتت» ضِدَّهُ ، فحَلَّ «الحُكومة» ، وجاء بحكومة جديدة !! < أما عناصر الحكومة المحلولة ، فقد أصبحوا، جميعاً، (حُكَّاماً) وقادةً في صحُفٍ أُخرى !! وأمّا أفراد الحُكومة الجديدة ، فقد أداروا «ماكينة» ألوان ، بذات الكفاءة ، حتّى تسلَّلَ إليهم الضجر من النجاح «ذي اللون الواحد» ، فصوَّتوا مرَّةً أُخرى ، ضد الرَّجُل الأغلبيّة ، فحلَّهُم ، وجاء بحكومةٍ جديدة ، و تسابقت الصحُفُ الأُخرى على احتضان (خِرِّيجي) ألوان الجُدُد، ثم دارت ماكينة ألوان مرّةً أُخرى ، بمبدعين جُدُد!! < والآن .. أَعُدُّ الأقلام التي يؤبه لها في الصحافة السودانية ، فأجِدُ أنَّ (ثلاثة أرباعها) كانت قد تعلَّمَت الحبو ، ثُم المشي المتعثِّر والوقوع ، ثُم المشي الواثق ، ثم الجري ، ثُمَّ الطيران ، ثُمَّ (الرماية) ، ثم «حمل الأثقال»الفكرية ، في ألوان ،قبل أن يصلُبَ عُودُها ، فتنتشرُ في أرض الله الواسعة !! < وأُحصي الآن سبعة رؤساء تحرير يُشارُ إليهم بالبنان ، لا يستطيع أحدٌ منهُم أن يُنكِرَ أنّهُ بدأ مشوارَهُ مع الصحافة منذ ذلك اليوم الذي دخل فيه إلى مكاتب (ألوان) ، غشيماً ، لا يُميِّزُ بين «الآلة الكاتبة» وبين «المطبعة» ، ولكنّهُ ، مع ذلك ، يحمِلُ في أعماقِ نفسه جوهرة الإبداع ، تلك التي يستطيعُ حسين خوجلي رصدها عن بُعدِ مئات الأميال !!.. < والآن ، أعجَبُ كيف خرج كُلُّ هؤلاءِ من «ألوان» ، ثم ظلت بعدهُم صامدة لا تهُزُّها الرياح ، إلى آخر يومٍ صدرت فيه ، بينما كان الناسُ يَظُنُّون ? كُلَّما انصرفت كوكبةٌ من أولئك ? أن ألوان المكلومة سوف تلفظُ أنفاسها الأخيرة أسفاً على بنيها «فتكونَ حَرَضاً أو تكونَ من الهالكين»!!..فإذا بها تُفاجيءُ القوم ? كُلَّ مرَّة ? صامدةً كالنخلة ، بمبدعين جُدُد ، انشَقَّت عنهُم الأرض ، ولسانُ حالها يقولُ للصُّحُفِ الأُخرى : (خُذوا ما شئتُم ، فعندي من المبدعين ما يكفيكم ويكفيني ).. < ويظلُّ أخونا حسين خوجلي ، القادرُ ? دائماً ? على ارتكاب أخطاء عظيمة ، يُداويها بنجاحاتٍ أعظم ، يظلُّ واحداً من عجائب الصحافة السودانية ، ويظلُّ الرجُل الذي تستطيع أن تشتُمَهُ على صفحات الصحف ، وأن تُحصي عليه من الحماقات ما يملأُ «حقيبة سفر» ، وأن تُقسِمَ ألاَّ تُحَيِّيهِ إن لقيتهُ .. ثم إذا بك تتناول القهوة ، بعد نصف ساعة ، بمكتبه ، وبينكما ضحكاتٌ ، ونكتةٌ طازجة ، وسخريات من أشياء كثيرة تستحقُّ السخرية ، أهمُّها وأوَّلُها شخصاكُما المحترمان !! < أذكُرُ الآن ? لسببٍ لا استبينه ? ذلك اليوم الذي صعدتُ فيه «سلالم» بناية منزوية ، إلى حيثُ مكاتب صحيفة «ألوان» .. فتىً يافعاً «غشيماً» .. وأذكُرُ الآنَ كوكبةَ من تلامذة ألوان ، وليس فيهم إلاَّ من يُشارُ إليه بالساعد كله ، أو من مضى منهُم شهيداً ، كعلي السنجك ، وقطبي .. < ثُم أُعيدُ قراءة آخر ما صدر من ألوان ، فإذا بها ، كعهدي بها ، لا تزالُ قادرةً على الإدهاش ، بأقلامٍ رشيقةٍ واعية ، ولا تزالُ ? أيضاً ? قادرةً على الإغضاب ، بأقلامٍ فطيرةٍ ساذجة ، سرعان ما يقوى عُودُها ، أو تنزوي ويبقى ما ينفعُ الناس .. علي يسومن الهدايا : من أخبار الوجه الآخر للحج أن أبي نواس حجّ مضطراً.. حيث حجت صاحبته «جنان» وقد تعذر عليه أن يلقاها ببغداد «فخيّل إليه أنه سيظفر بلقائها في ساحة البيت.. وهي تطوف ولم يكتم بل صرح قائلاً: ألم ترَ أنني أفنيت عمري بمطلبها ومطلبها عسيرُ فلما لم أجد سبباً إليها يعزّيني وأعيتني الأمور حججت وقلت قد حجّت جنانُ فيجمعني وإياها المسير وقد أذلّه الله بحب «جنان» إذ كانت تترفع عنه وتسيء القول إليه وفيه.. وهو يرسل إليها فلا يأتي الرسول إلا بما يسوءه ويكربه.. وهذا ما عناه في قوله: وا بأبي من ذا ذكرتُ له وطول وجدي به تنقَّصني ولو سألوه عن وجه حجّته في سبِّه لي لقال يعشقني نعم إلى الحشر والتنادِ نعم أعشقه أو ألفُّ في كفني وقد ظفر الشعر العربي بفريدة أثناء هذه الزندقة رائعة من فرائد أبي نواس تصلح بأن تسمى «أنشودة الحج» كما سمّاها الدكتور محمد رجب لأنه في رحلته إلى مكة تأثر بما شاهد من ضجيج التلبية والتكبير.. فأخذه الطرب وقال رجزاً أسمعه الناس فجعلوا يرددونه معجبين ومازال يردد حتى زماننا هذا: لبيك قد لبيت لك لبيك إن الحمد لك والملك لا شريك لك ما خاب عبداً أملك انت له حيث سلك لولاك يا ربّ هلك يامخطئاً ما أغفلك عجّل وبادر أجلك وبعد توبة أبي نواس قال شعراًرائعاً في التوبة والأوبة والإستغفار ولكن أهل الادب «المطاميس» توقفوا في عرجته السلوكية ولم يحتفوا بأوبته العقدية وهي أجلُّ عند الله والناس عليه الرحمة.