احمد دندش

في الساحة الفنية (مهرجلين).!

والساحة الفنية بعد رحيل عملاق الأغنية السودانية والأفريقية (محمد وردي) اشبه بالفصل الدراسي الذى غاب عنه (الالفه)، وترك بذلك مساحة مقدرة للـ(فوضويون) ان يمرحوا بداخلها دون أن يجانبهم عقاب، أو تمتلكهم لحظات خوف.
وحديثنا عن (هرجلة) في الساحة الفنية، هو حديث قد لايعجب كثيرين من ضمنهم (السادة) في إتحاد المهن الموسيقية الذين يتجاهلون كل حديث تنبيهي ويتعاملون معه فوراً على انه مجرد (إستهداف رخيص) لإتحادهم، مع أن (الهرجلة حااااصلة) ولاتحتاج لأكثر من مجرد (متاوقة) على الساحة الفنية، وقبل ان استرسل في حديثي هذا دعوني اسأل -ببراءة ذلك الذئب الذى ظلمه ابناء يعقوب- إتحادنا المصون عن خططه لمكافحة تلك الاغنيات التى تسمى (بالهابطة)، وان اسأل ايضاً عن قانون -تم تبشيرنا به قبل عام و(زيادة)- يتم بموجبه معاقبة كل فنان يؤدي اغنية (هابطة)، وعن الرخصة التى تم منحها لكل من (هب ودب).
و…نعود للألفه..ومواصفات ذلك الألفه..والذى حكمت الاقدار ان الا يتم اختياره من قيادات الاتحاد، بل من عُمق الشعب، لذلك كان من الطبيعي ان يلعب الراحل (وردي) ذلك الدور، وأن يصبح هو (الفه) الغناء السوداني والمسؤول الاول و(الشرعي) عنه، وكنا نلاحظ هذا الدور جلياً في الراحل، حتى في صراحته المعهودة، والتى كانت تمثل مشرطاً جراحياً بالرغم من آلامه، إلا انه السبيل الوحيد لإستخراج ذلك (الورم الخبيث) من رأس الاغنية السودانية، والراحل (وردي) كان (جراحاً ماهراً).
والحكاية يرويها لي فنان شاب ويقول بأنه كان يجلس مع وردي بمنزله بالمعمورة، ويخبرني بأن تلك الجلسة ستحدث نقله كبيرة في مسيرته الفنية، وأبتسم أنا بهدؤ…فذلك الشاب يخضع الان لـ(عملية جراحية)..في نفس الوقت الذى كانت فيه الصحافة الفنية تبحث عن (مشنقه) للفتى في كل مكان متوقع، والإتحاد (الثائر) والمواجه بحملات الاعلام الشرسة.. يعلن عن خطة قادمة كاسحة لابادة اولئك (المغنواتيه)..أو هكذا وصفهم احد الموسيقيين الكبار.. بعد ان استعصى عليه ايجاد تعريف او تسمية لذلك الجيل…والكل كان منشغلاً بالمحاربة والمكافحة عبر طرق اكثر ايلاماً، أما (الالفه) فقد كان يمارس في نفس الوقت (جراحه تطهيريه) للساحة، وهو يعلن عن مده لعدد من الفنانين الشباب بالحان جديدة، ولبعضهم بأغنيات كذلك، ويبدأ فعلياً في مداواة جروح الفن التى بداءت تندمل بفضل قيادته ووعيه وحنكته، وليس بتصريحات فلان (الهوجاء)، أو حتى بأحاديث بعض كبار الفنانين عن زجهم (للمغنواتية الصغار) لغياهب (الحراسات والسجون).
لهذا كان هو (الفه) للكبار وللصغار معاً.
ونعود للحديث عن (الهرجلة)..بعد صمت مهذب قصير-قبيل رحيل (وردي)-ومابعد الرحيل يستحق ان يكتب..ويستحق ذلك (الالفه) الذى شخص المرض الحالي للساحة الفنية، أن نأخذ (روشتته) وان نعمل بها، وان يحمل ماتبقى من الكبار نفس مشرط (وردي)، وأن يواصلوا خطته (التطهيرية) للساحة الفنية، ليس بالقوة..وانما بالحنكة..وليعلموا تماماً انهم سيجدون اجساداً جاهزة للجراحة، فلايزال تأثير (الالفه) محمد وردي عليها كبير..ولايزال (البنج) الذى حقنها به..لايزال مفعوله سارياً…و…(بنج) وردي يسرى لألف عام..وعام..!