الدعوة الصاح.. المكان الخطأ
خرجت بعض الصحف المحلية والعربية أمس بخط كبير يقول بخطأ السيد كيري وزير الخارجية الأمريكية في ملتقى شرم الشيخ الدولي، وهو يدعو للعمل على مستقبل دولة إسرائيل!! ذلك ما أنظر إليه في المقابل – أنا صاحب هذه الملاذات – بما يشبه سقطة هذه الصحافة التي احتفلت بهذا الخبر وليس بسقطة السيد كيري الذي يعني ما يقول.. فالخطيئة الكبرى – ولا أقول الخطأ – تكمن في أن شرم الشيخ تاريخياً قد أنشئت كمنطقة محايدة.. أقرب إلى مفهوم (المناطق السياسية الحرة) التي لا تحظر فيها أي سلعة سياسية ولا أي لقاء أو مصافحة وعناق مع قادة الكيان الصهيوني.. ذلك على سبيل المنطق والمناطق المحرمة في العرف الجماهيري العربي والعمق الشعبي الإسلامي.. هكذا صممت شرم الشيخ على أيام (الكنز الإسرائيلي) الرئيس المخلوع حسني مبارك لتكون مكانا للصفقات والتصفيق بين العرب واليهود عموما والإسرائيليين خصوصا.. فما لم يجرؤ النظام العربي الرسمي على فعله في العواصم العربية يمكن تحويله إلى هذه المنطقة السياسية الحرة التي تدعي شرم الشيخ !! إذن إن السيد كيري الذي يتحدث من منبر على مسافة بضع كيلومترات من مقر الكنيسة الإسرائيلي، يدرك تماما مغزى المكان الذي وظف دوما لمصلحة دولة الكيان.. فمن الطبيعي أن يكون البيت الأول من قصيدة السيد كيري تغزلا في دولة إسرائيل تماما كما يفعل شعراؤنا العرب في مستهل معلقاتهم الشعرية.. هل غادر الشعراء من متردم أم هل عرفت الدار بعد توهم.. يا دار عبلة بالجواء تكلمي وعمي صباحا دار عبلة واسلمي.. ثم بعد ذلك يسمي حاجته ويحدد وجهة خطابه.. وليس للرجل كيري، والحال هذه، ذنب سوى أنه استدعى وأحيا بعض أدبيات شعرنا الجاهلي.. ذات لحظة عربية جاهلية مختلة الموازين والقوى ملتبسة الهوية لدرجة الهتاف.. يا أمة قد ضحكت من جهلها الأمم !!
طربت جدا لجرأة وجسارة الرئيس البشير الذي أهمل تراجيديا المكان الخطأ ليرسل خطابه الصاح.. الذي يتمحور حول صناعة الأمن الغذائي العربي، باعتباره الطريق الأمثل لنهضة هذه الأمة وتحريرها واستقلاليتها.. وهو يومئذ يدرك أن ليس هذا هو المكان الأنسب لخطاب تحرير الأمة الصاح.. فالقوم هنا يا للعجب.. عجما وعربا.. لا يجرأون على الجهر بمثل هذا الأدب الذي يصطدم بالزمان والمكان.. لكن يبقى من الكرامة والمروءة.. ثم للأجيال والحقيقة والتاريخ.. أن تقول ما تؤمن به ثم تذهب لتنام ملء جفونك وتترك الآخرين جراء ما قلت يصطلحون ويختصمون!! يا لك من رجل في الآخرين قليل و..
* وأمتنا، تعيد بهذا إنتاج تراجيديا غلام بسطام، وهي تستدعي حلولاً من أعدائها وحلها بين يديها.. قيل إن غلاماً في غابر الأزمان خرج من بسطام طلباً للعلم تاركاً العالم البسطامي الشهير.. ولما طرق باب مدينة بعيدة قال له بوابها “إن الذي خرجت لأجله قد تركته وراءك ببسطام”.
فالذي نؤمن به، اقتصادياً وتحريرياً وأخلاقياً وقيمياً واستراتيجياً، هو أن هذه الأمة لن ولم تقم لها قائمة إلا بعد أن يتحالف “النيل مع الأرض مع النفط مع القيم” يوم يكتب كتاب الأمة في الخرطوم.. تزاوج الماء العذب مع النفط.. عندما يقول قائلنا.. رضينا أن نستزرعكم أرضنا البكر على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم..