مبادرة وادي النيل
* قبل عام من الآن، وتحديداً في أبريل من العام الماضي زارت الخرطوم الممثلة المصرية القديرة فردوس عبد المحيد برفقة لطفي لبيب ومحمد رياض وإبراهيم عبد المجيد تلبية لدعوة من (اتحاد الشباب الوطني السوداني) للمشاركة في فعالية مصنوعة بسذاجة، ومطبوخة بلا سبك جيد عن مشروع تواصل ثقافي واجتماعي بين مصر والسودان ..!!
* العلائق الشعبية بين السودان ومصر، وأزلية التواصل بين أهل البلدين لا تحتاج إلى دعوة فردوس ولا حتى عادل إمام للمشاركة في مسرحية ضعيفة النص، مهزوزة التجسيد وسيئة الإخراج ..!!
* قلنا يومها إنه لو قام عبد السلام النابلسي وإسماعيل ياسين ورشدي أباظة ونادية لطفي من قبورهم، وزاروا السودان بدعوة من (اتحاد شباب حكومي يتبع من الباطن للحزب القابض على مقاليد السلطة) رافعاً في الوقت ذاته لافتة (استقلالية وقومية) لا موقع لهما من الإعراب، فإن تلك الزيارة المستحيلة لن تدفع العلاقات الرسمية بين السودان ومصر سنتيمترا واحداً، فالاختلاف بين الدولتين – وقتها – كان في قضايا جوهرية وهناك تباينات كبيرة في ملفات بالغة الحساسية، وكل جانب لديه تحفظات صعبة عن مواقف وتحالفات الجانب الآخر الاستراتيجية ..!!
* زار ذلكم الوفد السودان وفق برنامج (فقير المحتوى وضعيف البنيان وغير واضح الأهداف) في وقت كانت تسيطر فيه الملاسنات على وسائل الإعلام المصرية، وسيل من الاستفزازات للسودان وأهله يتدفق من شمال الوادي، بينما التقارير التلفزيونية التي تقوم بإجرائها الفضائيات المصرية في حلايب تسعى لتأكيد مفاهيم معينة.. و(اتحاد شباب المؤتمر الوطني) يجعلنا بأفكاره المتواضعة تلك محل تندر وتهكم وسخرية، فالإشكالات بين البلدين معروفة وطرق نزع فتيل الأزمة معلومة والاتحاد (الذي لم يقدم للشباب شيئاً يذكر) يهدر ميزانيات ضخمة ووقتا ثميناً مع لطفي لبيب، في وقت استغنى فيه عن الإشارة كل (لبيب)..!!
* لم تكن لمبادرة اتحاد الشباب تلك أية قيمة تذكر لأنها باختصار شديد لم تكن صادقة من حيث الطرح، والكل كان يعلم أنه لا فائدة من محاولة مغالطتها للحقائق والتفافها حول الأشياء، فهي للأسف حتى في (عدم صدقيتها) عرضت نفسها بطريقة ساذجة وخاصمت الذكاء ..!!
* قلنا وقتها إنه لن يحدث اختراق إعلامي في (المحروسة) يُغِّير من الصورة التي تسعى الميديا لتأكيدها هناك ما لم تحدث مراجعة في علاقة الحكومة بالإخوان المسلمين في مصر و(هذا ما حدث الآن).. وسد النهضة كان سيقف سداً في وجه أي تحسن محتمل ما لم تنشط دبلوماسية البلدين في تقريب وجهات النظر حول مصلحة مشتركة دون أن يشعر طرف أن الآخر يسعى لطعنه من الخلف و(ذاك ما تم بنجاح في الأسبوع الماضي).. والعلاقات السودانية الخليجية ليست ببعيدة عن ملف (التوترات السودانية المصرية) بعد أن وصل (التحزب العربي) مرحلة الإفصاح والمباشرة وتبادل الاتهامات وضرب مصالح الأشقاء وسحب السفراء، و(جاءت مشاركة السودان مؤخراً في “عاصفة الحسم” وما سبقها من تغيير في السياسة الخارجية لتقلب الطاولة رأساً على عقب، فذاك التغيير وحده كفيل بعودة مياه الصفاء لمجاري وادي النيل) ..!!
* الآن تأتي مبادرة جديدة باسم (وادي النيل) يترأسها الممثل السوداني الشاب لؤي محترم، ووصل الخرطوم أمس الفنان إيهاب توفيق والممثل عمرو رمزي في إطار تلك المبادرة التي تبدو حتى هذه اللحظة أشبه بالرحلة السياحية لمبادرين كل هدفهم أن يأتي نجوم الفن المصري للسودان دون أن يكون هناك برنامج واضح وأهداف معلومة للناس تسعى تلك الزيارات لتحقيقها، فلا يعقل أبداً أن تكون غاية المبادرة وصول المدعوين لمطار الخرطوم، ومن بعد ذلك (ما في مشكلة الأمور بتتزبط، ولو ما قلنا حاجة بتكون فكرتنا وصلت وكل شيء بالنسبة للناس مفهوم)!
* سمعت الممثل المتطور والشاب الطموح حقاً لؤي محترم يتحدث عن (مبادرة وادي النيل) مساء أمس عبر شاشة قناة النيل الأزرق فصدمني بحديثه الذي لم أفهم منه شئياً، فالفتى كان يتحدث بغموض عن أمر غير واضح بالنسبة له ناهيك عن المشاهدين الذين أراد أن يشرح لهم، فتارة يحدثنا عن (التواصل الاقتصادي والاجتماعي)، وعندما تطرح عليه المذيعة سؤالاً غريباً عن حفلات ربما يتم إحياؤها في غضون الأيام القادمة في إطار المبادرة لا ينفي ذلك، ثم سرعان ما يتحدث عن (مهرجان مشترك) وغيرها من أفكار غير معلومة التواريخ مما يجعلك تصل لقناعة راسخة مفادها أن الموضوع يحمل اسم (مبادرة) لم تنضج فكرتها بعد – وإن حضر المعازيم لتلبية الدعوة – فكل ما يقال اجتهاد لحظي غير مخطط له و(كلام قيد الارتجال).!
* الأجواء الآن مهيأة تماماً لكل مشروع ثقافي بين شعبي وادي النيل، ولكن مشكلة هذه المبادرة غير الناضجة أنها جاءت في (أفضل توقيت)، إلا أنها للأسف الشديد خرجت للناس بلا أدنى رؤية أو تخطيط!
نفس أخير
* التواصل ثقافة أمة مُش (رحلات وشوية لمة)!