دمج وديماغوجِيَّةِ الطيب مصطفى
ظل الفكر السياسي – إن صح المصطلح – لرئيس منبر السلام العادل الطيب مصطفى مركوزاً ومرهوناً وموثوقاً إلى وتدٍ واحد لكنه ذو (قرنين) هما (القومية والدين) (العروبة والإسلام)، وظل التوجه القومي في خطاب منبر مصطفى يتقدم الدين ويعلو عليه – بتطرف – يفوق العنصرية بمعناها الاصطلاحي الأكاديمي المبذول في المواثيق الدولية أحايين كثيرة.
وفي هذا السياق، حاول كثيرون كتَّاب رأي، مفكرون، سياسيون، تنبيه مصطفى ورهطه إلى خطورة توجهاتهم السياسية وبؤس ناتجها النهائي، لكنهم- للأسف – اختاروا الطين والعجين يسدون بهما آذانهم عوضاً عن إشراعها وفتحها متزامنة مع العقول والقلوب.
استغل منبر مصطفى بما توفر له من دعم سياسي ومالي – حينها – وبما انفتح له من فضاء إعلامي متسع، للترويج لفكرة سودان جديد يتأسس على ما يعتقد أنه نقاء عرقي، وربما هذا ما دفعه إلى مغادرة الحركة الإسلامية وحزبها المؤتمر الوطني، إذ يصعب عليهما تبني مثل هذا الطرح المجنون، وهما على سدة الحكم – على الأقل – أو لأنهما يزعمان أنهما ينطلقان من مبادئ الدين التي لا تأبه للوطن دعك عن العرق، فالوطن يمتد بامتداد العقيدة.
إذن، لماذا خرج (مصطفى ومفرزته) من المؤتمر الوطني؟ أليس فيه دين؟ على أي حال لن يتكبد الباحث عن أسباب خروج المنبر من عباءة الوطني مشقة كبيرة في أن النزعات العنصرية – سَمِّها (القومية) – تخفيفاً إن شئت، لدى مؤسييه خاصة رئيسه، مثلت مركزية ذاك الخروج/ الانفصال.
لكن الراصد لأداء المنبر وذراعه الإعلامية (الانتباهة) وقتها، لن يعجزه بطبيعة الحال أن يكتشف أنه كان ركيكاً إلى حد الوهن، رغم الإدعاءات الكبيرة التي أثيرت حول دور مركزي له في ذهاب الجنوب، بالطبع كان له دوراً لكنه لم يكن بقدر حسن وسوء ظن الكثيرين. فقد كان خطاب المنبر ديماغوجياً فَضْفاضاً لا مَنْطِقَ لَهُ، يتوسل اسْتَمالة الجُمْهورَ بِالإِغْراءِ والتحذير والتهويل والتهليل والتكبير والتخويف، وما إلى ذلك من تقنيات الخطاب الديماغوجي المعروفة والشائعة، وهو بالتالي لم يقدم خطاباً فكرياً ولا برنامجاً سياسياً مقنعاً، وأنى له أن يبذل للناس ما لا يملك، إذ أن البُنى الأساسية للفكرة التي يروج لها ويبشر بها تحمل ميكانيزمات فنائها في داخلها، وهذا ما حدث لاحقاً.
انفصل مصطفى عن الوطني، ثم انفصل أو فصل عن الانتباهة، ثم انقسم منبره المنقسم عن منقسم (الحركة الإسلامية)، وهكذا إلى أن أصبح منبره لا يسعه إلا هو وثلة قليلة جداً من مريديه.
الآن، استغرب أن يدعو مصطفى إلى دمج كل القوى السياسية في حزبين أو ثلاثة، ألا يعلم الرجل أن الأحزاب أصبحت الآن أطر يسعى الفرد بالانتماء إليها للتعبير عن فكرة يؤمن بها أو لتنفيذ برنامج تنموي يقتنع بجدواة وفعاليته متجاوزاً بذلك الأسس الطائفية، والدينية والمناطقية والقبلية؟
لذلك، بدت لي دعوته هذه، مثل حق يراد به باطل، وإلا فليؤكد الرجل بأن توجهاته السابقة انصرمت، ولا مجال لعودتها مرة أخرى، ثم يقدم برنامجاً سياسياً وبهدوء شديد، ماذا يريد أن يفعل لخدمة الوطن والمواطن، وماذا يريد أن يفعل لدمج القوى السياسية؟ لكنه لن يفعل، لأنه لو فعل لن يكون الطيب مصطفى!