فقدان نفوذ
اعتبرت لجنة الشؤون الأوروبية في مجلس اللوردات البريطاني أن الحكومة برئاسة المحافظ ديفيد كاميرون لم تكن نشطة أو حاضرة بالحد الذي كان يفترض بها أن تكون عليه، في محاولة حل الأزمة الأوكرانية. ومن دون استثناء الاتحاد الأوروبي، اعتبرت اللجنة من جهة أخرى أن بريطانيا ارتكبت “خطأ كارثياً” في تفسير هذه الأزمة. وسرعان ما علق المسؤول عن الدبلوماسية في حزب العمال المعارض دوغلاس الكسندر بالقول: “ديفيد كاميرون كان مسؤولًا عن أكبر خسارة نفوذ بريطانية في أوروبا منذ جيل”.
إذن، بريطانيا العظمى تفقد نفوذها في أوروبا، بل في الكثير من المناطق في العالم، لأنها تراجعت عن الانخراط في الملفات الدولية الساخنة، فمنذ وصول الائتلاف بين المحافظين والديمقراطيين الأحرار إلى السلطة في العام 2010 ألغيت نحو 30 ألف وظيفة في الجيش البريطاني، مما أفقد بريطانيا العظمى إمكانية التدخل الخارجي وتقلصت موازنة الدفاع، مما يعكس قلة الحماسة لخوض تدخلات خارجية، فبريطانيا العظمى لا تملك اليوم سوى 18 مدمرة وفرقاطة وسبعة أسراب قتالية، مقابل 33 كانت تملكها في العام 1990.
الانتقادات لحكومة كاميرون كونها من أفقد بريطانيا نفوذها وقوتها يندرج في إطار المعركة الانتخابية المبكرة، حيث تستعد الأطراف السياسية لانتخابات مايو المقبلة وبدا نيك كوهين، كاتب الافتتاحية في صحيفة الغارديان، قاسياً جداً حيال كاميرون، مؤكداً أن أحداً لا يهتم بما يفكر، ولا يتوقع منه دعماً، ولا حتى حلولاً، ومن الملفات التي يجد أداء حكومة كاميرون خلالها انتقاداً واسعاً الملف الأوكراني وهي الأزمة إلى أرقت أوروبا بأسرها وبرز خلالها النفوذ والتدخل الأمريكي الكبير، بينما اختفت بريطانيا التي لم تشارك في مفاوضات مينسك التي أدت في فبراير إلى اتفاق لوقف إطلاق النار بين أوكرانيا والانفصاليين الموالين لروسيا في شرق أوكرانيا، والذي يتعرض للانتهاك منذ ذلك الوقت، رغم أن بريطانيا ما انفكت تدعو إلى الحزم تجاه روسيا ولكنها عملياً لم تقدم أي شيء.
الملف الثاني الذي كشف بجلاء تراجع النفوذ البريطاني في الملفات الدولية الساخنة هو ملف الحرب الدولية ضد تنظم الدولة الإسلامية، فحتى مشاركة بريطانيا في التحالف الدولي ضد تنظيم الدولة الإسلامية اقتصرت على طلعات استطلاعية في أجواء سوريا، وبعض الضربات في العراق.
الداعون إلى عودة نفوذ بريطانيا في الساحة الدولية لا يرغبون في نفس الوقت تكرار الانقياد الأعمى خلف الولايات المتحدة، كما فعل توني بلير في الحرب التي شنتها أمريكا في العراق في 2003، وكذلك في التدخل في أفغانستان، حيث فقدت بريطانيا 453 رجلاً في غضون 13 عاماً، ترك أثره ولا يزال عالقاً في الأذهان بشكل سلبي جداً.