خالد حسن كسلا : مشكلة «سد النهضة» المضاف إلى «الحصة»!!
المتابع في هذه الأيام بالذات للأخبار والتقارير والحوارات والندوات حول آخر التطورات بشأن مشروع سد نهضة إثيوبيا العظيم كما يسميه أهله، يلاحظ أن أمران هما منشأ تخوف مصر من تشييد هذا السد. وهما إنقاص كميات المياه التي تتدفق في بحيرة السد العالي «بحيرة النوبة» أو «بحيرة ناصر» ومن ثم تجري نحو الدلتا، وهذه الكميات هي حصة مصر والجزء من حصة السودان غير المستغل وما يزيد على الحصتين في موسم الخريف، والأمر الثاني هو احتمال انهيار السد لأسباب منها فنية ومنها وهمية يركز الاعلام المصري باستمرار على ترديدها.
وهنا دعك من الأسباب الوهمية التي كانت مدعاة للسخرية، فمن الأسباب الفنية أن السد الذي تسع بحيرته أربعة وسبعين مليار متر مكعب من الماء إذا انهار بسبب سوء التصميم وعدم جودة المواد البنائية فإنه سيحدث كارثة غرق ودمار فظيعة جداً شبيهة بصورة مصغرة لفيضان تسونامي.
طبعاً هذا أضعف احتمال، لكن كان تسويقه إعلامياً لصالح الحفاظ على كميات المياه التي تتدفق على مصر وهي حصتها زائداً غير المستغل من حصة غيرها.
وإذا تخوفت إثيوبيا من انهيار مشروع صرفت عليه خمسة مليارات دولار، فإن الخبراء يمكن أن يفكروا في حفر بحيرة احتياطية عميقة تكون فارغة وجاهزة لاحتمال الانهيار لكي تبتلع المياه التي تتدفق بعد الانيهار بقوة وكميات ضخمة من بحيرة السد.
والبحيرة الاحتياطية أصلاً فكرة روسية تحفر لمثل هذا الطارئ، وإن كان العمل الهندسي الذي يقف عليه الخبراء يغني عن حفر بحيرة احتياطية في مناطق جبلية ثابتة وبعيدة من حزام الزلازل مثل إقليم النيل الأزرق داخل الأراضي الاثيوبية.
ومعلوم أن القانون الدولي واتفاقية الأنهار الدولية لا تمنع تشييد «سد» بدعوى احتمال انهياره. وهذا ما يكفل لإثيوبيا حق تشييده أو استكمال تشييده بعد أن نفذت أربعين بالمائة من المشرع.
وإذا كانت مصر بالفعل تتخوف من مشكلة فنية قد تعتري تشييد «السد»، فيمكنها أن تعين إثيوبيا على حفر بحيرة احتياطية وتشجع الخرطوم على اقامة بحيرة كجبار لزيادة البحيرات على مجرى النيل منعاً لكوارث الإغراق المحتملة مجرد احتمال ضعيف.
الرئيس السوداني في تصريحاته أخيراً حول موضوع وثيقة مبادئ سد النهضة لم يشر الى حتمية عيوب فنية، بل ألمح إلى معالجات فنية كمصلحة مشتركة بين إثيوبيا ومصر، فلا تخسر الأولى مشروعها العظيم المرصود له خمسة مليارات دولار، ولا تستمر مخاوف مصر من احتمال حدوث كارثة مائية.
وبهذا الحديث السوداني الرسمي رفيع المستوى بل أرفع من ذلك، يتضح موقف السودان من مشروع سد النهضة بصورة أكبر.
وإذا كانت المشكلة بالدرجة الأولى يمكن أن تكون فنية فإن تضرر السودان يبقى هو الأكبر منها.. ولكن السودان استبعدها، فلماذا تحمل مصر وهي أبعد من السودان هذا التخوف؟!
بين مصر والسودان أربع بحيرات محفورة وراء السدود السودانية على النيل الأزرق. وهذا التساؤل طبعاً يؤكد أن خوف مصر من فقدانها ما يزيد على حصتها القانونية. ومصر تعلم أن حصتها لا تنقص.. لكن ما يزيد عليها ربما يتأثر بتشييد «سد» بحيرته تسع أربعة وسبعين مليار متر مكعب.
وأيضاً ما يؤثر على ما يزيد على حصة مصر هو إعادة الأمن والاستقرار وتهيئة الأجواء لإقامة المزيد من مشروعات التنمية التي ستحتاج الى شق الترع لتتدفق فيها مياه النيل لري المشروعات الزراعية والرعوية المرتبطة بالصادر والصناعة.
إذن كل الخوف أن تتدفق على مصر حصتها «فقط» من المياه.. حصتها «فقط» وتفقد «الزائد».