الشريف صديق الهندي: المعارضة السلمية والمسلحة فشلتا في إسقاط النظام
** من بين ثنايا الأزمة الوطنية دائما تخرج الكلمات لكنها تتبعثر في الفضاء.. وعادة تسويد الصحف بالرأي والرأي الآخر وعلى سعة أو ضيق المساحة المتاحة تصبح مجرد آراء أفعالها في غياهب المجهول إن لم تكن مصادرة.. سنعيد الكرة للحديث مجددا ووضع الرؤية المعارضة أو الحكومية على أمل أن تجد من يسمعها أو أن تصبح جزءً من تاريخ ومادة للأجيال القادمة.. حاورنا الشريف صديق الهندي الخارج توه من وحدة اندماجية من حزبين كانت نتاجها رئاسة مشتركة للمولود الجديد الذي أطلق عليه الوطني الاتحادي الموحد.. دارت الأسئلة والإجابات في مجاهيل السياسة السودانية عسى ولعل..
* أعلنتم وحدة قبل أيام.. لكن الوحدة في صفوف الاتحاديين تعني انشقاقا جديدا؟
– وحدتنا الأخيرة تمت بين كيانين كانا في الساحة السياسية، فالاتحادي الموحد الذي يمثل أحد طرفي الوحدة يشير باسمه لدعوة مفتوحة للوحدة، وكذلك الحركة الاتحادية وهي الطرف الثاني تسعى منذ أن أنشئت لتشمل جميع الكيانات والمسميات الاتحادية، فنحن في اتجاه الوحدة وليس الفرقة.
* محاولات الوحدة دائما متعذرة بين الاتحاديين.. الخلاف حول ماذا؟
– صحيح هنالك عدد من المبادرات للوحدة وهي قابلة للنجاح والفشل، وإذا ما فشلت في أوقات سابقة هذا لا يمنع أن تجد التوفيق في الحالية، وكل شيء مرهون بإرادة الله، لكن أحب أنبهك إلى أن الخلافات في حزب الوسط لا نخشى عليها، لأن الحزب عندما تكوَّن في العام (1953) كانت تمثله عدة أحزاب جمعها الكفاح المشترك وقتها ضد الاستعمار، وطبيعي أن تنشأ الخلافات في تيار وسط بكل هذا التباين وهو مأخوذ من التباين في البلاد كلها، لذلك فإننا نظل نطرح الدولة المدنية مقرونة مع الحريات والنظام التعددي لتتناسب مع طبيعة هذا التعدد، وهو ليس مسألة مزعجة.
* إذا ما فشلتم أن تكونوا تحت هيكل واحد.. أليس بالإمكان أن تكونوا جبهة واحدة؟
– الجبهات تختلف عن الأحزاب، فالعمل الجبهوي تجمعه صيغة الحد الأدنى، بينما يعمل الحزب على الحد الأقصى، ولا أعتقد أن أسلوب الجبهة يناسب الاتحاديين، بقدر ما يحتاجون للدخول في عمل جبهوي لخدمة قضايا معينة ونتفق حولها، لكن يظل الاستقلال التنظيمي قائما.
* مفردة “الإرث الاتحادي” تشترك كل الفعاليات الاتحادية في استخدامها للشعار والخطاب الجماهيري.. برأيك من هو صاحب الإرث الحقيقي.. وربما أصبح الناس ينظرون إليها بمنظار رجعي ماضوي؟
– التخلي عنها صعب لأنه إرث مشترك ولا يمكن أن تنسبه لأحد وتمنعه من الآخر، لكن يبقى المحك من ناحية فعلية من يمثل هذا الإرث، باعتبار أن الإرث الاتحادي لديه خط وتقليد وقادة وسياسة وأحلاف وإنجاز.. والسؤال يبرز هنا أين أنت من هذا الإنجاز.. هل هو موقف الادعاء أم موقف المواصلة والتمثيل.. وهل هو ابن أبيه فعلا وسائر على نهجه؟.. ونحن لا نتحدث عن ماضوية محضة توقف الزمن وتعيد العداد خمسين عاما للخلف فهذا مستحيل.. لكن نحن نعمل على تحديثه ومعايشته بالواقع.
* هل تتوفر الأسباب لوحدة اتحادية بين كل الفصائل؟
– أرى أن الالتقاء ممكن ليس فقط في الإرث المشترك أو التمثل بالأطروحات، فإمكانية الوحدة قائمة ما دامت هنالك إرادة وتخل عن الأطماع الشخصية وانتفت الأسباب الموضوعية للخلاف.. وهنالك موقفان أساسيان في الخلاف، أولهما الخلاف الموضوعي حول المؤسسة الديمقراطية للحزب، وخلاف آخر طرأ فجأة وهو متحرك في مشاركة النظام، وهو موقف صعب التوحد عليه ما دام الناس ينتمون ضد أو مع النظام، مثلا نحن نمثل المعارضة ولا يمكن أن نتفق مع آخرين هم جزء من النظام، ولا يمكن أن نتوحد مع الاتحادي الأصل والمسجل هم جزء من الحكومة من أقصاها إلى أدناها، وإذا ما رغبوا هم في الوحدة بوضعهم داخل الحكومة يصبحوا متآمرين عليها .
* المقارنات بين المشاريع الوطنية والأممية جدل دائم.. كيف نبرز المشروع الوطني لصلاحية الحكم بدلا من المشاريع الأممية؟
– أنا أرى أن التجربة الوطنية منذ قيام الدولة السودانية في كل تاريخها كانت دولة متفردة، وكانت ديمقراطية وفدرالية ومتقدمة بزمانها، وهو إرث حضاري أبعد من مؤتمر الخريجين، عقب ذلك فنحن لسنا أمة أتت من النجوم إنما من حقيقة ووجود بشر، وهو ما يؤكد أن المشروع الوطني ممتد وليس منبتا.. وإبراز المشروع الوطني وتجلياته على أرض الواقع في الإحزاب إذا انتصرت فإن خط المشروع الوطني سينتصر، وهو ما يحمينا من المشاريع الأجنبية، والآن المشروع الوطني يمثل تحد بالنسبة لنا في امتدادات تلك الدولة وينشأ صراعنا مع النظم الشمولية دائما لأنها تقطع الطريق أمام التطور الإنساني، ولابد أن تقاوم من أي شخص سواء أكان انقلابيا أو متطرفا وبالتأكيد لو كان ديمقراطيا، ونحن لسنا أساس المشروع الوطني كاتحاديين لكننا ندعي الانتماء له بكل تفصيلاته .
* على ذكر المشاريع السياسية.. هنالك من يرى أن المعارضة فشلت حتى الآن في تقديم نفسها بصورة تمكنها من تحقيق الالتفاف الجماهيري؟
– أوافقك في أن المعارضة فشلت في ذلك على وجاهة وشرعية ومشروعية هدفها ومقاومتها، ومع كامل التقدير لكل مكوناتها التي نحن جزء منها، لكن وجودنا دون الطموح ومستوى الفعالية اللازم لمقاومة النظام بتغييره سواء أكان بالحرب أو السلم، ولابد للمعارضة من إصلاح هذا الخلل الذي استمر معها طوال (25) عاما .
* وبرأي البعض أنها أيضا فشلت في تسويق أطروحاتها خارجيا؟
– الخارج هو نتاج الداخل، وما دمت عاجزا في تقديم فعالياتك الداخلية لن يستطيع أن يقدم لك شيئا.. وفي الآخر فإن الدور الخارجي يظل ثانويا ومساعدا ومسهلا، لكنه لن يكون قائدا.. ومتى أصبح كذلك فإنه سيقع في أحابيل الصراع الدولي وسيجرفك الصراع إلى منطقة ليست لك فيها قدرات للمواجهة.. ونحن نعلم المجتمع الدولي ولا نعيش في جزيرة معزولة، وما دمت تعبر عن قضية حقيقية فإن المجتمع الدولي الحر سيقف معك.. أما إذا عرضت قضيتك للحرب بالإنابة فإن المقاتلين سيكون لديهم سهما وأنت أيضا ستأخذ سهمك من التبعية.
* هل انقطع الآن الوصل نحو تحقيق المصالحة بين الحكومة والمعارضة؟
– أنا أرى أن الجولة الأولى من الحوار قد وصلت إلى طريق مسدود وفشلت بالكامل، وهذه رؤيتنا فيها من الأول باعتبار أنها فاقدة لكل مقومات النجاح، مثل تهيئة الأجواء وشكل إدارتها وتحديد مقاصدها وكان مجرد كلام عام، واتضح بعد ذلك غياب الإرادة لإنجاح الحوار، والذين شاركوا أنفسهم وصلوا لطريق مسدود، وما لم تكن هنالك جولة أخرى فلن تتحقق المصالحة.
* برأيك.. هل فشلت؟
– بالتأكيد فشل الحوار قبل أن يبدأ، لأن فكرة الحوار صعبة ولابد للنظام أن يدفع تكاليفها في شكل تنازلات ضخمة جدا، بحيث أنها تنتهي إلى تحول ديمقراطي وقد تكون مؤلمة، وأنا أرى أن النظام غير قادر على دفع استحقاقات الحوار وتبدو شبه مستحيلة .
* النظام لا يرى أن هنالك معارضة تستحق التنازلات؟
– التنازلات ليست للمعارضة كما يعتقد النظام بل للوطن، وعلى النظام أن يعترف بأن هناك أزمات في البلد ومشاكل وأن تجربته قد وصلت إلى طريق مسدود، وفشل بعد (25) عاما في الأفكار وإحلال السلام وانتهت إلى أزمة اقتصادية طاحنة وفقر وصراع ناتج من الفقر والقهر نفسه، وتحولت الإنقاذ إلى دولة بوليسية رغم أنها بدأت شمولية، وكان أمل الناس أن تتطور بإحداث تحول ديمقراطي، وكذلك انتهت التطورات التي بني عليها دستور (2005).
* وهل من سبيل لاعتراف النظام بأخطائه؟
– لا أعتقد أن النظام سيعترف بأخطائه، وإذا لم يدرك هذه الحقيقة فإنه لن يلجأ للإصلاح، ولن تتوفر أرضية للحوار ما دام النظام يرى أن تجربته ناجحة، فأرضية الحوار لابد أن تكون لصالح حل المشكلة.. وحل المشكلات يبدأ بالاعتراف بها.
* وحتى قياداته فردا فردا لا يدركون ذلك؟
– مواقف الأفراد لا تؤثر، بل إن المصالح والصراعات الداخلية أيضا لا تهم الخارج، المهم القرارات والسياسات التي تصدر، وحتى لو كانت هنالك آراءً وتيارات داخل النظام تعمل للإصلاح يتم حسمها فورا، فنحن نرى يوميا كل من لديه رأي في سياسات حزبه وحيثما ارتفع صوتهم إما سيتم إبعاده أو فصله أو إخراسه من الحديث نهائيا، فمن ظهر الحزب الحاكم خرج أفراد وتيارات وأحزاب أيضا، لكن آخرون صمتوا فبقوا.
* السيد الشريف.. دعنا ننتقل إلى سؤال ظل يلاحقك دائما.. فيم كان الخلاف بينك والدقير؟
– هو خلاف سياسي في التوجهات بيني وبينهم، وأعتقد أن موقفهم الآن ليس هو موقف أو توجهات الحركة الاتحادية، فكان الاختلاف حول غياب مؤسسات الحزب لفترات متطاولة، ودان الأمر لمجموعة صغيرة دخلت هي الأخرى في تحالفات غير مقبولة بالنسبة لنا، فأصبحوا هم في واد ونحن في واد و(ماعندنا شغلة فيهم).. وتركنا تلك القضية خلفنا منذ زمن.
* ولكن تأسف الناس على مبادرة الحوار الشعبي الشامل.. حيث لم تتحقق كما أراد لها الشريف زين العابدين؟
– دائما الناس يتأسفون على أي شيء عظيم ينتهي بتلك الصورة المؤسفة، ونحن أكثر الناس أسفا.. لأننا كنا جزءً منه، لكن عندما مات لم يكن أمامنا شيء غير الأسف، وللحقيقة فإن المبادرة استغلت استغلالا بشعا ليست له علاقة بالإنجاز ولا التاريخ، واختزلت في شكل لافتة تعلق في حزب المؤتمر الوطني ويتم إيجارها في المناسبات العامة، وهي لافتة بلا جماهير بل مجموعة لديها مصالح خاصة وبالنسبة لي ليس هذا الحزب الاتحادي الديمقراطي الذي أعرف.
* هل صحيح ما ظل يردده الكثيرون بأن الشريف لم يكن راضيا عن أداء من معه؟
– أنا أعتقد أن أكثر الدلائل التي تركها الشريف هو بيت شعر لا مجال لانتحاله يدعو فيه المولى عز وجل يقول فيه :
خذني إليك فقد سئمت العيش فيما بينهم
* ماذا تبقى لك من شجون لندن والمعارضة الخارجية؟
– لندن كانت محطة من محطات النضال الوطني منذ السبعينات، وقادتنا إليها القضية في أيام نميري، ثم تشابكت الأمور وعدنا ورجعنا إليها مرة أخرى، ولم تكن لندن نقطة معارضة فقط بل كانت تشكل الحماية الحقيقية للمعارضين.. ورغم فترات الاستقطاب الدولي إلا أن النظام في إنجلترا كان مختلفا، فهم لا يسألونك عن معارضتك.. لذلك بعد (1977) كانت هي المآل باعتبار أن المعارضة تعرضت في كثير من المدن منها إديس أبابا للطرد والمصادرة وكذلك السعودية وليبيا بغير الزخم الإعلامي والسياسي، ففي لندن يمكنك ممارسة العمل السياسي وكأنك أحد مواطنيها.
* أنتم أبناء الشريف حسين الهندي كما يسمونكم.. تفرقت بكم السبل ولم تحافظوا على تماسك مجموعتكم؟
– البعض توفى وآخرون مازالوا يواصلون المشوار، لكن قطعا فقد جرت على الناس أقدار الحياة السياسية بيأسها ومللها واختلاف طرائق التفكير، لكن أكثر وقت يمكن أن نقول فيه إن أبناء الشريف حسين قد خرجوا عن الطريق النضالي هو ما يحدث الآن في (المسجل).. لأنهم يحسبون أنفسهم عليه، بعكس أفراد ومجموعات آخرين مازالوا يحافظون على إرث الشريف حسين وتبقى مسألة الزمالة.
* هنالك من يقارن بالمعارضات في الماضي والحاضر.. فيم الاختلاف؟
– المعارضة في الماضي كانت أكثر فعالية، لا أقول إنها كانت تجمع كل الشعب السوداني، لكنها كانت تضم معظم القيادات وبها مستوى عال من التماسك والوحدة والعمل المشترك، وقبل المصالحة (77) التوليفة كانت فيها مثالية باعتبار أن المصالحة شملت أحزابا كانت مشاركة في المعارضة وانسحبت، والجبهة الوطنية ذابت فيها فوارق الحزبية رغم أن المصالحة أثرت في تماسكها بالصيغ الثنائية والآن التاريخ يعيد نفسه.
* هل صحيح أننا نعيش عزلة عربية؟
– بلا شك، نحن نعيش أزمة من أخطر الأزمات ونكاد نكون غير مصنفين من العرب وغائبين عن المسرح والعمل العربي وفي ذيله ومختلفين معه في كل توجهاته، بل ونحن الآن حسب رأيهم في عداد الخطر عليهم.. وهذه أزمة قد لا يطردونك من الجامعة العربية لكن لم يعد السودان العضو العربي الفاعل في المنظومة العربية بكل مؤسساتها، فنحن في عزلة مطلقة ولها آثارها.
* على امتداد شاعرية عشيرة الهندي.. ماهو نصيبك؟
– أنا طوال عمري فشلت في كتابة أو تركيب بيت شعر واحد، وحظي منه في القراءة والاطلاع على الأشعار الأخرى وأفضِّل شعر الدوبيت.
اليوم التالي