تحقيقات وتقارير

الأيدز قـاتـل جـديـد :بعد توفر عوامل انتشاره بجنـوب دارفـور

? حرب جديدة.. وطاعون جديد… يزهق الانفس والارواح.. انه طاعون العصر «الايدز».. معلومات وارقام عن تزايد اعداد مصابيه بجنوب دارفور.. لماذا وكيف انتشر.. وكيف ساهمت افرازات الحرب في انتشاره.. وهل صحيح ان اصابة بعض جنود بعثة حفظ السلام بالمنطقة بالمرض كان احد اسباب انتشاره؟.. وما الجهود التي تبذلها الجهات المسؤولة ومنظمات المجتمع المدني لمكافحته.. كيف هو الوضع الآن.. وأين المخرج؟
? توقعت احصائيات منظمة الصحة العالمية ان يصل عدد المعايشين لمرض الايدز والعدوي بفيروسه بنهاية عام 2004م الى نحو «39» مليون شخص منهم نحو «25.4» مليون شخص في جنوب الصحراء الافريقية و«7.1» مليون شخص في جنوب وجنوب شرق آسيا.. هذه الأرقام تقول ببساطة إن القارة الافريقية هي الاعلى في معدلات الاصابة بالمرض، وتحمل في تفاصيلها ان من بين كل «5» ملايين حالة عدوى جديدة «3.2» ملايين منها «64%» في افريقيا جنوب الصحراء. كما ان هنالك «50» مليون شخص اصيبوا في افريقيا منذ عام 1980م، توفي «22» مليوناً جراءه غالبيتهم في المراحل المنتجة.. و«20%» هي نسبة انتشار المرض في نيجيريا وسط موظفي الخدمة العامة. وتشير التوقعات الى أن زامبيا ربما تفقد «20%» من القوى العاملة بحلول عام 2020م من جراء الاصابة بالمرض، كما ان موزمبيق يتوقع ان تفقد «19.000» من المعلمين في الفترة من 2000-2010م. وهناك توقع بتدني متوسط العمر، ففي زامبيا العمر المتوقع للطفل المولود اليوم يصل الى «32» عاماً فقط، وهبط معدل الحياة في جنوب افريقيا ما بين الاعوام 1995م-2000م من «61.4» سنة الى «51.4» سنة، وفي موزمبيق تشير التوقعات الى ان الاقتصاد عرضة للضمور ما بين «14-20%»، كما يتوقع ان يهبط دخل الفرد في ملاوي بنسبة «4.8%»، ويتوقع أن يتدنى الانتاج الزراعي في كينيا بأكثر من «2.4%» بحلول عام 2010م.
? وبعيدا عن هذه الارقام وما ترسمه من واقع ومستقبل مظلم تبقى حقيقة ماثلة تتحدث عن ارتفاع معدلات الاصابة والوفيات الناتجة عن مرض الايدز بمختلف المناطق داخل السودان الافريقي الذي يخشى الكثيرون ان يكون متتبعا لخطى الدول الافريقية الموبوءة الآن بهذا المرض .. وبينما تخطو الدول خطوات فعالة تجاه محاربة المرض تتعالى صيحات «ضعيفة» هنا وهناك بارض المليون ميل مربع تتحدث عن اصابات جديدة واخطار محدقة جراء انتشار هذا الطاعون بمناطق بها تتوفر بها كل العوامل التي تنقل هذا المرض «بكثرة» .. وأعني بالحديث هنا منطقة دارفور وجنوبها على وجه الخصوص.. فحسب احصاءات جديدة أعلنها البرنامج القومي لمحاربة الايدز بولاية جنوب دارفور في الاسابيع الماضية، فإن حالات الاصابة بمرض الايدز في ارتفاع، حيث تم تسجيل 123 حالة موجبة، منها 66 حالة من الرجال و 57 من النساء، مع توقع لازدياد الاعداد حال خضوع المواطنين المستمر للفحص الطوعي … كما اوضحت مديرة البرنامج رحاب عبد الرحمن علقم في ختام فعاليات الورشة التي عقدت قبل اسبوعين، ان نتيجة الفحص بالنسبة لبائعات الشاي واصحاب المطاعم اوضحت ان هنالك 127 حالة اصابة موجبة بالايدز تم تسجيلها بينها سبع نساء حوامل وثلاثة اطفال، وتوقعت ازدياد الرقم حال خضوع المواطنين باستمرار للفحص الطوعي.
? ولعل دارفور من المناطق التي تنبأ البعض بأن تحظى بنسبة اصابة عالية، فمانويل اراندا نائب الامين العام للامم المتحدة، قال في كلمته التي خاطب بها الحضور بقاعة الصداقة بالخرطوم قبل اعوام بمناسبة اعلان مبادرة توسيع خدمات الوقاية من الايدز، ان السودان محظوظ بهذه النسبة يقصد الـ «1.6%»، ولكن هنالك بعض المناطق التي قد تكون ذات نسب اصابة عالية، وأشار الى المسح الذي اجرته إحدى المنظمات بجنوب الجنينة الذي اثبت ان «52%» من السكان لا يعرفون حتى اسم الايدز .. كما توقع الدكتور محمد احمد عبد الحفيظ مدير البرنامج القومي لمكافحة الايدز في تحقيق سابق كنت قد اجريته عن الايدز.. توقع أن يسهم الصراع الدائر في دارفور والقوات الدولية القادمة من مناطق بها نسب اصابة مرتفعة، في ارتفاع نسبة الاصابة بالايدز في المنطقة. ويتحدث عبد الحفيظ عن المسح الذي اجري بدارفور الذي تحدث عنه اراندا في الاسطر السابقة، وقال «المسح معرفي، والنتيجة التي توصل لها في دارفور «للاسف الشديد» تنطبق على مناطق اخرى مثل الدمازين التي توجد بها نسبة كبيرة لم تسمع عن الايدز ولا تعرف عنه شيئاً، وحتى الذين يعرفون انه مرض خطير لا يعرفون كيفية الوقاية منه، وهذه احدى التحديات التي تواجهنا، لأن المرض لا يمكن الوقاية منه بغير المعرفة، واذا لم نتدارك هذه المشكلة سيظل المرض يرتفع وينتشر بين الناس».
? التوقعات السابقة عن ارتفاع الاصابة بالايدز في دارفور للمسؤولين عن مكافحة ومحاربة الايدز، أكدها لي رئيس شبكة الايدز بجنوب دارفور الاستاذ شايب النور الذي تحدث في البدء معرفا بالشبكة بالقول «الشبكة تعمل تحت قانون العمل الطوعي ومسجلة لدى مفوضية العون الانساني، وقد ولدت نتيجة للاوضاع والظروف القاسية التي تمر بها الولاية التي نتج عنها نزوح السكان، اضافة لوجود الحدود المفتوحة التي تسهل حركة السكان والحركة التجارية بين دارفور والدول الافريقية، مما ساعد في انتشار الايدز بصورة مزعجة جدا، الشيء الذي دفعنا لانشاء الشبكة في يونيو 2005م. ومنذ ذلك الحين بدأنا العمل على نشر الوعي بين كافة شرائح المجتمع بداية بالافطارات الجماعية بجامعة واستاد نيالا للتعريف بالشبكة، كما قمنا بالترتيب لليوم العالمي للايدز في الاعوام من 2005م وحتي 2007م»
واتفقت رحاب مع الشايب في أن الحرب وما ترتب عليها من تشرد وآثار اجتماعية اضافة للحدود المفتوحة مع دول الجوار، هي اهم مسببات الايدز.
وعن الشرائح المستهدفة من قبل الشبكة، اوضح الشايب انهم يستهدفون كل شرائح المجتمع بداية برجالات الدين الاسلامي والمسيحي والطلاب، كما يوجد تنسيق مع الاتحاد العام للطلاب السودانيين واتحاد الفنون الشعبية والقوات النظامية والشرطة والمرأة والرياضيين.
? وعن الوسائل والآليات التي تتبعها الشبكة في عملها قال «نقيم سمنارات وورش عمل للكوادر التي يمكن أن تساعدنا، وتمكنا عبرها وعبر الاتصال الشخصي المباشر من رفع الوعي لدى المواطن بتمليكه المعلومة عن المرض» .. وعن من أين تأتي الشبكة بالتمويل لتنفيذ مشاريعها؟ أجاب شايب قائلا «يأتينا دعم من العون النرويجي واليوناميد، كما قدم لنا البرنامج القومي لمكافحة الايدزفي العام الماضي ميزانيات خصما على ميزانية جنوب دارفور».
? قلت للشايب كيف وجدتم وضع الايدز بالمنطقة؟ رد قائلا «المنطقة موبوءة» .. قلت دون مسح تستندون عليه او احصائيات؟ قال «الشؤون الصحية كان لديها سجل به 15 رجلا و16 امرأة».. وعن النتيجة الاخيرة التي تم اعلانها من قبل برنامج الايدز بالمنطقة والكيفية التي تم بها الحصول عليها قال «تم التحصل عليها من مراكز الفحص الطوعي داخل مستشفي نيالا، حيث يخضع له من يحضرون لتلقي العلاج في المرحلة السريرية بعد ان فقدوا الامل».. ويتابع ان نسبة المواطنين الذين يذهبون للفحص الطوعي ضعيفة جدا مع وجود نسب من الاصابات والوفيات يوميا بالمدينة والمحليات «حسب مصادرنا»، لذلك اعتقد اننا في خطر. وأشار الى ان اعمار المصابين اغلبيتها في الفئة العمرية «45» فما فوق.
? نقطة مهمة تحدث عنها دكتور عبد الحفيظ، وهي وجود القوات الدولية القادمة من مناطق بها نسب اصابة مرتفعة بالمنطقة، وتوقع ان ترفع نسبة الاصابة بالايدز في المنطقة.. وهي توقعات قد تكون صحيحة في ظل حدوث بعض الأمثلة التي قد تدعم هذا الاتجاه، مثل وفاة عدد من ضباط الاتحاد الافريقي في سبتمبر من عام 2005م بعد اصابتهم بالايدز. ويقول الخبر الذي تناولته وسائل الاعلام في ذلك الوقت إن حالة من الخوف سادت في إقليم دارفور بعد وفاة اثنين من ضباط قوات الاتحاد الافريقي المنتشرة في دارفور لمراقبة وقف اطلاق النار بين الحكومة والمسلحين في الاقليم، متأثرين بإصابتهما بمرض فقدان المناعة المكتسبة «الإيدز» احدهما نقيب وهو ملاوي الجنسية والآخر غامبي. وهي الحالة الاولى من نوعها منذ قدوم هذه القوات الى دارفور. وكان الضابطان قد نقلا على متن طائرة خاصة من مدينة «الفاشر» كبرى مدن دارفور لتلقي العلاج بمستشفى بالخرطوم. وطالب مصدر في وزارة الصحة السودانية بإعادة الكشف الطبي على الجثتين، والوقوف على كل الاجراءات التي خضعت لها تلك القوات، تحسباً لظهور حالات مماثلة.
وهناك اخبار اخرى بين الحين والآخر عن حالات اغتصاب وممارسات لا اخلاقية اخرى نشرتها هذه القوات؟ الشيء الذي يفتح الباب واسعا امام تساؤلات الكثيرين حول هل كانت هذه الحالات هي الاولى فعلا ام تم التكتم علي البعض؟ واين الاشتراطات الصحية التي يفترض أن يتم تطبيقها على هذه القوات؟ وهل اخضعوا لفحص طبي من قبل جهات سودانية؟ وهل وهل؟
? سالت الشايب عن أثر القوات ومساهمتها في نشر الايدز بالمنطقة، فقال «كان لهم اثر مباشر في نشر الايدز، وقد تناولت هذا الامر في كلمتي التي القيتها في اليوم العالمي للايدز، وقلت ان وفاة اربعة من القوات الافريقية ليس بالشيء العرضي.. اضافة لعامل اللغة، فالقوات النيجيرية مثلا تتحدث لغة الهوسا، وعندما يرتدي احدهم الزي المدني ويدخل الى المدينة لا يمكن ان تميزه عن مواطني المدينة، وحدثت الكثير من الحالات التي ضبط فيها بعض افراد هذه القوات وهم في اوضاع غير اخلاقية داخل المدينة، مثل ما حدث بحي المطار حيث ضبط احدهم وهو يمارس الجنس مع احدى الفتيات مما حدا بالاهالي الى الخروج في تظاهرات.. وممارسة الجنس قد تتم مقابل 100- 200 دولار .. اضافة لوجود حالات «لواط» داخل معسكراتهم، حيث ضبط احدهم وهو يمارس الجنس مع سوداني، وتم الحكم على السوداني بالسجن لمدة ستة اشهر.. وأشار الشايب الى شيء آخر مهم يعتبر من اكبر مخلفات الحروب، وهو الفقر والعوز الذي كان دافعا لدى بعض الموجودين بالمعسكرات لترك القيم والتقاليد وحدوث تفككات اسرية وظهور مفاهيم جديدة.
? قلت للشايب هل تساعد المنظمات الاجنبية في محاربة المرض؟ قال «للمنظمات هم واحد وهو جلب الواقي وتوزيعه ودعم المرضى، ونحن همنا ان نعمل على محاربة المرض وحماية المواطنين منه بتوعيتهم قبل اي يصابوا بالمرض.
? الشايب يري ان نسبة الاصابة بالمرض في ازدياد، وتابع «اذا لم نعترف بهذا الامر فإننا نخدع انفسنا، فانتشاره وسط شرائح المجتمع يعني ان هنالك اعدادا تموت يوميا، وعزاؤنا ان تقف معنا الدولة والمنظمات ووكالات الامم المتحدة.
? كيف يمكن مكافحة المرض والوقاية منه؟ سؤال اجاب عنه كل بطريقته.. فرحاب طالبت حكومة الولاية ببذل جهود اضافية وتنظيم حملات توعية للمواطنين، وتضمين التوعية في برامج حكومة الولاية، اضافة لرعاية المصابين، وتوفير فرص عمل لهم، والعمل على زيادة مراكز الفحص الطوعي التي يبلغ عددها الآن بنيالا تسع مراكز.
نائب الوالي فرح مصطفى دعا المنظمات الاجنبية ووكالات الامم المتحدة المتخصصة للعمل المشترك والتنسيق مع المنظمات الوطنية لتوعية المواطنين باضرار الايدز، اما وزير الصحة محمد حارن فاعتبر ارتفاع الاصابات انذارا بالخطر. وشدد على ضرورة احكام التنسيق بين كافة الجهات للحد من انتشار المرض، اما الشايب فقال «نطلب من الدولة المناصرة والتشجيع النفسي وان تساندنا، كما نريد من برنامج الايدز ان يقوم بتعيين مسؤول بالمنطقة يستطيع تحمل الهم وتوحيد المنظمات العاملة في هذا المجال».
? جنوب دارفور.. في وجود العوامل السابقة.. الحرب وما يتمخض عنها من نزوح.. وتشرد.. وتفكك اسري.. وفقر.. وعوز.. وآلاف القوات الموجودة بالمنطقة.. لا يعلم غير الله عدد المصابين منهم بالايدز.. لتبقى تساؤلاتنا بشأنهم قائمة.. ما هي الضوابط الطبية التي خضعوا لها.. ومن الذي وضعها وكيف اجريت؟.. الوضع سيئ .. وما يظهر لنا منه يمثل قمة جبل الجليد.. في ظل غياب الإحصاءات والمعلومات الاكيدة.
عبدالرحمن ابراهيم : سلمي فتح الباب :الصحافة