هكذا تكلم (الترابي) يفسر البعض حديث زعيم الشعبي بالقول إن الرجل متصالح مع فكرته ولا يحتاج لعمل وصية فيما يصف آخرون كلامه بالشحنة العاطفية
أثار حديث الشيخ حسن الترابي أمين المؤتمر الشعبي أمس الأول (السبت) في المؤتمر العام لحزب الأمة الفيدرالي عن قرب الأجل وسؤاله لله الاطمئنان عن حال البلاد قبل أن يتوفاه، أثار ردود فعل متباينة على الساحة، فهناك من فسره على أنه وصية للشيخ بعد أن شعر بقرب الأجل، وهناك من قرأه على أنه مراجعة للنفس وأن الرجل بدأ يشعر بالألم على حال الأمة، فيما ذهب البعض إلى أنه تدشين لمرحلة جديدة يحاول أن يؤسس فيها الترابي لأفكار جديدة، فماذا كان يقصد الترابي وهو يخاطب الناس في هذا التوقيت الحرج الذي تمر به البلاد؟.
كمال عمر الأمين السياسي للمؤتمر الشعبي قال إن الترابي مشفق جدا على حال البلد، وأضاف عمر لـ(اليوم التالي) أن الشيخ يمازج بين السياسة بقيم الدين، ويصطحب كل الحالة السياسية، ويحاول أن يقرأ التاريخ منذ استقلال السودان حتى الآن قراءة متأنية، مؤكدا أن الترابي يشعر بمسؤولية كبيرة، وأنه من قبل تحدث عن مسؤولية كل القوى السياسية بما فيها الحركة الإسلامية عما يحدث في الجنوب من اقتتال على أننا مسؤولون عن ذلك، لافتا إلى أن الأمين العام للمؤتمر الشعبي يرسي أدبا جديدا ونادرا بالحديث بهذا المستوى النقدي، وقال إن الترابي متصالح مع فكرته تماما، وإنه غير محتاج لعمل وصية، وتابع: كل إرث الشيخ حاضر للناس، وهم من بعده سيجدون فكرا متطورا في الحكم وفي شعائر الدين، مشيرا إلى أنه بعد الخلافة الإسلامية عجز الفكر الإسلامي عن الحديث في السياسة، وقال إن حديث الترابي خاطب واقعا نعيشه، مطالبا فيه بمزيد من الوحدة، مؤكدا أن خطابه مهم جدا في هذا التوقيت.
شحنة عاطفية
ويرى الدكتور خالد التيجاني الكاتب والمحلل السياسي أن الترابي شعر بخطورة الأوضاع التي انتهت إليها الأمور بالبلاد من غياب لأفق حقيقي للخروج من المأزق، وأضاف التيجاني لـ(اليوم التالي): هذا الشعور أتى مقرونا بدور الترابي ومسؤوليته الشخصية في الأحداث، وزاد: “الوضع لم يولد من فراغ، فهو نتاج لتراكمات حكم مختلفة، لكن حكومة الإنقاذ كان لها دور أكبر في ذلك، والترابي يتحمل الكثير باعتباره المنظر الأول لها”، وتابع: “في تقديري أن حديث الشيخ يحمل نوعا من الشحنة العاطفية مختلفة عن شخصية الترابي العقلانية جدا في الخطابات السياسية”، مشيرا إلى أنها ربما تكون المرة الأولى التي يلجأ فيها الترابي لهذا الأسلوب المقرون بالعاطفة في أحداث سياسية، وقال إنه اشفاق منه على المأزق الحالي، مضيفا: “على أي حال يحمد للترابي هذا الإحساس، فالسياسة لا يجب فقط أن تكون لغة مصالح، ويجب أن يكون بها نوع من البعد الإنساني لأن الناس هم المتضرر الأول منها”، ولم يرد التيجاني أن يسميها (وصية مودع أو خطاب وداع)، وقال: “المراجعة والمسؤولية لا يجب أن تقف عند تقدم سنوات العمر، ويجب أن يكون الدافع لها هذه الأوضاع السيئة”، داعيا إلى مزيد من الشحنات العاطفية التي تفتقدها الساحة السياسة إشفاقا على أحوال الناس، معربا عن أمله في أن يكون ما قاله الشيخ دعوة للجميع بكل طوائفهم على الساحة، وأن يأتي الكل إلى لحظة معينة من مواجهة الذات والنفس وتحمل المسؤولية من أجل السودان.
شعور بخيبة أمل
أما الطيب مصطفى رئيس منبر السلام العادل فيرى أن ما قاله الترابي هو شعور بخيبة الأمل، وأنه تقدم به العمر ولم يحقق كثيرا مما كان يطمح إليه.
وقال مصطفى لـ(اليوم التالي) إن الترابي كان يأمل أن يحقق أفكارا كثيره في حياته وخاصة في ما يتعلق بمشروع الإنقاذ الذي تم على كتفه، وهو الآن يراه مخالفا لما أراده، وبعيدا عن كل طموحاته وآماله، مضيفا: “الترابي بدا في حديثه وكأنه يعتذر عما تسبب فيه من سوء لتقدير الأمور، والترابي عوّل على الإنقاذ بأنها ستأتي بالحريات، ولكنه تمخض عن لا شيء” -على حد تعبيره-. وقال إن الترابي في خطوته الأخيرة التي أقدم عليها هو موافقته على ما اعترض عليه قبل 15 عاما من تعديلات دستورية، مشيرا لأن الترابي قبل أكثر من 15 عاما اعترض على دستور يقيد الحريات، والآن هو يوافق على أكثر من الذي اعترض عليه من قبل، لافتا إلى أن الترابي يشعر بأن الوقت لم يعد يسعفه كي يناضل في تحقيق مشروعه، ولذلك رضى بهذا الانقلاب الدستوري، وأنه (تواضعت طموحاته الآن)، موضحا أن دعوته للتوحد هي جزء من طموحاته القديمة، ولكن العمر لا يسعفه، مؤكدا أن الترايى يتمنى فقط الآن، وأنه أغلق الباب أمام تحقيق طموحاته.
مراجعة للنفس
وقال الدكتور عبد الملك النعيم الأستاذ بجامعة الخرطوم والكاتب والمحلل السياسي إن حديث الترابي هو مراجعات وتقييم لمواقف سابقه شعر أنه كان غير موفق بها، وأنه لو قدر له الرجوع لما تصرف كما فعل وفتت السودان، وأضاف النعيم لـ(اليوم التالي): أرى أنها مراجعة للنفس وندم والإحساس بأنه جزء من الوضع الذي يرفضه الآن، وتابع: كثيرا اتهم المؤتمر الشعبي على أنه هو الذي أشعل الأزمة بدارفور بحكم علاقته بالعدل والمساواة، وما ترتب عليها من أزمات للسودان كله، وقال: “بحكم اطلاع الترابي على مجريات الأمور العالمية والإقليمية تأكد له أن التوحد أصبح منهجا للدول الكبرى والمستقرة، ورأى أنه يجب التكتل والوحدة في السودان لنبذ الجهوية والقبلية وحتى الصراعات السياسية”، وقال: “ما قاله الشيخ كان في اطار الأمنيات، وكانت هناك إشارة لتقدم العمر والعمر السياسي أيضا، وأراد لو غادر العمل السياسي أو انتهى به العمر أن يرى السودان في وضع أفضل مما هو عليه”.
صباح موسى: صحيفة اليوم التالي