السودان جزء أصيل في أهداف النظام العالمي الجديد
النظام العالمي الجديد مفهوم لا ينفصل عن نظرية المؤامرة، ويهدف في نهاية أهدافه الى إنشاء حكومة واحدة شاملة تحكم العالم كله، والفكرة العامة في نظريات المؤامرة أن هناك قوى خفية صفوية يتمتع أفرادها بدرجات عالية من الذكاء، ولهم أجندة أممية يتآمرون لحكم العالم بواسطة حكومة سلطوية واحدة، تلغي كل حكومات السيادة الوطنية في كل دولة.. وهذا في نظرهم أمر حتمي في تطور التاريخ. لذلك يتوقع ظهور أحداث في السياسة والاقتصاد تحركها بدقة هذه القوى الخفية في تناغم ناعم عبر مؤسسات متكاملة تؤثر على العالم كله في كافة أوجه الحياة.. وهذا ما يحدث الآن من تحكم مؤسسات مالية في اقتصاد العالم مثل البنك الدولي، وفي سياسات العالم مثل مجلس الأمن الدولي.
أثناء القرن العشرين الماضي تحدث عدد من السياسيين في أوربا امثال ودرو سيلون وونستون تشرشل عن ضرورة قيام نظام عالمي جديد كبداية لعهد جديد في التاريخ، يحكم العالم في فكر متجدد يراعي توازن القوة خاصة بعد الحربين العالميتين الأولى والثانية، وكل أفكارهما تتجه نحو حكم العالم بحكومة واحدة قوية تعنى بحل كل المشاكل الكبيرة التي تفشل الدول المتفرقة في حلها، ويمتد أثرها ليشمل دولاً أخرى، وبذلك يعود الأمن والسلم العالمي.. وهذا أمر يهمنا نحن في السودان كثيراً لأننا أصبحنا اليوم خير مثال لما توقعه هؤلاء الساسة قبل أكثر من ستين عاماً.. ومثل تفكير تشرشل هذا أدى الى قيام تجمعات دولية واقليمية كبيرة مؤثرة كمقدمة لحكومة عالمية واحدة، ومن أمثلة ذلك قيام الأمم المتحدة ومجلس أمنها الذي تتحكم فيه خمس دول في العالم فقط، ثم قيام حلف الناتو ومنظمة التجارة الدولية في الفترة من 1947 الى 1957م، نجح الكاتب الكندي وليام قاي كار في جذب مؤيدين له في اتهامه للماسونية والنورانيين واليهود بأنهم القوة الخفية التي تسعى الى حكم العالم بحكومة واحدة تعادي الأوطان والأديان.
بعد انهيار النظام الشيوعي في الاتحاد السوفيتي في العام 1990 خاطب الرئيس الامريكي جورج بوش (الأب) الكنجرس الأمريكي في مجلسيه النواب والشيوخ في 11 سبتمبر 1990 شارحاً أهدافه في حكم العالم بعد نهاية الحرب الباردة، وقيام دول عديدة ذات سيادة بديلة للاتحاد السيوفيتي، خاطبهم عن فكرة النظام العالمي الجديد قائلاً: «العالم الآن عبارة عن دول مقسمة وكل واحدة متحصنة داخل حدودها جاثمة على صدور مواطنيها بدعم من القوى الشيوعية، والآن بعد انهيار المعسكر الشرقي نرى في الأفق القريب نظاماً عالمياً جديداً بدأ في التشكل ليحكم العالم الجديد.. العالم الجديد كما قال ونستون تشرشل الذي فيه تتوفر العدالة واللعب النظيف، الذي يحمي الضعيف من بطش القوي المتسلط، العالم الذي بعد انتهاء الحرب الباردة يمكن الأمم المتحدة من تحقيق حلم مؤسسيها في أن تسود الحرية واحترام حقوق الإنسان في كل البلدان».. انتهى.
بعد هذا الخطاب أظهرت صحيفة نيويورك تايمز رفض مجموعات كبيرة من التقدميين في أمريكا لفكرة النظام العالمي الجديد، لأنه في مضمونه يستهدف دول الشرق الأوسط فقط لتحقق أمريكا طموحاتها الامبريالية في هذه المنطقة، وهذا ما حدث ويحدث الآن بعد أكثر من خمسة وعشرين عاماً من فكرة النظام العالمي الجديد التي طرحها بوش.. الآن كل دول الشرق الأوسط بما فيها السودان مهددة بالتقسيم والإضعاف والتدخل الدولي، الذي سوف يعيد لا محالة رسم خريطة للشرق الأوسط جديدة تمهد لإعمال فكرة النظام العالمي الجديد، تبدأ به حكومة العالم الواحدة.. الكاتب الأمريكي المسيحي بات روبرنسون أصدر كتابه والذي كان أكثر الكتب مبيعاً عام 1991م باسم النظام العالمي الجديد، وصف في كتابه هذه سيناريوهات عديدة تقوم بها مؤسسات اقتصادية وسياسية في أمريكا مثل وول ستريت، ونظام الاحتياطي الفيدرالي، ومجلس العلاقات الدولية، وخلافها، تتحكم في انسياب الأحداث في دقة وسرية ومهارة لتؤثر بشكل إيجابي في المواطنين لقبول نظرية المؤامرة والنظام العالمي الجديد.. وبالتالي قبول فكرة حكومية عالمية واحدة لا دينية ولا قطرية.
نظريات المؤامرة بدأت منذ القرن التاسع عشر عندما تنبأ العالم جون نلسون بقيام مؤامرة لفرض حكومة طاغية عبر نظام عالمي جديد، تحقيقاً لما ورد في نبوءات الانجيل- (كما قال)- عن نهاية العالم.. وقال إن هذه المؤامرة تقوم بها تنظيمات سرية تحالفت مع الشيطان، واكتسبت قوة مالية هائلة وقوة سياسية ماكرة، وأصبحت أحجار على رقعة شطرنج يحركها الشيطان، وحدد هذه القوى بالماسونية والنورانيين والصهيونية.. نوضح تاريخ كل واحدة من الثلاثة لفائدة القاريء:
الماسونية (Free masonry) وهي واحدة من أقدم التنظيمات العلمانية الأخوية بدأت في نهايات القرن السادس عشر وبداية القرن السابع عشر وكلمة (mason) تعني في الانجليزية البناء (الذي يبني المنازل) وشملت فيما بعد كل الحرفيين وكانوا يجتمعون في أماكن محددة بحكم طبيعة أعمالهم.. اتفقوا على تنظيم أعمالهم بضوابط تحكم علاقتهم بالمسؤولين الحاكمين وبالزبائن، وشعارهم الذي اختاروه وقائم حتى الآن هو (البرجل، الزاوية، ميزان الماء، المسطرة) مأخوذ من طبيعة عملهم في الماضي.. الماسونيون يرفضون اتهامهم بالتآمر على حكم العالم، ويصفون أنفسهم بأنهم نظام جميل ومثال للأخلاق الفاضلة التي يجب أن تسود بين الناس.. يقدر عددهم في العالم بحوالي ستة ملايين.
النورانيون (Illuminati) هم منظمة تسعى في سرية لتنوير عامة الناس بحقوقهم واقناعهم بقبول قيادة صفوية من أشخاص لهم مقدرات عقلية عالية، لتقودهم وتقود العالم الى حكومة واحدة تهيئ وتحفظ قواعد العدالة والحرية والمساواة والرفاهية.. أسس المنظمة البروفيسور الجامعي الألماني آدم وايزهاوبت في أول مايو 1776 في مقاطعة بافاريا بالمانيا.. ضمت المنظمة في بداية تكوينها صفوة من العلماء المتميزين في كافة ضروب العلوم مثل الاقتصاد، الإدارة، الطب، والهندسة.. وقامت مجموعات كبيرة باتهام النورانيين بأنهم كانوا وراء كل الثورات في أوربا خاصة ثورة فرنسا، انجلترا، ونشأة النازية والشيوعية والصهيونية، وأنهم كانوا وراء الحربين العالميتين الأولى والثانية.
الصهيونية وهي حركة قومية سياسية لليهود، قامت لإعادة اليهود الى أرض الميعاد في فلسطين- (كما يقولون)- انشأها ثيودور هيرتزل في العام 1896 في وسط وشرق أوربا.. وكلمة صهيون (zion) تعني في العبرية بيت المقدس.. نجحت الحركة الصهيونية في توطين اليهود وإعادتهم الى المنطقة الحالية (اسرائيل) في 14 مايو 1948.
ومهما يكن من تحليلات حول نظريات المؤامرة ومن يديرها، فإن الغالبية أجمعت على أن فكرة النظام العالمي الجديد هي مرحلة متطورة من مراحل المؤامرة لخلق حكومة عالمية واحدة، ويرى المراقبون أن التدرج التالي منطقي في هضم وفهم نظريات المؤامرة والنظام العالمي الجديد..
إنشاء نظام الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي عام 1913م، عصبة الأمم عام 1919، صندوق النقد الدولي عام 1944، الأمم المتحدة عام 1945، البنك الدولي عام 1945، منظمة الصحة العالمية 1948، الاتحاد الاوربي وعملة اليورو عام 1993، منظمة التجارة الدولية 1998، الاتحاد الافريقي عام 2002م، ثم اتحاد دول أمريكا الجنوبية عام 2008م.. كل هذه تعتبر معالم بارزة في طريق النظام العالمي الجديد المتطور الى حكومة دولية واحدة.
ما يهمنا نحن هنا في السودان من هذه التطورات المدعومة بحقائق الموت والدمار الدائر الآن في منطقة الشرق الأوسط الآتي:
أولاً: يجب ألاَّ نقلل من أثر نظريات المؤامرة التي بدأت قبل أكثر من مائتي عام والنظام العالمي الجديد الذي بدأ جلياً قبل أكثر من خمسة وعشرين عاماً، وأنها في تطور ملموس ومحسوس، يؤكد حقيقة المؤامرة هذه، وأن ما يحدث الآن السودان ليس بعيد عنه أو في مأمن منه.
ثانياً: التخلي تماماً عن سياسات رزق اليوم باليوم أو سياسة دعنا نعبر الجسر بعد الوصول إليه.. يجب التحسب لكل ما هو محتمل أن يحدث واعتباره حقيقة واجب التحوط لها برصد المعلومات وتحليلها، وعقد دراسات تؤمن الخروج من المطبات بخطط استباقية شاملة متجردة.
ثالثاً: العمل بكل الوسائل على وقف الحروب ومعاناة المدنيين، إذ أن هذه المعاناة هي الثغرة المقنعة للعالم للتدخل في السودان، والذي بدأ الآن في التدخل غير المحدود في الشأن السوداني من جهات دولية عديدة، تلعب كل جهة دوراً متناغماً مع جهة أخرى، مثلما يحدث الآن في المانيا من تجمع قوى المعارضة فقط في حل مشاكل السودان خارج السودان.. إضافة الى تقرير أمبيكي الخطير في حل مشاكل السودان، وتبني الاتحاد الأوربي وأمريكا لمخرجات التقرير والذي لا يرضي كل الأطراف خاصة الحكومة.. هذا التجمع خارج السودان في المانيا يصيب الحكومة بحرج كبير لا تستطيع تجاوزه، وقد يؤدي الى مطالبتها بتنازلات عسيرة الهضم على جماهيرها.
رابعاً: العمل على إعادة هيكلة حكم السودان وإعادة النظر في سياساتها الخارجية وتحالفاتها الاقليمية والدولية، وحديث الرئيس الأخير في الإمارات يعتبر ضوءاً كبيراً في وسط النفق.
خامساً: مواصلة الحوار الوطني والقبول بكل مخرجاته بعد إعادة توسيع عضويته.
الله الموفق
تقرير : م / عمر البكري أبو حراز
صحيفة آخر لحظة