استصلاح الأرض.. تدميرها
في دولة زراعية مثل دولة السودان يفترض أن يكون صلاح الأرض واستصلاحها في زراعتها وفلاحتها وجعلها منتجة.. غير أن الذي يحدث خلافاً لذلك تماماً.. فاستصلاح الأرض في بلاد النيل والشمس والزراعة.. هو تحويلها إلى أرض معمارية سكنية!! كما لو أن القوانين الرسمية لدولة السودان تحتفل بالأرض عند تحويلها إلى أرض سكنية وهي بذلك تكون أرضا صالحة.. وفي المقابل إن الأرض الزراعية هي أرض (غير صالحة) حتى تثبت العكس وتتحول إلى أرض سكنية مستصلحة !!
ربما تجد عذرا.. والحال هذه.. لانصراف المزاج العام الجماهيري عن ضروب الزراعة والإنتاج.. ليس لانعدام الحوافز المادية فحسب، بل حتى لانعدام الحوافز التشريعية داخل نصوص اللوائح والقوانين المنظمة للمهنة.. والتي تشجع وتشائع ثقافة استصلاح الأرض وتحويل منفعتها لصالح زراعة الأرض بالأعمدة الخرصانية.. ولا زلت أزعم أن قيام أي عمارة في المدينة هي ضياع لفرصة مزرعة افتراضية في الريف المنكوب !!
ويفترض.. والحال هذه.. أن يحدث العكس تماما بحيث تكون خارطة الوطن الاستراتيجية تذهب باتجاه تشجيع الزراعة، بحيث أن الفلاح والصلاح والخلاص يكمن في إنتاجها الوفير.. بحيث نجعل الدستور والمناهج الدراسية واللوائح وحتى الأهازيج والأغاني في خدمة قصتنا الأولى.. التي هي الزراعة ولا شيء غير الزراعة.. وذلك حتى ليكون للناشئة ارتباط بالأرض وولاء لمهنة الآباء والأجداد وأن ينشأوا على حب العمل والإنتاج.. فضلا عن جعل الثروات والنفط والذهب في خدمة مشروعنا الزراعي.. ربما لهذا تعثرت أطروحات النفرة والنهضة الزراعيين.. عندما افتقدتا البعد الجماهيري والعمق الشعبي فحبستا داخل القاعات والمؤتمرات الحكومية ولم تبلغا الحقول والحواشات !!
أتصور أن أمتنا السودانية أصبحت أحوج ما تكون إلى (الثورة الزراعية) فليس بعد النهضة الموؤودة إلا الثورة الموعودة.. الثورة التي تتضمن داخل الدستور وتنص عليها أغانينا وأفراحنا وأحزاننا.. جدلنا وهزلنا.. ويحضرني في هذا المقام النموذج الهندي الذي أنصع أغانيه وقصصه وإبداعاته تتمحور حول أغاني الحصاد الشهيرة.. فالزراعة قبل أن تكون ممارسة تكون قصصا في كتاب المطالعة وأناشيد البلاد وأغاني الكبار.. ثم ننزل بها إلى (الأرض البور البلقع).. على أن أجمل رواياتنا الأدبية هي تلك التي تتحدث عن بيت الأحلام المطرز بشرفتين، الأولى تفتح على القمر والأخرى تطل على المزرعة مباشرة و.. و..
* فعندما تنص قوانين ولوائح الجمهورية السودانية على أن استصلاح الأرض هو تحويل منفعتها من زراعية إلى أرض سكنية.. فاعلم.. يا رعاك الله.. أن القوم عندما كانوا يشرعون لم يكن في بالهم خطة استراتيجية.. وإلا جعلوا فلاحنا ونجاحنا في فلاحة الأرض واخضرارها، على أن تنص القوانين صراحة على أن استصلاح الأرض هو تحويلها إلى أرض قابلة للزراعة والإنتاج والحياة.. لهذا ستكون الغلبة لثقافة العقارات حتى تصدر تشريعات واضحة بحظر تدمير الأراضي الزراعية بتحويلها إلى أرض عقارية..
والله من وراء القصد وهو يهدي السبيل ..