خالد حسن كسلا : أقسمت أن أقول الحق
لكن كيف لنا أن نقول إن حركة متمردة للمرة الثانية «أى أنها استأنفت التمرد بعد التوقيع على ستة بروتكولات» تقف وراءها قوى خفية؟! .. وكم قوى خفية في هذا العالم حتى لا نسميها؟!.. إن القوى الخفية هي واشنطن، وأمس الأوّل في هذه الزاوية كنا نقول إن ياسر عرمان «بوق القوى الخفية» في وفد قطاع الشمال للمفاوضات انطبق عليه حال ديك المسلمية مرتين، الأولى حينما كان يتحدّث ضمن حملته الانتخابية وحينها كان قرار سحبه من المنافسة الانتخابية صادراً عن سلفا كير.. وقد تكون وراء هذا القرار ايضاً «قوى خفية» لإسقاط قيمة الانتخابات وإن كانت تحت الرقابة الدولية، لكن كان يُنظر إليها مثل الانتخابات الجزائرية الحرة الأخيرة والانتخابات الفلسطينية الحرة الأخيرة اللتين تأهل فيهما الإسلاميون للفوز، وهذا ما جعل الرويبضة مثل ديك المسلمية، «يعوعي وبصلته في النار».
«العوعوي» الثاني له كان حينما انفض سامر آخر جلسة تفاوض بعد أن تلى فيها ما لا علاقة له بجوهر القضية محل التفاوض. ففي تلك اللحظة كانت واشنطن تصوغ قرار المؤامرة الذي يرمى إلى أن ينحسم التفاوض مع «قطاع الشمال» دون أن تشعر الحكومة السودانية بجدية الحركة الشعبية، وتعتبر أن واشنطن «القوى الخفية» هي التي ترفض إعطاء الإشارة الخضراء، لكي لا تتهمها بأنها وراء إخلاء مسرح التمرد لقادة جدد قد يكون من بينهم عبد الواحد محمد نور، فالرجل صاحب صداقة مميزة مع إسرائيل، وبالتالي يبقى ثغرة تطبيع كبيرة، ليس في ذلك أقل شأناً من الرئيس المصري الأسبق و «غير المنتخب» أنور السادات. وبروف غندور يلوح إلى أن «القوى الخفية» هي حزب سياسي معارض. وعدم ذكره لا يعني الحفاظ على إخفائه. فهو الحزب الذي ينتمي إليه عرمان والحلو ويبقى عقار صديقاً لهما في إطار الحزب مثل الرائد فاروق عثمان حمد الله مع المقدم بابكر النور والرائد هاشم العطا، وفاروق حمد الله الذي لم يكن شيوعياً كان ضمن مجلس انقلاب الثلاثة أيام الشيوعي عضواً بارزاً. وفاروق أبو عيسى الشيوعي كان حينها معتقلاً في سجن انقلاب الثلاثة أيام.
وإذا كان الشيء بالشيء يُذكر، فإن واشنطن بعد أن أبعد نميري الشيوعيين من سلطته، ثم أبعدوه بانقلابهم في 19 يوليو ثم عاد ليكون تلك المرة إبعادهم من الدنيا، إن واشنطن بعد عودة نميري مصادقاً لها شجعت مجلس الكنائس العالمي لحسم التمرد في جنوب السودان، فكان ثمرة ذلك التوقيع على اتفاقية أديس أبابا. وذلك لأن نميري الذي كانت علاقته سيئة بواشنطن قبل طرده للشيوعيين من دوائر سلطته وتحسن بعد ذلك، قد فترت علاقته بالمعسكر الشرقي الذي كان حيّاً.. فالمعسكر الشرقي كان هو قبلة اليساريين مثل الحلو وعرمان. فهم إفرازات سامّة له في المجتمعات المسلمة وأيضاً الدينية الأخرى، وهذا ما حفّز مجلس الكنائس العالمي للتجاوب مع الرغبة الأمريكية. واليوم الأمور أصبحت غريبة ومزدوجة والأوراق مختلطة. والأولويات تغيرت والمعايير عُدِّلت، فأصبح اليساريون أقرب إلى واشنطن من الإسلاميين. والآن مجلس الكنائس العالمي لن يكون له تأثير في أديس أبابا لصالح الاستقرار في السودان مثلما كان في مارس 1972م حينما وقعت حكومة نميري اتفاقية أديس أبابا مع حركة أنانيا المتمردة بقيادة جوزيف لاقو. وفي الماضي كان نميري صديقاً جديداً لواشنطن لذلك حظي بتأثير مجلس الكنائس لصالحه.
والآن في الحاضر فإن يساريي قطاع الشمال بل كل الحركة الشعبية أصدقاء لواشنطن، وهذا يعني أنها القوى الخفية وراء قطاع الشمال. فما عادت إديس إبابا كمنبر تفاوض لقضايا السودان المتفجرة من حين إلى آخر.. ما عادت تلك التي كانت في مارس 1972م. ومجس الكنائس عام 1964م وقف وراء مؤامرة 21 أكتوبر لصالح التمرد، لكنه عام 1972م وقف لصالح نميري مع واشنطن لأنه أبعد الشيوعيين. والبشير عام 1999م أدخل البلاد في مرحلة جديدة، لكن مازالت واشنطن تدعم الأزمة وتذكى نار الحروب وتهيئ المسرح لقادة تمرد جدد من جماعة لاقو إلى قرنق إلى عبد الواحد إلى عقار، إلى القادم بإذن الله.
صحيفة الإنتباهة
ت.أ