وساطة للرئيس البشير بين الجيران الثلاثة
كتبت عنوان هذا العمود باعتبار “ما سيكون” أو “ما نرغب ونريد” … نحن والعقلاء من أبناء القرن الأفريقي.
هنالك تطورات إيجابية تمنحني الثقة بأن هذه الوساطة ممكنة وستكون ناجحة بإذن الله فقد مضى قرابة الأسبوع على اتفاقية الخرطوم الإطارية لدول حوض النيل الشرقي الثلاث، إثيوبيا، السودان، مصر، (الترتيب حسب إتجاه النيل) وجاءت حرب اليمن والتحالف العربي الكبير والجديد، وهي حدث كبير ومخيف … ولكن رغم ذلك لم يتوقف الجدل حول اتفاقية الخرطوم وزيارة السيسي لأديس أبابا ومخاطبة البرلمان الإثيوبي.
يبدو أن اتفاقية الخرطوم حدث عصي على التجاوز وما زالت تحتكر المجالس هنا وهناك، وكما ذكرت سابقا… في أديس أبابا كان الشعب الإثيوبي يتجمع في المقاهي ويتابع الأخبار عن زيارة وخطبة السيسي باهتمام شديد، وكأنها نهائي كأس العالم.
التعليقات في الشارع العام الإثيوبي كانت تتساءل عن إمكانية صمود الاتفاقية وهنالك حالة استثنائية من الثقة في السودان، أما سحب الشكوك في العلاقة مع مصر فبدأت تتبدد والحمد لله ولكن يمكن أن تتجمع في أي لحظة لو عاود الإعلام المصري الهجوم على سد النهضة ورفض قيامه من الأساس …. الترجمة تحدث في لحظة والإثيوبيون في الداخل والمهجر يتبادلون الآراء المصرية بالواتس والفيسبوك والفايبر، فما يكتب في مصر لا يتوقف عند حد التعبئة أو المزايدة الداخلية بل يؤثر مباشرة في العلاقات الخارجية المصرية. لقد كانت خطوة ذكية وموفقة من مصر ورئيسها السيسي ويجب أن يكون الإعلام المصري بذات المستوى من الذكاء واحترام الآخر.
السودان محترم اجتماعيا في إثيوبيا والشخص السوداني صديق لأي إثيوبي والرئيس البشير شخصيا لديه شعبية وينظر له الإثيوبيون باعتباره الجار الذي وقف معهم للخلاص من نظام منقستو الدموي.
الآن هنالك احترام اجتماعي وسياسي في إثيوبيا وفي المنطقة كلها، وأتمنى أن يتوج السودان مساعيه بوساطة بين إرتريا من جهة، وإثيوبيا وجيبوتي من جهة أخرى، فالضفة الشرقية من البحر الأحمر تشتعل نارا، ويستحسن تأمين الضفة الغربية، لأن النفوذ الإستعماري يسيل لعابه للتدخل في المنطقة وإذا تطاول أمد الحرب في اليمن، ستلتهب المنطقة كلها وهذا مبرر كاف للتسريع بخطوات المصالحة الإثييوبية الأرترية، وحل الملفات العالقة بين جيبوتي وأريتريا.
نعم صحيح الملف معقد وشائك وهنالك عقبات، فالخلاف ليس إثيوبيا أرتريا فقط، هنالك ملف الأسرى الجيبوتيين في أريتريا والذين عاد بعضهم وحكى عن أحوال البقية رغم نفي أسمرا للموضوع، ولكن والحق يقال لقد أوفت جيبوتي بإلتزاماتها عقب الحرب المريرة بين الطرفين وبات على أرتريا القيام بذات الخطوة، وجيبوتي دولة محترمة ولدى رئيسها سمعة طيبة في دعم الاستقرار في المنطقة ولا أعتقد أن السودان ولا إثيوبيا يتجاوزان مرارات شعب صديق لهما لتحقيق صفقة جزئية، تتناسى جراحات أسر جيبوتية لا تعرف شيئا عن مصير أبنائها، أحياء هم أم أموات؟!
أرتريا من جانبها تحتاج أن تتحدث عن نفسها ولا يتحدث عنها الآخرون ولكن المشكلة تكمن في علاقة أرتريا بالإعلام الخارجي، فقد ظلت هدفا لحملات عاتية منذ طردها للأمم المتحدة، ولولا انشغال العالم بالسودان وجنوب السودان لكان التدخل الأجنبي العسكري وفق الفصل السابع قاب قوسين أو أدنى.
لحسن الحظ … السودان صديق للدول الثلاث … إثيوبيا أريتريا جيبوتي، والرئيس البشير شخصيا صديق للزعماء الثلاثة … هايلي مريم ديسالين وإسماعيل جيلة وأسياس أفورقي وبمقدوره دعوتهم للخرطوم وإبرام مصالحة تاريخية.
أكرر … البحر الأحمر الآن نصفه يشتعل وإذا لم نرتب أوضاعنا ربما يلحق النصف الآخر بأخيه، لا سيما وأن الصومال … “يادوب بدأت تشم العافية بعد عشرين سنة حرب!” ولو انفجرت اليمن وانتشر السلاح … سنسمع بداعش فرع الصومال والحوثيين في جزر ارتريا، وقواعد سرية لإيران هنا وهناك، وقد يتم تلفيق هذه التقارير للتسويق للتدخل العسكري في بعض الدول، أو الزج بها في الصراع.