منوعات

رسوم عدم إقامة حفل

[JUSTIFY]لم تسع (عبدالعال) الفرحة وهو يستقبل مولوده الذكر الأول بعد ست من البنات لدرجة أنه قام بطلب إجازة بالخصم لمدة ستة أيام من المصلحة ليتفرغ بالاحتفاء والاحتفال بهذه المناسبة السعيدة التي ظل ينتظرها لمدة عشرين عاما هي سنوات زواجه السعيدة بابنة عمه نفيسة.علي الرغم من ضيق ذات يد (عبدالعال) لكونه من الموظفين في الأرض إلا أن جهات عدة قد قامت بتقديم الدعم والمواجبة له احتفاء بالمولود الفارس المنتظر. فجيرانه في الحي ما أن علموا باليوم المحدد للسماية إلا وقاموا بعمل كشف “مُدنكل” يكفي لإقامة صيوان محترم بملحقاته من غسالات الأيدي و حفاظات المياه. كما قام صندوق العاملين في المصلحة بإرسال هايلوكس مليء بباغات الزيت وأكياس الشاي والدقيق والسكر، إضافة إلي خروف “مُدغلب”، لزوم المشاركة في هذه المناسبة السعيدة.
في اليوم الأول لخروج نفيسة من مستشفى الدايات، وبعد انقطاع سيل المهنئين، تم عقد اجتماع أسري لمناقشة موضوع السماية. وقد دار نقاش مستفيض حول كيفيتها، حيث تعددت الآراء، فبعضهم يرى أن تكون “غداء ضلع”، وآخرون يرون أن تكون “عشاء كوكتيل”. وبما أن الجميع لم يصلوا إلى اتفاق، وبما أنّ (عبدالعال) كان حريصاً على إرضاء الطرفين، فقد قرر أن تكون السماية يومين؛ اليوم الأول “غداء ضلع” واليوم الثاني “عشاء كوكتيل”.
يوم الغداء
قام صبية الحي برش أرضية الصيوان وربط لمبات النيون، وغسل الكراسي البلاستيكية، في حين انبرت النساء في تجهيز صواني الغداء. هذا بينما كان (عبدالعال) يرتدي جلابيته “بتاعة” المناسبات ذات اللون الرمادي الفاتح؛ ولم ينسَ أن يضع علي رأسه طاقية من اللون والقماش نفسه ، وكذلك الشال المزركش المصاحب للطقم، حيث وقف بعدها في مدخل الصيوان يستقبل المهنئين وهو يتابع عملية انسياب صواني الغداء، وينادي علي الأولاد بين الفينة والأخرى:
– آ ولد، جيب صينية هنا! يا ولد، جيب زيادة رغيف هنا!
وبينما هو كذلك إذا بعربة ذات لوحة حكومية صفراء، فاقع لونها، تقف بقرب الصيوان ويترجل منها ثلاثة أشخاص يرتدون بدل سفاري زيتية اللون. للوهلة الأولى ظنهم (عبدالعال) زملاء من المصلحة. ولكنّهم في الحقيقة لم يكون كذلك.
– السلام عليكم!
– وعليكم السلام! اتفضّلوا!
– لا، شكرا! لو ممكن بالله عاوزين الزول العامل المناسبة دي.
– (في إستغراب): ده أنا ذاتي! في حاجه؟
– أيوه! إنحن بس بنسأل، إنتو عملتوا تصديق؟
– نعمل تصديق لشنو؟ الليلة غدا وبكرة عشاء، وما عندنا حفلة!
– ما دا اللي نحنا بنقصدو ذاتو يا حاج.
– كيف؟
– مش إنتو ما حتعملوا حفلة بكرة؟
– أيوه!
– يبقى مفروض تجو عندنا تعملوا تصديق بعدم إقامة حفلة …
– (فى اندهاش ) : والله حاجه عجيبة! كيف يعني؟ حفلة، وما حنعملها؛ نعمل تصديق بعدم إقامتها كيف؟ ولشنو؟
– أيوااا يا حاج! أنا أورّيك لشنو! يعني إنت عاوزنا نقعد نراقب فيكم الليل كلو عشان نشوفكم حتعملوا حفلة ولا ما حتعملوا حفلة؟ نحن فاضيين ليكم! ثم واصل فى جدية: التصديق دا يا أستاذ عشان السلطات تعرف أنكم ماحتعملوا حفلة وما تختّكم في حساباتها! هسّع عرفت؟
– (في امتعاض وعاوز يخلص) : والمطلوب شنو هسّع؟
– المطلوب تمشي معانا المكتب وتعمل التصديق دا في مكتب التصديقات!
ثم عاجله الثّاني منهم قائلاً:
– أها يا (عبدالعال)، قلت لينا ما حتجيبو فنان؟
– أيوه ما حنجيب!
– طيب ماحتجيبو منو؟
– (مستغرباً) : كيف ماحنجيب منو! ماحنجيب كل الفنانين …
– لا يا أستاذ! لازم تحدد لينا ماحتجيب منو! هسّع ممكن تقول ماحتجيبوا فرفور، تقوموا ما تجيبوا ترباس؛ أها، بعدين يكون الموقف شنو؟
– يعني هسّع لازم أحدد ليكم؟
– أيوه، طبعا!
– ودي طيب أعملها كيف؟!
– (فى لا مبالاة) : إتصرّفّ!
– طيب، يا جماعة، أدّوني فرصة لحدي بكرة؛ أصلو عزومة العشا بكرة ….
خرج (عبدالعال) من مبنى التصديقات عائداً للمناسبة، وكلمات المسؤول ترنّ في أذنيه:
– لازم تحدد لينا الفنانين الما حتجيبهم!
– أفرض حددت لينا إنك ما حتجيب فرفور، وقمت ماجبت ترباس …
وحينما وصل للصيوان كان الجميع يسألونه “كنت وين يا (عبدالعال) ؟” ، إلا أنه ظل صامتا يفكر في حل لتلك المشكلة، خاصة وأنه شخص مسالم، لا يحب مواجهة السلطات.
(نزار) يجد الحل
عندما وجد (نزار) خطيب ابنة (عبدالعال) الكبرى أن (عبدالعال) ساهم طوال الوقت وصامت، اقترب منه متسائلاً :
– مالك يا حاج؟
– لا، ما في حاجة! مشكلة بسيطة …
– مشكلة شنو يا حاج؟
وحكي (عبدالعال) ل(نزار) المشكلة، إلا أن الأخير فاجأ (عبدالعال) قائلاً:
– هسع دي مشكلة يا حاج؟ دي حلها بسيط جداً!

حل المشكلة
في صباح اليوم التالي كان (نزار) يقود عربته الأتوس السوداء وبجانبه (عبدالعال) وهو يحمل قائمة تحتوي على الأماكن التى يفترض أن تساهم معهم فى حصر جميع “المغنواتية”. كانت هذه القائمة تحتوى على:
1 – مكتبة الإذاعة السودانية؛
2- دار فلاح لتطوير الأغنية الشعبية؛
3-. دار الغناء الشعبي؛
4- شركات الإنتاج الفني؛
5- جميع مراكز الشباب؛ ثم
6- إضافة إلى التلفزيون القومي ثم إذاعات الإف أم .
قبل أن تنتهي ساعات العمل الرسمية تحصل (عبدالعال)، بمساعدة خطيب ابنته (نزار)، على أسماء جميع الفنانين والفنانات، المسجلين منهم والمسجلات بكل هذه الاتحادات ومراكز الشباب. وكانت الحصيلة التي بحوزته 50467 اسماً مرتبة ترتيباً هجائياً.
فى مكتب التصديقات تانى
وضع (عبدالعال) هذه الرزم من الأوراق التي بها أسماء الفنانين والفنانات أمام المسؤول وهو يقول:
– شوف يا سعادتك، ديل كلهم ما حأجيبهم.
-المسؤول في استغراب: ديل شنو؟
– ديل فنانين!
– إنت متأكد إنو الما حتجيبهم كلهم هنا؟ يعني ما في زول ماحتجيبو ما هنا؟
– أيوه متأكد! (ثم مواصلاً) وكمان أنا عملت صورة من القوائم والأسماء دى عشان بعدين ما تغالطونى!
– طيب شيل أورنيك ت/ع/ا/ح أملاهو وامشي أدفع الرسوم.
لم يوضح المسئول ل(عبدالعال) أين يدفع الرسوم، لذلك كان لابدّ ل(عبدالعال) أن يقوم بسؤال أحد الموظفين:
– يا أخ، داير أدفع رسوم تصديق بعدم إقامة حفل؛ أدفعها في ياتو شباك؟
– شوف! الشباك الأول داك، بتاع تصديقات إقامة صيوانات العزاء؛ تخليهو! الشباك البعدو، بتاع تصديقات عدم إقامة صيوان عزاء؛ تخليهو! الشباك البعدو، يعني الثالث داك، شباك تصديقات دفن ميت. والشباك البعدو داك، الفيهو الهنود الكُتار، الواقفين ديك! داك شباك تصديقات عدم دفن ميت؛ خليهو! أها، الشباك البعدهم طوّالي دا، حق التصديق بعدم إقامة حفل!
لحظ (عبدالعال) فقد كان الشباك خالياً من أي شخص. بعد أن ملأ (عبدالعال) الأورنيك ت/ع/ا/ح، وأرفق معه قوائم وكشوفات أسماء الفنانين الما حيجيبهم، سلمه للمسؤول الذي بالشباك، والذي قام بتحرير الإيصال وسلمه (عبدالعال) قائلا:
– تلتمية خمسة وسبعين ألف …
العشاء
توقفت أرتال وفود المهنئين، وخرجت آخر صينية للعشاء. وبدأ عدد من كانوا بالصيوان فى التناقص حتى بقي (عبدالعال) و(نزار) خطيب ابنته وجارهم سليمان الذى استأذن في أن ينصرف بعد أن قام ومعه (نزار) بجمع الكراسي والترابيز وفك حديد الصيوان و”توضيب الحتّة”. عند هذا كان (عبدالعال) قد سبقهم لداخل المنزل ليأخذ قسطاً من الراحة من عناء تعب اليومين السابقين والجري وراء استخراج مختلف أنواع التصاديق. وعندما كان الجميع يحاولون النوم، إذا بجرس الباب يرن:
– منو في الباب؟
– افتح!
عندما قام (عبدالعال) بفتح الباب رأى ذات الشخص الذي سلمه التصديق بعدم إقامة الحفلة:
– اتفضلوا يا جماعة! إن شاء الله خير؟
– لا، خير! إنحن بس عاوزين نعرف …
– تااااني!! عاوزين تعرفوا شنو؟ إنحن، حفلة، وما عملناها! وكل الفنانين اللي قلنا ما حنجيبهم، وما جبناهم! وكمان ما جبنا ولا فنان! أها تأني في شنو؟! عندكم معانا حاجة؟!
– يا حاج كدى أهدا شوية، وامشي جيب لينا النسخة بتاعت الفنانين اللي عندك، اللي قلت ما حتجيبهم.
قام (عبدالعال) بالدخول إلى المنزل، فغاب برهة ثم جاء وقد أحضر نسخة الكشف الذى معه وأعطاها للمسؤول الذي عاجله قائلاً:
– لا، إنت خلّى نسختك دى معاك، وتابع معاي…
بينما كانا المسئول يقلب فى صفحات النسخة التي معه توقف فجأة فى إحدى الصفحات وقال مخاطباً (عبدالعال) فى حزم:
– أمسك نسختك دي وافتح حرف السين يا (عبدالعال)!
بدأ (عبدالعال) فى تقليب صفحات صورة الكشف الذى معه، ثم بعد بحث قصير توقف وقال مخاطباً المسؤول:
– يا هو دا حرف السين فتحتو.
– طيب، هسّع الفنانة (سعدية دَكْوة ) موجودة عندك؟
– (بعد أن استعمل عبدالعال سبابته فى تتبع الأسماء التى تحت حرف السين) لا! ما موجودة!
– طيب، مش كان ممكن ما تجيبها ؟ ما كتبت اسمها مع الفنانين الما حتجيبهم ليه؟!
– ……………………….
تم دفع إيصال الغرامة بواسطة (نزار)، إذ أن (عبدالعال) لم يستطع ذلك نسبة لوقوعه مغشياً عليه إثر إصابته بجلطة فى الشريان التاجى كادت، لولا عناية الله، تؤدى بحياته قبل أن يفرح بقدوم مولوده الذكر الذى جاء بعد ست بنات .
بعد ستة أيام قضتها أسرة (عبدالعال) فى مستشفى القلب وهو فى حالة غيبوبة تامة، استيقظ (عبدالعال) فى اليوم السابع ليجد كل أسرته بجوار سريره. نظر إليهم مليّاً، ثمّ قام فى صوت خافت بسؤالهم:
– أها……………. الولد (ما ) حتسموهو منو؟
هنا أدرك الجميع أن (عبدالعال) ما حيطلع منها أبداً.

صحيفة التيار
ت.أ
[/JUSTIFY]

‫2 تعليقات

  1. [SIZE=4]المشكلة كان حلها بسيط جدا، وهو ابلاغهم بانه سوف يجيب مداحين .. وبالطريقة يتخارج من الموضوع كلو ..[/SIZE]