سياسية

غضبة “شوكاي” تبدو “تابيتا” كما لو أنها سياسية لا تجيد اللعب بالبيضة والحجر ومع ذلك تحتفظ بموقعها الوزاري

لشهور ممتدة اكتفت تلك السيدة السمراء بالصمت، عنوانا غير مرئي لرحلتها الطويلة في محيط الاستوزار، (تصحى الكهارب في الشوارع)، ولكن وزيرة الدولة بالكهرباء لا تصحو، فجأة تومض تنورتها الزرقاء كأنها راهبة في حملة مرشح المؤتمر الوطني، تصدر صوتاً خافتاً سرعان ما ينفجر، تتولى الحديث بوصفها إحدى بنات الحركة الشعبية المسالمات، أو بالأحرى رئيس اللجنة العليا للحملة النسائية لترشيح البشير، ولكنها شاهدة على سنوات ما بعد نيفاشا، تمتدح تابيتا البشير نصير المرأة على ما وصفته، وتضيف أن اختيار المرأة له ينبع من قوميته.. هنا، تحديداً، يصفّق الجمهور داخل أرض المعارض، وجلُّهم من نساء المؤتمر الوطني، والأحزاب المشاركة في السلطة، فيفيض وجه المرأة، بتعبيرات نشوة غامرة، لعلّها لم تشعر بمثلها، منذ كانت تتحدث عن السودان الجديد، لكن تأتي الرياح بما لا تشتهي سفن الوزيرة.
هجوم مضاد
في اليوم الثاني تبث مواقع التواصل الإجتماعي فيديو لتابيتا بطرس معالجا بالفوتشوب، تتخله فواصل تحطيم (ألواح الثلج).. يعقبه تسريب آخر غير مؤكد، ولكنه يسرق لسانها ويبرر بأن حديثها مرده “خوفها من أن تطرد من الحكومة، مثلما طُرد مناوي وهي لا تريد ذلك”، كما أنها غير مقتنعة بكل ما ذكرته في أرض المعارض ببري، بحسب منطوق التسريب، لكن الوزيرة تنفجر غاضبة، وتخرج في صحف أمس الأول مطالبة بإغلاق مواقع التواصل الاجتماعي، وتعزو مطالبتها إلى أن تلك المواقع -وتشير لها بالاسم- تهدد الأمن القومي والأمن الأخلاقي، وتتعرض للأسر والنساء السودانيات العفيفات. تمضي وزيرة الدولة بالكهرباء والموارد المائية أكثر من ذلك وتتعهد بتحريك دعوى جنائية ضد أحد المواقع، على خلفية ما أسمتها الافتراءات التي أوردها في حقها، وتضيف أن الموقع أساء إليها وعمد إلى تشويه صورتها وسط المجتمع السوداني.
حملة إسفيرية
بالطبع ليس ثمة ويكليكس هنا، ولكنها محاولة إثارة الدخان والعطس، تتجدد دونما اكتراث، فيبدو الأمر وكأنه حملة نفسية لقطع الطريق أمام الأسماء المشاركة والنشطة في الحملة الانتخابية، تابيتا هنا مستهدفة، هي تريد أن تقول ذلك، مثل ما أن شعورا كامنا لدى الكثيرين، بأنها تبالغ في المدح، وتستعطف دورة جديدة في الوزارة، سيما وأن الفطام من السلطة ليس بالأمر اليسير، وليس بمقدور القيادية بالحركة الشعبية -تيار السلام- التضحية بثمار صبرها هنا، وفوق ذلك يبدو أن شهادتها مهمة، كامرأة مسيحية تنتمي للمناطق المأزومة بالحرب.
تعود تابيتا للأضواء وهي أكثر حدة وحساسية في التعامل مع الكتابات الإسفرية، مما يشير على نحو كبير إلى أنها أيضاً حريصة على صورتها بالخارج، ولا تتمنى أن تلتصق بها بعض من صفات النفاق، أو المزايدة، ولذلك تحاول أن تبرز أن دعمها لترشيح البشير في الانتخابات الحالية ناتج عن قناعة تامة ومن ثم تقول: “ما في زول أجبرني على دعم البشير وما خايفة من أحد”، وتباهي أيضاً بأنها قديسة تقرأ الكتاب المقدس، وهي إشارة على ما يبدو لصدقها مع نفسها وإيمانها بالقدر والخلاص. وفوق ذلك تبدو تابيتا كامرأة قوية حين تكون أنثى في طبيعتها وظهورها، صلبة في مواقفها، حازمة عند الضرورة، طالتها الكثير من السهام والاتهامات، فتعاملت معها ببرود شديد، بخلاف غضبتها الأخيرة.
شهادة الرئيس
قبل أكثر من عام صعدت وزيرة الدولة بوزارة الكهرباء والموارد المائية منصة الانتصار عقب تحرير أبوكرشولا، انتصبت جنباً إلى جنب مع الرئيس البشير وقيادات الدولة، كاميرات التلفزة صوبت نحوها بتركيز وهي دامعة العينين، وربما كانت تلك دموع الفرح التي جلبت لها ومضة ذكر في خطاب الرئيس الذي حياها بالقول “دي تابيتا وهي مع السلام وأهالي جبال النوبة بريئين من المجازر”..
في عيون الناس تبدو هذه الممرضة بنزعاتها الإنسانية شديدة الإبهار كما ألوان الطيف، ومنذ أن قررت المكوث بالداخل ونبذت الحرب صوبت نحوها رصاصات قاتلة، ومحاولات عديدة للقضاء علي وجودها في العمل العام، لكنها كانت دونما مرة تخرج وهي سالمة بذات الألق وبهرجة السلطة.. الشاهد أنها رقم ثابت في كل التشكيلات الوزارية منذ تفصيل جلباب حكومة الشراكة الأولى بين الحركة الشعبية والمؤتمر الوطني، والذي حجزت فيه مقعدها وزيرة للصحة الاتحادية عامئذٍ.
تابيتا بالحجاب
في إحدى الزيارات الميدانية صعدت بطرس سيارة اللاندكروزر وهي بكامل زينتها، إلى ولاية النيل الأبيض، المناسبة تدشين توليد محطة (أم دباكر) الحرارية، المفاجأة كانت عندما صعدت الوزيرة المنصة لتخاطب رجالات الولاية ومهندسي الشركة السودانية للكهرباء وبعض الإعلاميين، في تلك اللحظة وضعت الوزيرة الحجاب وعصبت رأسها بطرحة أخفت بها شعرها ولم يظهر منه إلا خصلات ذهبية طائشة، الغرض من كل ذلك أنها قررت أن تظهر وهي محجبة أمام الرجال الغرباء، وربما هالها الهجوم العنيف الذي تعرضت له وزير العمل إشراقة محمود وقتها بسبب نفس الخصلات، الكثيرون تساءلوا ساعتها: هل سترتدي تابيتا الحجاب في الأيام القادمة؟ هاهي ترد اليوم بأنها قديسة وتقرأ من الإنجيل، وربما تضيف أنها مفتونة (بشفرة دافنشي) وحكاية ميري في لوحة (العشاء الأخير).
فتنة الأدوار
قصة تابيتا مع الحركة الشعبية مليئة بالأسرار، فهي امرأة من جبال النوبة التقت خطاها مع الحركة الشعبية في العاصمة البريطانية، لندن، في بداية هذا القرن، ودربتها على العمل السياسي، وصنعتها تحت نار هادئة حتى نالت عضويتها الكاملة. وعندما وقعت الحركة الشعبية اتفاقا مع المؤتمر الوطني في عام 2005 بضاحية نيفاشا تم تعيينها وزيرة للصحة الاتحادية، الموقع الذي استمرت فيه حتى عام 2010 ليخلفها عبدالله تية جمعة، وبدا أن تابيتا فتنت بالأدوار منذ ذلك الوقت، وبدأت تتشكل لديها رؤية خاصة فيما يتعلق بالسلام في جبال النوبة، تمردت الحركة الشعبية فيما بعد فشقت طريقها لوحدها، ونبذت القتال الذي لم تجربه بالأساس، وكونت مع بعض أبناء جنوب كردفان ومنهم الفريق دانيال كودي ما عرف بالحركة الشعبية تيار السلام، وقالت بالصوت العالي أكثر من مرة إن أبناء جنوب كردفان لا يرغبون في الحرب.
حمامة في القفص
في ذلك الوقت كانت ثمة ملفات أخرى حية أخطرها جدل بقاء الحركة الشعبية في الشمال، ولأن تابيتا بطرس في حد ذاتها موضع جدل وحوار الناس في الشارع باعتبارها امرأة تحوم حولها حزمة من الاستفهامات العريضة، كانت أسهل الإجابات لديها أنها لا زالت موجودة ولن تهرب من النيران، في رأي الكثيرين هي سيدة رائعة وجميلة تحتفظ بأناقتها حتى وسط الغبار.. طوعا لا كرها تحلم بوطن الناس فيه سعداء وسواسية كخطوط الطول والعرض، يوتوبيا ما تؤرقها، منذ أن كانت طفلة في الكنيسة تتهجأ حروف الصلاة بتلعثم، واليوم يتسع قلبها بذات الحنان حتى لمن يخالفونها، وإن بدت حمامة للسلام فقد احتجزها المؤتمر الوطني في قفصه الكبير لفترة تبدو طويلة، أكثر من ما هي تتمنى ربما، حتى كادت صورتها القديمة تتغير في المخيلة العامة، امرأة لا تجيد دهاء السياسة، تموت في أغاني عثمان حسين، وتعشق العمل الإنساني وتعمل من خلال موقعها الحالي فقط على استعادة لقب “الوزيرة الأنيقة

تعليق واحد

  1. كل من شارك في سلطة المؤتمر الوطني من اهل الذمة او المؤلفة جيوبهم و ذاق حلاوة الجاه و السلطة و المال الذي يتدفق بغير حساب و جرب عيش القصور الفارهة انسلخ من جلده القديم و تنكر لمبادئه و اصبح كالغراب الذي نتف ريشه و اصبح يحاكي مشية الطاووس .. فلا طاووسا اصبح و لا غرابا رجع … اصبح هؤلاء ملكيين اكثر من الملك … و انقاذيين اكثر من الاسلامويين … و لو بلسانهم … و كلنا راينا تردي احمد بلال و تابيتا و غيرهم ممن رضعوا لبن الغولة فاصابهم الكساح ….. تابيتا لم تكن مناضلة في الحركة الشعبية لا بالسلاح و لا بالسياسة … و “راسها خفيف” …. اول عمل سياسي لها رتبة وزير … و استقطبها المؤتمر الوطني منذ ايام الوزارة الاولى … و اذكر ان لقبها حتى قبل الانفصال كان “الشيخة” تابيتا لتماهيها مع جماعة المؤتمر … بعد الانفصال لم يكن لها بد من مواصلة الاستوزار .. الفطام صعب و الخيارات معدومة و مغادرة العاصمة مستحيل .. هل كنتم تتوقعون مثلا ان تهاجر الى جنوب السودان؟ او ان تذهب الى كادقلي مع جناح الشمال و تترك انهار العسل تحت اقدام السلطة؟
    تابيتا امراة لا تجيد السياسة و لكنها تجيد النفاق و التملق و المكياج