مناسبات الزواج
٭ كعادتنا-نحن السودانيين- نبدأ موسم التزاوج قبل توغل الخريف, بمعنى أن هذه الأيام من السنة تشهد العديد من مناسبات الزواج والأعراس، والكل في فرح عظيم، بغض النظر عن النتائج المحتملة لهذه الورطة اللذيذة.
دُعيت مؤخراً لأكثر من مناسبة زواج، منحتني الفرصة (للفرجة) عن كثب، على التحولات الجذرية التي طالت مجتمعنا «المحافظ»، وبدلت الكثير من الأعراف والتقاليد المتوارثة جيلاً بعد جيل.
٭ ولست هنا بصدد الحديث عن مظاهر البذخ «المقرفة»، ولا مباريات «البوبار» والمباهاة والمغالاة واللبس العجيب الغريب، وآخر صرعات الموضة وابتكارات الطقوس والإضافات والرتوش التي طرأت على فطور العريس، (والحنَّة)، وسد المال، وفتح الخشم، وغيرها. فالحديث عن كل ذلك يطول، وقد قتلناه بحثاً واندهاشاً، ولكنني اليوم أعرب لكم عن دهشة من نوع آخر، فمعظم العرائس اللائي دُعيت لليلة فرحهن الأكبر؛ كنت قد انقطعت عنهن لمدة، ولم ألتق بهن قريباً، ولكنها لم تكن مدة طويلة تسمح لهن باكتساب كل هذا الوزن الزائد السريع، وكلما فغرت فاهي، وهمست لجارتي كما يحدث فى جميع المناسبات الإجتماعيه – بأنني لم أتعرف على العروس بهذا الوزن!! «لكزتني» معاتبة لي على جهلي، ومستنكرة عدم درايتي ببواطن الأمور الضرورية لتجهيز العروس، وكيف لا أقدِّر المجهود الذي بُذل حتى تصبح بهذا الشكل، إذ اجتهدت أم العريس في استجلاب الطحنية والدخن والسمن واللبن، واجتهدت أم العروس في تحضير (المديدة) و(النشا)، واجتهدت صديقة العروس في تهريب العقاقير الحديثة من نوع (أبو نجمة البجيب الهجمة)، وكانت بحق هجمة كبيرة(فاجأت الجيران) تلقيتها انا في أكثر من محفل، وأشعرتني بالأسف على هؤلاء الفتيات اليافعات، اللائي تنازلن عن رشاقتهن، على أمل أن ينلن رضا العريس المفدى، وكأن مفهوم الزواج المقدس قد تقازم ليقبع فقط على فراش الزوجية الحميم وكأنه (سفره)!!
٭ والغريب أن بعضهن كن من المناديات بالثقافة الأوروبية، المتشبثات بالقوام الإنجليزي، والمعجبات بأنجلينا جولي، والمتمسكات (باستايل اللبس المودرن)، فماذا اعتراهن حتى تنازلن فجأة عن كل أفكارهن ومبادئهن، وأصبح شغلهن الشاغل الامتلاء بالشحوم قدر المستطاع قبل أن يحين زمن تقديمهن لأزواجهن كوجبةً شهية دسمة؟؟!!
٭ وإذا كنت أقدِّر نظرة الرجل الشرقي العقيمة إلى المرأة على أساس أنها وليمة، وتفضيله المرأة الممتلئة، كثقافة فطرية بأعماقه، لم تغيرها درجاته العلمية ولا ثقافته الواسعة ولا تجواله في بلاد العم سام ولا وظيفته المرموقة ولا عمره الغض، فكيف أعذر الفتيات اللائي استبحن أجسادهن، واخترن بملء إرادتهن أن يكن مشبعات ودسمات، دون تفكير في أبعاد ما بعد الزواج، والحمل والولادة، حين يأتي الوزن الزائد طائعاً مختاراً، ثم نولول ونبدأ في البحث عن طريقة للتخلص منه، كما يحدث معنا جميعاً؟!
٭كيف أستوعب حجم التنازل الذي تقدمه العروس إرضاء للعريس على حساب كرامتها واحترامها لذاتها وعقليتها ومفاهيمها عن الحياة؟
وما الفرق بين العروس النحيلة والممتلئة، إذا كان الأمر بالأخير يعود للحس العاطفي كمحرك أساسي لعجلة الزواج في كافة الاتجاهات؟ وإذا اعتبرنا أن بعض الزيجات لا زالت تتم دون توفر الحس العاطفي هذا، ويتدخل الأهل والأصدقاء في الاختيار، فكيف تسمح الواحدة لنفسها أن تمضي مختارة في طريق زيجة تفتقر إلى التوافق العاطفي والفكري، وينعدم فيها حق الاختيار وتنحصر فقط في كيفية استخدام الزوج لها كأداة للمتعة يجب أن تتوفر فيها صفة الدسامة وعامل الجذب؟ فالأمر لا يعدو كونه وجبة حسية فحسب، ينتهي كل ما فيها بانتهاء الزمن المحدد لتناولها، ليعود الزوج منها هانئاً، وتعود الزوجة منكسرة تتعثر في اكتنازها؛ لتلملم أطراف أنوثتها المراقة على رفات إنسانيتها؟!!!!
#تلويح:
ليس بالـ(حجم) وحده يحيا (الزواج)
[/JUSTIFY]إندياح – صحيفة اليوم التالي