يـــوم فـــي الضعـــين..
قضينا يوم أمس في مدينة الضعين، عاصمة ولاية شرق دارفور، ضمن وفد كبير طار إلى هناك بطائرتين في معية والي الولاية الجديد العقيد الركن الطيب أحمد عبد الكريم، الذي جاء خلفاً للوالي السابق د. عبد الحميد موسى كاشا الذي استقال على خلفية الصراع في الولاية بين قبيلتي الرزيقات والمعاليا وقضايا أخرى أعاقت عمله.
وعمل العقيد الطيب عبد الكريم في فترة كاشا معتمداً لمحلية شعيرية، وكان قبلها بحامية الجيش في مناطق الضعين وبحر العرب، وقبلها كان في الحرس الرئاسي برئاسة الجمهورية.. وجاء اختياره مراعياً للوضع المعقَّد أصلاً في الولاية بفعل التنازع القبلي بين القبيلتين المتساكنتين في المنطقة وسقوط عدد كبير من القتلى بينهما وانقطاع التواصل والعلاقة بين الطرفين.
وتواجه الوالي الجديد الذي استقبلته مدينة الضعين ظهر أمس استقبالاً كبيراً شاركت فيه كل قطاعات ومكوِّنات الولاية والتكوينات السياسية والشرائح الشعبية والفعاليات الاجتماعية، تواجهه تحديات كبيرة وشائكة وصعبة، وفي مقدمتها الوضع الأمني، فالولاية تعاني من حدة المشكلة القبلية بين الرزيقات والمعاليا، ومن تفلتات بعض حاملي السلاح، وتتخذ الحركات المتمردة أجزاء من الولاية معبراً لها في تحركاتها فقط ولا تستطيع الوجود فيها، ففي حركتها من اتجاه الشمال إلى أراضي دولة الجنوب كانت تعبر هذه المناطق وتعتدي على المواطنين وتنهب ممتلكاتهم وتتم مطاردتها فتسارع بالهروب لكنها لا تستقر في هذه الولاية..
وبشَّر الوالي الجديد مواطني الولاية في أول لقاء جماهيري له أمس، بأن الأمن في مقدمة أولوياته وسيحسم ملفه، وقال بالحرف الواحد: «نحن لسنا ناس كلام ونعرف الدواس وسنتعامل مع قضية الأمن بما نجيده ونعرفه»..
أما الصلح القبلي المرتقب بين الرزيقات والمعاليا الذي بدأت فيه لجنة أهلية من أمراء وعمد وأعيان قبيلة المسيرية المجاورة للقبيلتين والتي تربطها أواصر قربى ودم مع الطرفين، فهو عمل لا بد من إنجازه بسرعة حتى تتنفس الولاية الصعداء ويزول الاحتقان ويتفرغ الجميع للمّ الشمل من جديد وتعود الأمور إلى عهد وأيام الصفاء القديم، وتنطلق كل محليات الولاية في طريق التنمية والبناء..
وجدنا الضعين بالأمس تعاني من احتقانات الخلاف بين القبيلتين وكم هو محزن ألّا يكون معنا في وفدنا قيادات من المعاليا أو يكون لهم وجود في المدينة واحتفالاتها، لقد كان مشهداً مؤلماً أن تصل الخلافات والصراعات القبلية إلى هذا الحد المفجع في القطيعة والخصومة، وهذا أدعى إلى ضرورة البدء الفوري في ترتيب مؤتمر الصلح ونزع فتيل الأزمة وإعادة كل شيء إلى طبيعته بين القبيلتين، ولن يكون ذلك إلا إذا فرضت الدولة هيبتها وبسطت الأمن والطمأنينة في ربوع كل الولاية، وأُقيمت العدالة المنصفة وتمت محاكمة كل المتورطين في هذه الحرب وجبر الضرر الذي أصاب الجميع ودفع الديات وغسل النفوس من أدران الكراهية والتعصب القبلي وغسل الأيادي وتنظيفها من الدماء وخاصة دماء الأبرياء الذين حصدتهم آلة الموت المدمِّرة.
وتأتي الخدمات نقصها والتنمية وانعدامها، أيضاً في مقدمة أولويات الوالي الجديد وقد تحدث عنها في اللقاء الجماهيري، فولاية شرق دارفور مثل غيرها من ولايات البلاد تعاني نقصاً حاداً لا يمكن وصفه في مجال الخدمات الصحية والطبية والبيطرية، ويعاني الإنسان والحيوان على السواء من هذا النقص المريع، فإنسان الولاية يتعالج في مستشفى واحد بمدينة الضعين ولا يزال بكل المعايير مجرد مستشفى ريفي لم يرتقِ إلى أي مستوى مقبول رغم الوعود والعهود الكثيرة..
وتعاني الولاية من تدنٍ ونقصان في الخدمات التعليمية وتسرب الكثير من التلاميذ من مؤسسات التعليم العام، ويعاني الرعاة والرحل من إهمال متطاول في هذا الجانب ولم ينتبه لهم أحد، كذلك توجد مشكلة مزمنة في المياه، فالدوانكي والآبار التي حُفرت قبل أربعة أو خمسة عقود لا تزال هي فقط في طول وعرض الولاية لم تزد، بالرغم من وجود دوانكي وآبار خاصة لا يمكن أن تحل مشكلة المياه وتعاني شبكة مياه الضعين من أعطاب وقصور وإهمال لم يجد حلاً..
ومشهد الضعين أمس كان فيه بعض الإهمال وكثير من الشكوى والصبر الجميل… فهل يستطيع الوالي الجديد القادم من أقصى شمال السودان ولا صلة له بتعقيدات الوضع الولائي ولا حساسيات القبائل وهواجسها أن ينجح وينتشل شرق دارفور من أزماتها؟
ولقد كان الوالي السابق عبد الحميد كاشا صريحاً وشجاعًا للحد البعيد عندما أعلن أمام الجماهير المحتشدة أمس وهو يقدم خلفه للناس… أنه ترجل بسبب عدم قدرته على اتخاذ القرار الحاسم والقوي وسط بحر متلاطم من الصراعات والمطامع والنزاعات وعدم التوافق وأنهار الدماء… وصار جزءًا من أزمة وُضعت أمامه…
[/JUSTIFY]
أما قبل – الصادق الرزيقي
صحيفة الإنتباهة