مصر والسودان حتة واحدة..!!
اتجهت كل الأنظار إلى الزعيم الذي خرق البرتكول أثناء مراسم تشييع الرئيس جمال عبد الناصر.. كل الأعين اتجهت إلى الرجل الذي يبكي بصوت مسموع، ولم يكن ذلك الزعيم سوى حعفر نميري.. فيما أنور السادات نائب الرئيس المصري اكتفى بوضع نظارات سوداء لتخفي أحزانه في ذاك اليوم المشهود.
عقب توقيع اتفاقية كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل أدار كل العرب ظهرهم لمصر عقب مؤتمر بغداد الشهير.. الخرطوم كانت- وحدها- التي احتفظت بوشائج المودة مع القاهرة رغم الاختلاف الحاد في وجهات النظر.. استمرت العلاقة الأزلية بين البلدين حتى وصلت مرحلة التكامل والبرلمان المشترك.. صحيح حدثت جفوة في العلاقة بين مصر والسودان بعيد انتفاضة أبريل وإيواء مصر للرئيس المخلوع جعفر نميري.
حينما وصلت الإنقاذ إلى سدة الحكم رحبت بها القاهرة، وجاء الترحيب على لسان السفير المصري الذي أرسل برقية تقول “دول أولادنا”.. بعد أيام كان السفير الشربيني ذو الخلفية الاستخباراتية يمازح بائع البطيخ الذي (كوم) بضاعته قبالة السفارة المصرية في المقرن قائلاً: “أيه أخبارنا يا باشا”.. بلغ التوجس المصري حد النظر إلى بائع بطيخ بعين الريبة والتخابر.
انتهت العلاقة بين مصر والسودان في منتصف التسعينيات، حين اتهمت القاهرة الحكومة السودانية بالضلوع في اغتيال الرئيس المصري في أديس أبابا.. انتهت تلك السحابة بتسامح مصري أدى إلى موت القضية في أضابير مجلس الأمن الدولي.. لكن من ذلك التاريخ لم تستعد العلاقة عافيتها إلا بوصول المشير السيسي إلى عرش مصر.
في يونيو ٢٠١٤ فوجئت الخرطوم بطلب زيارة خاطفة من الرئيس الجديد لمصر.. توقف المشير السيسي لساعات بالخرطوم، وأزال حواجز من الشكوك.. زيارة السيسي الخرطوم سبقت زيارته إلى دول حليفة مثل دول الخليج.. ويبدو من ذلك التاريخ أن المشير السيسي يتعامل بنظرة إستراتيجية للعلاقة مع الخرطوم.. سياسة الجفاء والتعالي والغرور جعلت الخرطوم تبتعد عن القاهرة، وتحسب مصالحها بشكل منفرد في قضية سد النهضة.
في الأسبوع الثاني من هذا الشهر زار الرئيس البشير مصر ضيف شرف في المؤتمر الاقتصادي لدعم مصر.. وجود البشير في ذاك المحفل، وإلقاؤه لكلمة أمام تجمع عربي وعالمي، كانت تأكيدا للنظرة الجديدة للقيادة في مصر.. قمة المشير البشير والسيسي ستتكرر في هذا الشهر ثلاث مرات.. في الثاني والعشرين ستعقد بالخرطوم قمة ثلاثية تجمع بين مصر وإثيوبيا والسودان؛ للتوقيع على اتفاق تمهيدي حول سد النهضة.. قبيل نهاية الشهر سيكون البشير في القاهرة مشاركا في القمة العربية.
بصراحة- التطور الإيجابي في العلاقة بين البلدين ثمرة للرؤية الواقعية لصناع القرار هنا وهناك.. تطور ثمنه تنازلات سياسية كبيرة.. لكن التحدي سيكون في استمرار العلاقة الجيدة خاصة أن الخلفيات الأيدولوجية بين طبيعة الحكم في البلدين تجعل الخلاف وارداً، بل ومحتملاً في أي وقت.