خالد حسن كسلا : مآخذ وثيقة «السد» برؤية الوزير السابق «3»
قلنا في الحلقة الماضية إن عمنا المهندس كمال علي محمد وزير الري السابق قد انتقد وزارة الكهرباء والموارد المائية في أنها لم توفر خبراء من الوزارة لزيارة موقع السد ومشاهدة حجم العمل الذي نفذ والعمل المتبقي. وكان انتقاده في تناوله لمبدأ «أمان السد» ثامن المبادئ بالوثيقة التي وقعت عليها القاهرة وأديس أبابا مع الخرطوم.
قلنا إن الزيارة قبل التوقيع على الوثيقة لخبراء معينين من الوزراء قد لا تجدي مثلما تكون بعد التوقيع على الوثيقة التي من ضمن مبادئها التعاون وتبادل المعلومات.. وهذا سيكون بعد التوقيع على الوثيقة بموجبها. وبالطبع ستكون إثيوبيا حريصة جداً على تجنب الوقوع في محاذير تخالف روح الوثيقة، فكل ما تريده إثيوبيا ألا تضيع تكلفة بناء السد (خمسة مليارات دولار) سدى وتخسر إنتاج الكهرباء المرجوة. فلماذا لا تكون إثيوبيا أحرص من الخرطوم والقاهرة على أمان السد؟!.. ولماذا يكون أمان السد متوقفاً على الخبرة السودانية دون الخبرات المصرية والإثيوبية والأجنبية إذا وجدت؟! وكنت قد قلت في الحلقة الماضية من هذه السلسلة إن الخطأ الهندسي لا يكون إلا مقصوداً كمؤامرة على البلاد من اتجاه آخر غير اتجاهات دعم التمرد وفرض العقوبات.
ثم الآن يمكن أن ترسل وزارة الكهرباء الوفود إلى موقع السد ومعها وفود من وزارة الري المصرية، فقد أصبح «السد» رسمياً ثلاثي الاهتمام والمتابعة. أما مأخذ عمنا «المهندس كمال علي» على البند العاشر والأخير في وثيقة مبادئ سد النهضة الذي يتحدث عن التسوية السلمية للمنازعات، وتشمل المشاورات والتفاوض والوساطة كما ذكرها السيد وزير الري السابق، فإن الوزير السابق «حفظه الله» لفت الناس إلى ملاحظة تبدو ذات أهمية قصوى، فهو يقول: «إذا لم تنجح كل هذه الخطوات كان من المفروض أن يحال الخلاف إلى التحكيم ولكن هناك تهرباً واضحًَا من اللجوء إلى التحكيم لأنه نهائي وملزم، وبدلاً من ذلك قالوا يحال الخلاف إلى رؤساء الدول. هذا أمر عجيب بالنسبة لمنشأة هندسية مثل سد النهضة». انتهى. إذن لماذا وجهت الوثيقة بإحالة النزاعات إلى رؤساء الدول الثلاث بدلاً عن «التحكيم الدولي»؟! هل لأن المبدأ العاشر يتحدث عن مشاورات وتفاوض ووساطة؟! ثم إن اللجوء إلى التحكيم لا أظنه يحتاج إلى نص في الوثيقة، فإذا فشلت المشاورات والتفاوض والوساطة فإن الطريق إلى التحكيم يبقى مفتوحاً بعد ذلك. فمن سيغلقه؟! والبند يتحدث عن التسوية السلمية للمنازعات، والحديث عن تسوية سلمية ربما أغنى الأطراف عن تثبيت اللجوء إلى التحكيم في الوثيقة التي وقعوا عليها. وبعد ذلك أوضح السيد الوزير السابق رؤيته حول أكبر إشكال بالنسبة لسد النهضة، فقال هي حجم التخزين.. ويرى أن المفروض تخفيضها من أربعة وسبعين مليار متر مكعب إلى «11» ملياراً. وهذا الرقم «11» لم يحدده هو بل أيده في دراسة هيئة الاستصلاح الأمريكية.. ويقول إن إثيوبيا وضعته في خطتها وإستراتيجيتها القومية منذ أوائل الستينيات من القرن الماضي، أي قبل أكثر من نصف قرن. إذن هو ينتقد عدول إثيوبيا عما وضعته قبل أكثر من نصف قرن في «خطتها وإستراتيجيتها القومية»، وينتقد أيضًا مصر والسودان في قبولهما لهذا العدول.
طبعاً مصر لن تتضرر من انهيار السد وهي قد حفرت بحيرة السد العالي بعمق يخزن أكثر مما تخزنه بحيرة سد النهضة.. ويمكن أن تقوم بعملية تصريفية عبر أبواب السد العالي تقي أراضيها الغرق من مناطق النوبة شمال السد العالي إلى الدلتا. وكذلك لن تتضرر الكعبة المشرفة في مكة المكرمة كما كان يزعم الإعلام المصري غيرالرسمي قبل التراجع عن الموقف العصبي والتوتري والأحمق من تشييد سد النهضة. أما السودان إذا كان هو المتضرر من انهيار سد بسبب سعة تخزين بحيرته وهو يقام على بعد عشرين كيلو متراً فقط من الحدود السودانية، فإن السد يشيد بعد العقد الأول من الألفية الثالثة والتطور الهندسي بعد أكثر من نصف قرن من دراسة هيئة الاستصلاح الأمريكية، لا يمكن أن يشيد به «سد» سعة بحيرته التخزينية أقل من سعة بحيرة السد العالي التخزينية، ويكون محل شك وتشكيك بالنسبة لأمانه، اللهم إلا إذا كانت هناك مؤامرة..
وغداً نواصل بإذن الله..