من الكوميسا 18 (3)
دار النقاش مع الموظف الإقليمي الكبير – يحب النقاش مع الصحفيين ولكن لديه حساسية من ذكر اسمه – ولكنه اهتم جدا بحديثي وتأخر في كراسي اللوبي معي وقد قطعت الجلسة حوالي ثلث ساعة، ثم أحال إلى دراسة ورغب أن يسمع وجهة نظري فيها قبل أن ينفض سامر القمة التجارية شكلا والسياسية حقيقة كما قلت سابقا.
الدراسة أعدها ثلاثة خبراء دوليين متمكنين وأساتذة جامعيين، إذا رأيتهم تعجبك “أسماؤهم” ولكن لم تعجبني دراستهم على الإطلاق، وحتى لا أبدو مستعجلا في الحكم على دراسة علمية ثرية ومحكمة ومدعمة بالأرقام والبيانات، فإنني استعير بعضا من فلسفة “نسيم نيكولا” في كتابه البجعة السوداء وهو الأعلى مبيعا في العام الذي طبع فيه، والسبب أنه انتقد الجهات التي تعود الناس التسليم لها بنقدها للأشياء وهي مراكز الدراسات، اتهمها بأنها قوالب وقنوات مصممة بحيث تخرج خلاصات محددة وأنها تعاني من علل أكاديمية تراكمية جعلتها لا تتنبأ بأي واقع سليم، لأن لديها “واقعا إفتراضيا” تعيش فيه ويسكنها من داخلها.
العلماء الثلاثة الذين درسوا الكوميسا “نموذجا للكتل التجارية في العالم الثالث” وخلصوا إلى أنها فاشلة وآمالها في النجاح ضعيفة أسسوا هذه القناعة على أرقام وبيانات صحيحة تؤكد أن معظم دول الكوميسا تحتاج إلى إصلاحات هيكلية داخلية حتى يتعافى إقتصادها الوطني، وتحتاج إلى طرق وجسور وبنى تحتية وتعليم وصحة وأسواق داخلية منتعشة وتعدد في الصادرات وتنوع في الإيرادات و…
الغريبة أنهم لم يتحدثوا عن برنامج نووي وصل إلى مرحلة “الماء الخفيف”، ولا عن فريق وطني للجمباز؟!
قدموا أرقاما وبيانات صحيحة تقود إلى صحة أحكامهم ولكن يبقى السؤال … طيب إذا امتلكت هذه الدول كل هذا ما هي ضرورة الكوميسا و”وجع الراس”؟! يستحسن بعد هذا أن تنضم للتجارة الدولية … دون تحفظات “وهنا مربط الفرس”!
مشكلة العلماء الثلاثة تشبه مشكلة سياسيين ومراقبين وخبراء تحدثوا أيام مفاوضات السلام “نيفاشا” وقالوا “التنمية قبل السلام”، وكان الرأي المغاير يقول … “سبب الحرب هو ضعف التنمية الحاد، والذي بسببه يشعر مواطن المنطقة أنه لا يمتلك شيئا يخاف عليه من الحرب، ولكن عندما تلوح أمامه معالم بنية تحتية وعندما يتنعم بطريق “ردمية” فإنه يفكر في “الأسفلت” وعندما يدرس ابنه في مدرسة أساس فإنه سيحلم بأن يدرس ابنه الثانوي والجماعة ويتخرج طبيبا بدلا من أن يموت في الحرب.
قد يقال … “ما تشكر الراكوبة في الخريف”، جاءت نيفاشا وذهبت والحرب موجودة، والجواب أن العيب ليس في مبدأ إحلال السلام وتوقيع “المرحومة نيفاشا” ولكنه كان في نصوصها والضغوط التي صاحبتها ومحاولة تنفيذها بحيث تقضي على النظام في الشمال لأهداف تخص المعسكر الغربي وحلفاءه في الشمال والجنوب، وها هي الأمور الآن تمضي إلى إتفاقيات تصحيحية في الشمال والجنوب وبين الشمال والجنوب، والدافع في كل الأحوال أن هنالك تنمية ونفطا يوميا يستحق عملية السلام لأنه يمكن أن يحسن أحوال المواطنين.
لو لم يكن هنالك نفط لما كانت هنالك نيفاشا ولما كانت هنالك مفاوضات حاليا … ابقوا معنا.
ذات المنطق يواجه العلماء الثلاثة الذي انتقدوا قيام كتل إقليمية تجتمع فيها بلدان ضعيفة اقتصاديا، والجواب أن الاجتماع وفتح الحدود ينشيء أسواقا وفرصا جديدة، ويفجر الموارد الكامنة، ويحرك رؤوس الأموال على قلتها من هنا إلى هناك، على أقل تقدير “خليهم يقسموا الهم ياخ”!