منوعات

تجاوزت الـ “60” ولا تزال تصعد النخيل: الحاجة “خدرا”.. امرأة تُقوِّم سقطات الرجال بضربهم

[JUSTIFY]لا شك أن إنساناً أبصر الحياة قبل ستين عاماً، لجدير بأن يمقت نمط حياتنا الراهنة، ولا غضاضة إن نظر لها على أنها أكثر وحشية، بل أكثر بربرية بكثير من الحياة التي عاشها في السابق. يأتي هذا في سياق أن كل عصر له شخصيته الخاصة المميزة وجمالياته وقسوته ونكهة أشيائه المختلفة، الطيب منها والخبيث. وبهذه المقت المُبين لزماننا الحاضر، وتقبض الحاجة (خدرا) بتلابيب ماضٍ ولى، وهي تتأمل تداخل عصرين وحضارتين، فتكاد تخنقها الرياح، كلما نظرت إلى بؤس الحياة، وهي تتشكل من حولها في صور جديدة غير معهودة كل صباح، لتمسح معها ذكريات وتاريخ تتكأ عليه (خدرا) بكل حب وإنسانية.

#حكايات مخضرة

الحاجة (خدرا) هكذا يناديها مواطنو قرية (أُوربي) بمحلية القولد، لم أرغب في معرفة اسمها الثلاثي أو الرباعي، باسمها الأول فقط تبدو مميزة لكل الناس، أليس تربيع الاسم للتميز؟ تقول: (خدرا) إن عمرها تجاوز الستين عاماً، لا تحدد عدد السنوات التي تجاوزت بها الستين على وجه الدقة، لكنها تشير إليها بين الحين والآخر عندما تعود بذاكرتها الحديدية إلى سنوات شبابها الأولى بقربة (أُوربي) بمحلية القولد التي مارست بها حرفة الزراعة والرعي عندما كان الناس ينقسمون بين الرعي والزراعة وليس لديهم حرفة ثالثة، كانت هي ضمن المزارعين، فاكتسبت كل المهارات التي يفترض أن يكتسبها الرجال لإجادة حرفتهم، وعندما بلغت سن الشباب صارت تصعد لقمة أطول نخلة بالبلدة لتلقيحها وإكمال بقية أعمال تهيئتها لإنتاج التمر.

# مرعبة الرجال

لم تكتف (خدرا) التي لتسميتها بهذا الاسم حكاية سنوردها لاحقاً، بتعلم فنون الزراعة فحسب بل أجادت السباحة أيضاً، ليس كما تفعل نساء الشمال اللائي يسبحن هنيهة على أطراف النيل، فخدرا كانت تتجاوزهن للعمق لتنجد الغريق وتستخرج جوالات البلح والأغراض التي تهوي من المراكب في غفلة من أصحابها. وبجانب مهاراتها في الزراعة والسباحة والحصاد وهب الله لخدرا قوة تتجاوز قوة الرجال فكانت تسقط الرجال أرضاً وتشبعهم ضرباً إذا تجاوزوا حدودهم نحوها، فحتى إخوتها في البيت كانوا يستجيرون بوالدهم عندما يحدثون ما يوجب العقاب، فكانت تضرب بيدٍ من حديد على حد وصفها، لا تهاب أحداً مهما كان قوياً. ورغم سنواته التي خطت على الستين إلا أن (خدرا) لا تزال تواصل صعود قمم أشجار النخيل لتلقيحها أو حصادها دون أن يكلها عمرها الطويل عن العمل الشاق.

#وفاء إنساني

لا تكاد تنتهي حكاية للحاجة (خدرا) إلا وابتدأت أخرى أكثر إنسانية وعبرة من الأخرى، فبذات نظرتها التشاؤمية لما يدور في الحياة اليوم، تنظر للماضي بأنه الأنضر والأجمل، وتورد دلائل على نهاية الحياة المستقرة والجميلة، وتؤكد أن الناس أنفسهم قل الأخيار بينهم، وانتهت الهمة التي كانت تجعلهم يتمسكون بأرضهم وأعمالهم، ففي السابق لم يكن بينهم محتاج ولا فقير، كما يحدث في الوقت الراهن الذي تبدلت فيه الأشياء وتزيفت. وتبين (خدرا) جانباً آخر من سماحة الناس في السابق بالعلاقة التي كانت تربط بين والدها وجارهم (سري عمر نصر) الذي أطلق عليها ذات اسم ابنته، لأنه يحب أن تكون له بنتان بذات الاسم كما كان يقول باستمرار، ولم يعترض والدها على قرار جاره وصديقه. فظلت الأسرتان مترابطتين حتى بعد وفاة الصديقين ورحيل بعض أفراد أسرة سرى للخرطوم، فبقيت (خدرا) تقوم مقامهم في منزلهم بقرية أُوربي بمحلية القولد

اليوم التالي
خ.ي[/JUSTIFY]