قانون العمل ضد “الحق في العمل”!
من المناقشات الجانبية في ملتقى الاستثمار الرابع ما كان قمة في الفائدة و”التصويب نحو الهدف” وقد التقيت ناقدا صادقا وصريحا تركز حديثه على ثلاث نقاط يراها قمة في الأولوية.
وفي السياق كان هنالك حديث عن خطورة التسويق لفرص الاستثمار دون ترتيب وتوفيق الأوضاع الداخلية …. فيكون الحال مثل الذي يبشر الناس بوليمة “كاربة” في بيته ويحشد الناس ويفتح لهم الأبواب فيجدون لحما هزيلا وطبخا رديئا وأواني متسخة فيخرجون من الوليمة بسمعة أسوأ مما كانت عليه. فالمستمثر عندما يأتي للسودان وفي ذهنه صورة يجب أن نضمن أن قدومه سيغير هذه الصورة للأفضل وليس للأسوأ.
ولذلك علينا أن نراجع الأسلوب المهرجاني للتسويق للاستثمار في السودان لأنه “ضار بالسودان” حتى وإن تحقق من خلاله بعض الإنجازات المؤسسة على معرفة سابقة وتنسيق مباشر مع زيد أو عبيد … فيكون الأمر كله مسرحية ذات أبطال و البقية “كومبارس”!
ودونكم هذه المهرجانات التي جلبت “عارف” و ما عرفش إيه من شركات … وضاع بعد ذلك “خط هيثرو” وما خفي كان أعظم … ولا يزال كبار الكتاب يشيرون بالأحرف الأولى للمتهمين فقط لا غير … والقاريء يفهم جيدا ما الذي حدث بعد ذلك.
القضايا الثلاث هي … نزاعات الأراضي، قانون العمل، الرسوم الولائية والمحلية التي يفرضها الدستور والأمر الواقع.
نزاعات الأراضي تم النقاش عنها باستفاضة من قبل في عمودنا هذا وقصصنا طرفا من التجربة الإثيوبية في إنشاء شركات النفع العام والتي تسميها المعارضة هناك من باب الانتقاص “الشركات الجهوية والحزبية” وعلى كل حال …. الشركات الجهوية أفضل من الحركات الجهوية … وللحديث بقية.
قانون العمل هو ما أريد أن أتحدث عنه هنا من مدخل “حقوق الإنسان” هذا المدخل الذي يستغله أنصار القانون الحالي بغرض تثبيته وفرضه على الرقاب ولكنهم يقفزون لحقوق العمال وهي من ضمن الحقوق المدنية والاقتصادية للمواطنين … بل والعمالة الأجنبية.
حقوق الإنسان تملي علينا الحديث عن “الحق في العمل” أو “الحق في توفير فرصة عمل لكل مواطن ومواطنة” قبل الحديث عن حقوق نهاية الخدمة … ومكافآت العمال والهامش المختلف حوله في هذه المجالات. الحق في العمل يا سادتي يضيع تماما بوجود هذا القانون الساري ولا أتردد مطلقا في هذه المسألة. فالقانون الحالي “يطفش الاستثمار” ويرهب المخدمين من توسيع أعمالهم … وبالتالي يقلل من تدقف رؤوس الأموال ويقلل من المشاريع الاستثمارية الضخمة التي تكفل فرصا أكثر للمواطنين السودانيين.
المستثمر إذا افتتح مصنعا سيتردد ألف مرة في إضافة وردية جديدة “مثلا” حتى ولو رأى المواد الخام بالهبل والمنتجين أو المستوردين يتسولون المشترين “ولو بالكسر” لأن السوق إذا تراجع فإنه يجب أن يسدد حقوق نهاية خدمة لهذه الوردية وسيكون المبلغ المطلوب يتجاوز كل ما أنتجه لمدة عام من الوردية الأولى وسيردد حينها … “على إيه الغلبة والمشاكل والمغامرات” … كفاية ربح محدود وعمال قليلون ولا داعي للانتحار.
يظل السوق يتكدس بالعمالة العاطلة ويظل المنتج للمواد الخام يبيع بأسعار رخيصة وربما يخسر ويدخل السجن لأن الطلب على المواد قليل لأن الصناعات التحويلية “مجال مضروب” ..!
لو تم تعديل القانون فإن العاطل سيجد فرصة عمل ولو لفترة نصف سنة بدلا أن يظل عاطلا طوال العام … ويتحول إلى نازح أو متمرد أو مجرم … ولو تم تعديل القانون سينتعش الإنتاج لوجود طلب وأسعار أفضل وتمويل مضمون ..!
بإختصار شديد … القانون الحالي … ظاهره الرحمة بالعمال وباطنه جحيم حقيقي للعمال وللسودان … وبسببه تصبح مؤتمرات الاستثمار يا وزارة الاستثمار مجرد “طق حنك”!
ونواصل في القضايا الأخرى لاحقا … مع جزيل الشكر لملتقى الاستثمار الرابع بورتسودان الذي منحنا هذه الفرصة للتزود بالآراء والمعلومات.
نهاركم سعيد – مكي المغربي
صحيفة السوداني