“هداسي جاديب”… ثمرة التعاون
إبان زيارتي إلى (أديس أبابا) قبل نحو ثلاثة أشهر، جلست مطولاً إلى أحد البرلمانيين الإثيوبيين فنثرنا بألسنتنا أحاديث كثيرة، في الثقافة والسياسة والاقتصاد والعلاقات بين شعوب المنطقة، لكننا وجدنا (نفسينا) منخرطين أكثر في حوار بناء حول (هداسي جاديب) وهو الاسم الأمهري للسد الإثيوبي العظيم الموسوم عربياً بـ(سد النهضة).
الرجل لم يدخر من المعلومات والحجج والبراهين بشأن فوائد السد لكافة دول حوض النيل وأفريقيا إلا و طرحها على طاولتنا، إذ قال إن هذه المنشأة الاقتصادية الضخمة هي سودانية أكثر مما هي إثيوبية إذ يبعد السد الذي يقع في إقليم بني شنقول – قمز عن الحدود السودانية بنحو 30 كيلومتراً تزيد أو تنقص قليلاً، وهو في هذا الموقع يبدو وكأنه داخل حدود السودان، علاوة على أن التنمية التي سيشهدها على إثره إقليم بني شنقول – قمز ستؤثر إيجاباً على نظيره السوداني (النيل الأزرق) الذي ظل يرزح منذ عقود خلت ولا يزال تحت وطأة الحرب.
قال محدثي: إن إنسان النيل الأزرق (السوداني) هو ذات إنسان بني شنقول – قمز (الإثيوبي)، وما يحدث هنا إيجابياً كان أم سلبياً يتأثر به بالضرورة من هو (هناك)، ولذلك فإنه يتوقع أن يلعب السد دوراً مهماً رغم أنه غير منظور في المساهمة في إيقاف الحرب في هذه المنطقة، إذ لن تسمح إثيوبيا ولا سكان الإقليم (الواحد) باستمرارها عقب افتتاح السد وبدء استخدامه في العام 2017م كما هو مخطط له.
وهنا لا بد من الإشار إلى أن (هداسي جاديب) يعتبر عاشر أكبر سد في العالم، وأن الشعوب الإثيوبية أنفقت نحو 4.7 مليار دولار أمريكي لإنجازه، بشرائها لسندات وصكوك حكومية مقابل فوائد سنوية تدفع لملاكها عند ابتدار العمل في السد المخصص لإنتاج الطاقة الكهرومائية.
بالطبع أثار السد جدلاً كبيراً خاصة مع مصر أعقبته تداعيات خطيرة كادت تصل بالبلدين إلى شفير الهاوية، خاصة بعد أن كشفت وسائل الإعلام عن اجتماع للقيادة السياسية المصرية انعقد في 3 يونيو 2013م إبان حكم محمد مرسي دفع يمقترحات لتدمير السد، بما في ذلك دعم المتمردين المناهضين للحكومة الإثيوبية ما أضطر أحد كبار مساعدي مرسي للاعتذار واضطرت حكومته لإصدار بيان يثمن الحوار والاحترام المتبادل والسعي لتحقيق المصالح المشتركة دون إيذاء أي من الطرفين الآخرين.
الآن، هدأ كل شيء تقريباً، خاصة بعد الإعلان المشترك للدول الثلاث (السودان، اثيوبيا، ومصر)، عن أنهم سيوقعون في 23 مارس الجاري على وثيقة اتفاقية سد النهضة الإثيوبي في الخرطوم.
وفي انتظار الاثنين، بعد غد، نأمل أن يكون سد النهضة ثمرة للتعاون المشترك بين حكومات المنطقة، وأن يسهم في تنمية شعوبها وإحلال السلام بينها.