إهدار الفرص: لا يمكن تجاوز مفردة (الفشل) ومن المقبول استبدالها بالانهيار لو تعلق الأمر بالمفاوضات السياسية.. جولات روتينية لا تدهش أحداً
فور تعليق المفاوضات أبدى رئيس وفد الحكومة إبراهيم غندور، استعدادهم لتلبية دعوة الوساطة لاستئناف التفاوض متى وجهت لهم، متهماً قطاع الشمال بمحاولة إطالة أمد الحرب في جنوب النيل الأزرق وجنوب كردفان، ونوَّه إلى أن قطاع الشمال تمسك بضرورة إلغاء الشريعة الإسلامية في المنطقتين، وتفكيك الأجهزة الأمنية والشرطية والجيش، بجانب طرح الحكم الذاتي للمنطقتين. لكن ياسر عرمان، رئيس وفد الحركة الشعبية المفاوض، يقول إن رئيس وفد الحكومة إبراهيم غندور طلب خلال جلسة قدَّمت فيها الوساطة ورقة طرحت أفكاراً وأسئلة للوصول إلى اتفاق بين الطرفين، تجريد الجيش الشعبي من سلاحه خلال ستة أشهر ووقف عدائيات خلال أسبوعين دون أن يتعرض للقضية الإنسانية. وكان عزاء رئيسا وفدي التفاوض أنهما تبادلا الاتهامات لتطييب خاطر الشعب السوداني!.
ويقول النور حمد، الكاتب المعروف المقيم في قطر في مقال منشور إن الجديد في أعقاب انفضاض الجلسة السابعة للمفاوضات، أن الحركة الشعبية قطاع الشمال اقترحت أن تُمنح ولايتا جنوب كردفان والنيل الأزرق حكماً ذاتياً. بل أضاف ياسر عرمان، أن أقاليم أخرى، مثل شرق السودان ودارفور، بل حتى ولاية الجزيرة، ينبغي أن تُفكر الحكومة في أن تمنحها، هي الأخرى، حكماً ذاتياً. والمدهش بالنسبة لحمد هو “مسارعة تحالف قوى الإجماع الوطني المعارض، والمفترض أنه يفهم تظلمات مناطق الهامش أكثر مما تفهمها الحكومة، إلى القول، هو الآخر، برفض الفكرة جملة وتفصيلاً، وإشارته إلى أنها ستؤدي إلى تكرار تجربة انفصال جنوب السودان”.
الحكومة كانت ولا تزال، ترفض بشدة مطالب الحركة الشعبية، الداعية لتوسيع الاتفاق الأمني حول المنطقتين ليشمل دارفور، كما أنها شدَّدت على عدم مناقشة أي قضايا أخرى لا تمت بصلة للأزمة في جنوب كردفان والنيل الأزرق، ودائماً ما تتهم الحركة الشعبية وفد الحكومة بعدم تقديم أي حلول على طاولة المحادثات في جولتها التاسعة، وكشفت عن دفعهم بورقة شملت مقترحات حول الحل الشامل ودارفور، والأوضاع الإنسانية مع الدعوة إلى عقد اجتماع تحضيري للحوار القومي الدستوري في مقر الاتحاد الأفريقي بحسب القرار (456) الصادر من الاتحاد الأفريقي.
بيد أن وفد الحكومة برئاسة غندور اتهم الحركة الشعبية (شمال) بالإصرار على تعلية خيار الحرب وتنفيذ أجندتها تحت مظلة قضايا المنطقتين، مؤكداً إصرار مفاوضيها على المناورة وإقحام أجندة لا تمت بصلة للأزمة في جنوب كردفان والنيل الأزرق، وشدَّد أنها أسيرة لتحالفاتها العسكرية والسياسية.
مطالبة الحركة الشعبية (قطاع الشمال)، وجدت رفضاً واسعاً من أغلب القوى السياسية، وقالت (حركة الإصلاح الآن) وقتها- إن وفد الحركة لا يرغب في الوصول إلى اتفاق بشأن قضايا المنطقتين (النيل الأزرق وجنوب كردفان). واعتبر نائب رئيس الحركة حسن عثمان رزق عدم جدية قطاع الشمال وخلطه لملف الجولة العقبة الأكبر في فشلها، مبيناً أنها مزايدة سياسية من وفد الحركة، وذلك برفع سقفها ومطالبها بإقحام قضية دارفور، التي مكانها منبر الدوحة، وطاولة الحوار الوطني الجاري بالبلاد. وأوضح أن التدخلات الأجنبية في أجندة التفاوض حرفت مساره بممارسة الضغوط على قطاع الشمال كي لا يصل إلى اتفاق نهائي مع الحكومة، داعياً إلى قطع الطريق أمام تلك التدخلات.
لكن النور حمد يمضي في القول ويؤكد أن النُخب السياسية السودانية الشمالية، يبدو أنها لا تتعلم إطلاقاً من تجاربها. يستوي في ذلك من هم منها في الحكومة، ومن هم منها في المعارضة. هناك تشكك دائم أن من يدعو إلى خصوصية الإقليم، وإلى نوع من الحكم الذاتي له، نتيجة تلك الخصوصية، إنما يسعى، وبالضرورة، إلى فصل ذلك الإقليم. طالب الجنوبيون، في خمسينيات القرن الماضي، بالفيدرالية (الفيدرالية فقط، لا غير) فجرى الالتفاف على مطلبهم، بعد تخديرهم فترة قصيرة، بدعوى أن ذلك سيقود إلى تقسيم البلاد. ثم جاء الإسلاميون بعد خمسين عاماً، ليوقعوا على فرمان فصل الجنوب، بعد أن تم حرق الأخضر واليابس، وبعد أن هلكت ما لا تحصى من النفوس، وضاعت ما لا تحصى من الأموال، وأهدر وقت ثمين لا يعوض.
اليوم التالي
خ.ي