منوعات

قبر تاجوج.. العالم قلب كبير يدقُّ بقوَّة في مزار الأزواج والعاشقين

المرويون كانوا يحتفون بيوم للحب والتزاوج والإفصاح عن المشاعر منذ سالف العصر والأوان، وكانوا يتخذون من الزهور أدوات للتعبير عن ما يجول بقلوبهم من مشاعر حب، وهذا ما أوضحته النقوش التي على جدران المعابد والمسلات فيما بعد، وقد استمد المجتمع الحديث طقوسه في التعبير عن الحب من تلك العادات المروية القديمة.
تطورت العادات يوماً بعد يوم، لكن لازالت الأزهار تعد من أهم وسائل التعبير عن المشاعر، ورغم أن الفراعنة والمرويين كانوا يقدسون الحب ويحتفون بالزهور، إلا أن هذا الطقس المروي القديم انتهى في السودان، فبات من الترف جلب وردة للزوجة والاستعاضة عنها بالفاكهة والخضروات، ولدينا في السودان قصص حب تحولت قبور أصحابها إلى مزارات يتفاءل بها الأزواج، مثل قبر تاجوج.
زيارة القبور
يقول د.فتح العليم عبد الله رئيس قسم التاريخ والحضارة بجامعة أمدرمان الأهلية إن أول من احتفل بالحب هم الإغريق، وكان ذلك في العام 300 قبل الميلاد، ونصبوا له إلهاً يمنحونه فروضاً للولاء والطاعة وأطلقوا عليه اسم عشتروت، أما في العالم الإسلامي لم يكن هنالك ما يسمى بعيد الحب، لكن كان هنالك ما يوازيه، فكانت هنالك أسواق وأيام معينة يستعرض فيها الشعراء قصائد الغزل والهيام، مثل سوق عكاظ الذي كان بمثابة منتدى يعبر فيه الشعراء عن مشاعرهم، ومن أشهر الشعراء جميل بن معمر الذي لقب باسم محبوبته، فأصبح الجميع ينادينه بـ (جميل بثينة)، حاله حال كل العشاق في العالم، فما إن يذكر الناس اسم العاشق حتى يذكر اسم معشوقته مثل: قيس وليلى، عنتر وعبلة، روميو وجوليت، وغيرهم الكثير.
أشهر القصص
ومن أشهر قصص الحب في السودان هي قصة تاجوج والمحلق، التي يعرفها معظم السودانيين، وحتى من لم يعرف أصل الحكاية فإنه سيكون على علم بأسماء العاشقين الكبيرين.
وتاجوج بنت علي هاكين، لها قبر على نهر عطبرة يزوره الأزواج كنوع من التعميد على الرباط المقدس، وتبركا بالحب الذي لا يموت، وكذلك يزور ذات القبر الأطفال قبل وبعد الختان باعتباره طقساً متبعاً في المراحل الانتقالية لمعظم سكان تلك المناطق.
الفراعنة والمرويون
بالنسبة للفراعنة – بحسب د. فتح العليم – فإنهم لم يسموا عيد الحب بهذا الاسم الصريح، بل كان له اسم آخر، وهو عيد الربيع، أو كما يطلق عليه البعض اسم عيد شم النسيم أو عيد الفصح، وهو الفاصل بين الصيف والشتاء، وذلك لأن الحب لديهم مربوط بالطقس، فيعدونه موسما للتزاوج والإفصاح عن المشاعر، ويمكن أن نطلق عليه أيضا عيد التزاوج. ويستطرد قائلا: ويعد الفراعنة المرويون من أكثر الحضارات احتفاء بالزهور، وكان ذلك واضحا من النقوشات الأثرية على المسلات والأهرام، وكانوا يعدون الوردة رمزا مقدسا جدا، وهي من أهم وأول الأشياء التي يقدمها المحبون لبعضهم البعض في هذا اليوم، وقد استمد المجتمع الحديث طقوسه في التعبير عن الحب من تلك العادات المروية.
العشاق فئة مستضعفة
ويرى البعض أن الحب ليس مرتبطا بوقت معين، ويمكن الاحتفاء به في أي وقت. ويواصل قائلا: لكن هنالك من يؤيد فكرة أن الفئات التي يجعل لها المجتمع أياماً وأعياداً هي فئات مستضعفة، مثل يوم اليتيم، يوم العمال، يوم الأيدز، يوم الطفل وغيرها من الأيام التي تدعم الفئة المستضعفة، وتدعو المجتمع لمؤازرتهم والاهتمام بهم والبحث عن حقوقهم، ما جعلهم يصنفون العشاق ضمن هذه الفئات المستضعفة، مستندين على أن الفئات القوية في المجتمع لا تحتاج ليوم يذكر بحقوقها، ضاربين بعض الأمثلة بأنه ليس هناك عيد للأب لأنه مصدر القوة، وليس هناك عيد للموظفين لأنهم فئة أقوى من العمال، أما البعض الآخر فينظر على الاحتفاء بهذا اليوم على أنه شيء من التقديس والتعظيم، مثله مثل الاحتفاء باليوم الوطني وأعياد الاستقلال.
ألوان الحب
قال علماء النفس إن للألوان قوة كبيرة في تغير الأمزجة وعكس المشاعر، وكذلك استطاع البعض أن يتعرف على شخصيات الناس من ألوانهم المفضلة، فعشاق اللون الأسود هم عشاق للأناقة بالرغم عما يقال عن هذا اللون، أما الأبيض فهو رمز للخير والأخضر الشموخ وغيرها الكثير، لكن يظل اللون الأحمر هو لون الحب والعشق ودليل على الجموح والحماس، لذلك اتخذه العشاق منذ قديم الزمان للتعبير عن علاقات حبهم القوية والجامحة، ومن ألوان الحب كذلك هو اللون الأصفر الذي يدل على الغيرة والأنانية في تملك الأشياء، وبالرغم من أن اللون الأحمر هو لون الحب بلا منازل إلا أنه مع مرور الوقت أضحى له منافسين، وهما اللونان الوردي والبنفسج الذي اتخذه العاشقون شعارا لهم.
شعراء الحب
ويقول د/ فتح العليم إن أجمل ما قيل عن الحب عن الشعر القديم على الإطلاق قاله جميل بثينة، ومن شعراء الحداثة كان نزار قباني، أما على مستوى السيدات، فأرى أن سعاد الصباح من الشاعرات اللاتي أبدعن في هذا النوع من الشعر، وأعزي ذلك لكونها أميرة وللأميرات ضوابط أكثر من عامة الشعب في التعامل مع مشاعر الحب، فولد شعور الحرمان لديها أجمل القصائد.

اليوم التالي