المهدي بين سطور فوضى الحواس
القراءة الطبيعية على (بارومتر) الأحداث بعد مشاركة السودان في عاصفة الحزم تنبئ بأجواء صافية وربيعية على صعيد الموقف العام لحزب المؤتمر الوطني في الانتخابات.
حتى ولو لم يكن الوضع كما هو الآن وكانت الانتخابات السودانية بمشاركة كاملة من كل الأطياف وكانت لياليها ساخنة ومكتملة الحضور من القوى المعارضة الكبيرة الأمة والشعبي والشيوعي والجميع، وكان المؤتمر الوطني يشعر بمنافسة حقيقية وينزعج ويخاف.. ثم جاءت أحداث اليمن وصدر القرار الذي اتخذه السودان الآن بالمشاركة في عاصفة الحزم لكان هذا الموقف وحده يكفي لحسم نتيجة الانتخابات لصالح البشير.
لذلك يجب أن يكثر الصادق المهدي وقيادات المعارضة من الحمد والشكر لله أنهم لم يشاركوا في الانتخابات لأن فرص البشير والمؤتمر الوطني بعد هذا الموقف كانت ستتضاعف.
المؤتمر الوطني وفي ظل غياب المنافسين الكبار لم يكن محتاجاً لعاصفة الحزم لحسم الانتخابات لصالحه فالانتخابات بظروفها الحالية ونوع المشاركة فيها بالنسبة للمؤتمر الوطني إن لم نصفها بأنها ترف سياسي فإنها على الأقل انتخابات مضمونة النتائج، ولا يمثل خوضها بالنسبة لهم أكثر من عملية (قزقزة) لكن مع ذلك عززت العاصفة موقف المؤتمر الوطني وأضفت على شعبيته نوعاً من الصدقية على مستوى الانفعال والتفاعل والشعارات والاحتفائية.
البشير وبعد 25 عاماً من الحكم يجدد حيويته السياسية وسط الجماهير قبل أن يجدد دورته الرئاسية وذلك برغم كل الظروف المعقدة والمعاناة الرهيبة التي يعيشها المواطن.
لكنني أجزم أن هناك الكثير من المواطنين لم تكن لديهم – قبل موقف الحكومة من المشاركة في الحلف العربي – أية رغبة في المشاركة والتصويت في الانتخابات لكنهم الآن قد يذهبون إلى صناديق الاقتراع ويدلون بأصواتهم..
كان من الممكن أن تتخذ قوى المعارضة السياسية والمسلحة موقفاً مبكراً وواضحاً وقوياً في مؤازرة الموقف العربي الموحد وتنجح في منع تميز المؤتمر الوطني بهذا الموقف دون الآخرين لكنها ترددت و(تمحركت) فبدت متخلفة عن الموكب وبالتالي فقدت نقاطاً كبيرة أو قضت نهائياً على رصيد الحياد العربي أو التعاطف من بعضهم مع موقفها.
أما الإمام الصادق المهدي الذي كنا قد تنبأنا قبل أيام بتردده في تحديد الموقف من العاصفة فلم يخذل تحليلنا إطلاقاً وبالفعل بدا متخبطاً في موقفه عبر بيانين متتاليين ومتناطحين بخصوص عاصفة الحزم الأول يفيد بنصف معنى الثاني والثاني ينسف ثلاثة أرباع الأول..!!
وجد الصادق المهدي نفسه في موقف حرج جداً فالمنهج التقليدي للمعارضة وعرفها يجعله يقف في مواجهة أي موقف يتخذه النظام الحاكم (صاح أو غلط) لكن النظام الحاكم هذه المرة اختار موقفاً يجعل أي سهم ينطلق في مواجهته يناوش ويمس الآخرين من أصدقاء المنطقة.
وجد الإمام الصادق المهدي نفسه بين سطرين من السطور العمياء في رواية الكاتبة الجزائرية إحلام مستغانمي فوضى الحواس (هل تخشى الذهاب إلى مكان اعتدت مشاركته فيه؟.. أم أنك تذهب متقصدا لتلك الأماكن لتتحدى الذاكرة؟)..!!
الانتخابات بالنسبة للمؤتمر الوطني صارت نفحة من نسائم العاصفة ولن يكون هناك إذن مجالاً للتشكيك في نتائجها المعروفة مسبقاً.
شوكة كرامة
لا تنازل عن حلايب وشلاتين.