تحقيقات وتقارير

تابت.. قصة قرية انتهكت حرماتها كذباً

[JUSTIFY]اغتصاب 200 فتاه ليس بالأمر السهل، ويبدو أن من زعم ذلك الحدث وضع في ذهنه التداعيات التي صاحبت حادثة اختطاف 200 فتاة نيجيرية من قبل بوكو حرام، ونظراً لأهمية الرقم وما أثاره من احتجاجات عالمية تم ربطه بحادثة اغتصاب نساء تابت، والزائر لقرية تابت يصل لهذا الاستنتاج بعد أن يكتشف أن عدد منازل تابت يتراوح ما بين 300 400- منزل، منها 05 – 70 منزلاً يقطنها الجيش بأسرهم، بالإضافة الى أن معظم نساء تابت متزوجات ويسكنون مع أزواجهن الذين يعملون في الجيش أو في الزراعة..

أما بقية الفتيات فإنهن صغار سن ويدرسن بالمدارس، ولم تتغيب تلميذة واحدة في الفترة التي اشيع فيها ارتكاب الحادث، وفقاً لحديث أهل القرية، ولكن خبر اغتصاب الـ200 فتاة السودانية الذي نشره راديو دبنقا المحسوب على الحركات المسلحة، وجد ترويجاً من قبل الأمم المتحدة، كما أحدث صدمة وسط المجتمع السوداني، فمن صاغوا خبر اتهامهم للجيش السوداني ضد نساء تابت نسوا أنه كان يحميهم في يوم من الأيام قبل أن يحملوا السلاح ضده، ومازال يحمي أسرهم التي هجروها مخلفين وراءهم الدمار، ونسوا عزة المرأة السودانية وكرامتها خاصة نساء دارفور حافظات القرآن حاملات العادات والتقاليد والحشمة، نسوا أن الجيش السوداني لم يتهمه اخواننا الجنوبيون طيلة الحرب التي استمرت لعقود حتى انفصال الجنوب، من صاغوا الخبر غرسوا خنجر الشرف في خصر حواء السودانية، وألحقوا بها الضرر قبل أن يلحقوه بقوات الشعب المسلحة.

الطريق الى القرية ومن هنا جاء اسم تابت… جاء اسم تابت من كلمة (طابية) وقد اطلق عليها هذا الاسم منذ العام 1916م عندما خرج السلطان علي دينار من مدينة الفاشر خرجت قبيلة التاما خلفه، واستقرت في هذا المكان، وانضم لهم عدد من قبائل الفور والمساليت وقليل من البرنو والعرب، وأقاموا لهم سوراً من الشوك وعاشوا بداخله، وكان يعرف باسم ( تابت الحوش) وبمرور الزمن أصبح يطلق عليها (تابت)، هذا ما ذكره شيخ قرية تابت عبد الرحيم ادريس (دلدام) لـ (آخر لحظة) وتابت هي قرية تبعد 52 كيلو متر عن مدينة الفاشر، حاضرة ولاية شمال دارفور، وقد وقعت في يد الحركات المسلحة منذ عام 2004حتى استردتها القوات المسلحة في عام2007م، وقد نزح سكانها وبدأوا في العودة في العام 2009م، ونسبة للجبايات التي تقوم بها الحركات من وقت لآخر دخلت القوات المسلحة في العام 2010م لبسط الأمن وحماية المواطنين الذين بدأوا في العودة ومارسوا نشاطهم، فالتعداد السكاني السابق لتابت قبل دخول الحركات المسلحة كان يتراوح ما بين 10-21 الف، والآن يتراوح ما بين 3-4 آلاف وتكلفة التذكرة من مدينة الفاشر الى قرية تابت 30 جنيهاً، تحركنا من مدينة الفاشر برفقة وفد إعلامي شمل كل وسائل الإعلام المحلية والخارجية متجهين لقرية تابت، الكل كان متلهفاً لمعرفة ما يدور هناك، ومتخوفاً من أن تجد من يمنعك من ممارسة عملك بمهنية، خاصة وأن الحادث دائر بين الاتهام والنفي والتحقيق، ولكننا قبل أن نعتلي السيارات المتجهة للقرية حضر الينا والي شمال دارفور بالإنابة ابو العباس الطيب ورئيس المجلس الأعلى للثقافة والإعلام عوض دحيش، وقالوا سنترك لكم حرية الحركة والاستطلاعات في قرية تابت، ولن يتعرض لكم أحد، اعتلينا السيارات وتوجهنا نحو القرية وكانت هنالك أنباء عن استهداف الوفد الإعلامي من قبل الحركات المسلحة.. الكل كان قلقاً خاصة وأننا نرى من على بُعد الجبال التي تحتمي بها الحركات المسلحة، وأكد الينا المواطنون أن سيارات الحركات تقوم من وقت لآخر باستهدافهم بقطع الطريق لتقوم بنهب المواطنين وأخذ ضرائب، تشاهد في الطريق الرابط بين الفاشر وتابت حقول الدخن، ومزارع التمباك، وثمار البطيخ، وانتشار الحمير التي تستخدم كوسيلة نقل .

رسالة نساء تابت للحركات المسلحة وراديو دبنقا عند وصولنا لقرية تابت وجدنا عدداً من المواطنين يحملون لافتات تدين وتستنكر ما اشيع عن عملية اغتصاب 200 من نساء القرية، وهم يهتفون (تابت تابت البلاغ كاذب { جيش واحد شعب واحد)

ذهبنا الى احدى المحتجات فاطمة آدم اسماعيل يحيى وقالت إنها سمعت بخبر الاغتصاب من راديو دبنقا مؤكدة بانها موجودة في تابت منذ 45 سنة.. مشيرة الى أنهم تضرروا من هذه الادعاءات وقطعت بأنهم حتى الآن لم يتعرفوا على المغتصبات.. وقالت إن اغتصاب200 امرأة يحتاج لثلاث حاميات، وأضافت ما عندنا مكان يغتصبوا فيه عدد (قدر دا) وأكدت أن يونميد حققت مع سكان المنطقة ولم تجد دليلاً على الاغتصاب.. وفي ذات الاتجاه شددت الشابة عوضية عبد الله اسماعيل على أن المنطقة استقرت بعد دخول القوات المسلحة، وأنها تعرف كل بنات المنطقة ولم تجد منزلاً اشتكى من حادثة اغتصاب.. وقالت إذا وجدنا الذي نشر الخبر فإننا سنقطعه (إربا إربا) لأنه اتهمنا جميعاً كنساء دون أن يميز، لم تكتفِ (آخر لحظة) باستطلاع النساء اللائي خرجن محتجات واتجهت لأحد المنازل الذي وجدت بداخله امرأة تقدمت في السن، ومعها ابنتها وابنة ابنها واستقبلونا بكرمهم الفياض وسألتها ما حقيقة اغتصاب بنات القرية، تأسفت المرأة وتحدثت وتكاد الدموع تنهمر من عينيها قائلة «المزعلني يا بتي انو الكلام الشين عن الاغتصاب طلع من خشم أولاد دارفور واتهموا فيه اخواتهم واخوانهم في القوات المسلحة وأنا ما عارفة عملو كدة ليه، ودايرة اقول ليهم اتقوا الله فينا والحكومة قدامكم انتو بتكاتلوها نحن ذنبنا شنو» بينما ذهبت ابنتها الى اتهام يونميد وقالوا القوات جاءت وحققت معانا وتأكدت من عدم وجود حالات اغتصاب، ومع ذلك تريد أن تعاود مرة أخرى لتزور الحقائق من أجل مصالحهم الشخصية على حساب شرفنا.. فيما قالت الفتاة الثانية إن الإشاعة وراها الحركات المسلحة من أجل الانتقام من الذين لم يخرجوا معهم، واستقروا تحت حماية الجيش ورسالتي ليهم كفاية تستغلونا من أجل مصالحكم الخاصة .

نساء تابت يطالبن بمقاضاة راديود بنقا طالب نساء تابت بالاقتصاص لحقهن واسترداد كرامتهن بكل الطرق المشروعة، مناشدات الدولة بمقاضاة راديو دبنقا، واكدن أن الخبر ألحق بهن الضرر، وقالوا إن 30 من نساء تابت متزوجات من المنتسبين للقوات المسلحة، و40 أحضروا أسرهم معهم، واتهموا مروجي الخبر بأنهم يعملون على تعطيل التنمية التي بدأت تشهدها القرية، وفي ذات الاتجاه نفت ممثلة المرأة بتابت نورا أحمد محمد سرور ما أشيع عن عملية اغتصاب 200 من نساء تابت، وقالت نحن تفجأنا بهذا الموضوع عبر راديو دبنقا، وتساءلنا كيف تم ذلك متهمة القائمين عليه بالسعي لتعطيل التنمية، عبر بث الإشاعات، وأكد أن قوات البعثة المشتركة للأمم المتحدة والاتحاد الافريقي (يونميد) دخلت كل المنازل من أجل التحقيق عن حقيقة احداث الاغتصاب.. مشيرة بأنها تحقيقاتهم أثبتت أن ما أشيع كذب.

الحكومة تشن هجوماً على يونميد لو اغتصبت200 امرأة بتابت لمات 500 رجل هذا ما أكده رئيس المجلس الأعلى للثقافة والإعلام عوض دحيش الذي خاطب المحتجين، ووصف موقف أهل تابت بسقوط لراديو دبنقا في امتحان الأخلاق.. مشيراً الى أن المرأة مكرمة، وأكد أن التنمية التي تنعم بها دارفور يعود للقوات المسلحة.. ومن جانبه أبان وزير الثقافة والإعلام بالسلطة الاقليمية دكتور عبد الكريم موسى إن الافتراء والكذب التي بنى عليها راديو دبنقا حيثيات هذا الاتهام هي مسيئة لنساء دارفور، وكرامة أهل دارفور في المقام الأول، وقطع بأن حراير دارفور لسن بضاعة للمتاجرة.. مشيراً إن اتهام راديو دبنقا سذاجة يسوق لها عبر عملاؤه، ومن بعده يونميد.. وقال ولا يمكن أن تغتصب نساء دارفور أمام أعين رجال دارفور وهم أحياء.. ودعا القائمين على راديو دبنقا أن يخافوا الله في نسائهم، واتهم قوات اليونميد باختلاق الأكاذيب من أجل تمديد مدتهم في دارفور، وقال يونميد في كل عام يبحثوا عن أسباب ويقدمون تقارير للأمم المتحدة يقولون فيها إن دارفور ليست آمنة لكي يجددوا لهم والآن فتشوا لأسباب البقاء، واختلقوا تابت ليجدد لهم وتابع ما قاموا به كذب ولن نسمح ليونميد أوغيرها أن تتاجر ببناتنا.. وأضاف إذا أرادوا ناس اليونميد أن يقعدوا في دارفور ويسوقوا لقضية أمن عليهم أن يبحثوا عن مكان آخر من جهته قطع معتمد محلية طويلة العمدة الهادي عبد الله انهم اتجهوا الى رفع شكوى لمقاضاة راديو دبنقا.. مشيراً بأنهم سيستخدمون كل الوسائل عبر وزارة الخارجية ليقتصوا لنساء تابت منوهاً بأن ما أشيع ضد نساء تابت مسألة شرف وكرامة لا يسكت عليها.. ودعا الإعلام للمصداقية وتحري الدقة في القضايا التي تمس الشرف، مؤكد أن الإشاعة الاغتصاب معدومة في القرية وقدم اعتذار للقوات المسلحة، مبيناً بانهم بنوا علاقات جيدة وأصبحوا مكوناً أساسياً في المنطقة، ولهم زوجات وأسر.. وقال الغريب في الأمر أن يونميد تستمد معلوماتها وتعتمد في مصادرها على راديو دبنقا الذي أدمن الكذب، وشهدنا له أكثر من موضوع.. وتابع.. أنا واحد من ضحايا شائعات دبنقا فقد أشاعوا بأني مطلوب للمحكمة الجنائية الدولية.

التنمية في تابت من المتوقع أن تفتتح قرية تابت النموذجية إحدى المشاريع التي طرحتها السلطة الاقليمية لدارفور ونفذتها دولة قطر بتكلفة تسعة ملايين دولار ويشرف على القرية المهندس الطيب عبد العظيم المشرف على أعمال مؤسسة الشيخ ثاني بن عبدالله للخدمات الإنسانية (راف) الذي أوضح لـ (آخر لحظة) إن القرية تستهدف قرى ومن المتوقع أن يتم افتتاحها في ديسمبر القادم وتضم القرية مستشفى، ومركز شرطة، ومحطة مياه، ومسجد ومدارس ثانوية للبنين والبنات، ومدارس أساس بنين وبنات، وخمسة عشر منزلاً للمعلمين والأطباء والعاملين بالقرية.

دبنقا كلمة دبنقا تعني أنا من الطين يبنى في شكل برميل، وبعد أن يجف يستخدم لحفظ الحبوب بعد الحصاد، فهي لا تتأثر بالحريق أو الآفاتر(ودنيا دبنقا) عبارة يقولها أهل دارفور وهي مثل يضرب للحذر في مجاراة الدنيا والاحتراس في التعامل معها خرجنا من تابت، وهم يحدثوننا بأن كلمة دبنقا أيضاً تطلق في الاقليم على كل شخص كاذب، وأوضحوا عندما ينقل شخص خبر كاذب يقولوا (ده زول دبنقا ساكت) فهل سيصبح راديو دبنقا بعد خبره هذا في نظر أهل دارفور(زول دبنقا ساكت ام دنيا دبنقا).

هبة محمود
صحيفة آخر لحظة
ت.أ[/JUSTIFY]

تعليق واحد

  1. بغض النظر عن صحة الخبر من عدمه . اما كان من الافضل ترك اليوناميد تقوم باجراءتها وعلى أسوء الفروض ان اثبتوا ان هناك انتهاكات يتم محاكمة فاعلها حتى لا تلصق التهمة بالدولة والحكومة .

    ومن باب أولى ايضا ترك وسائل الاعلام المستقلة زيارة المنطقة ورفع تقاريرها المباشرة .

    كل مؤشرات الدفاع المستميت هذه تؤشر على أن هناك جرم حدث وربما يكون من فرد او مجموعة ولكن الانكار بهذه الطريقة يجعل الجرم المفترض ليس حقيقة فقط بل جرم مخطط ومدبر له .

    والشئ الغريب أن كثيرا ما تفاخرت حكومة البشير بتقارير اليوناميد لماذا الان اصبحت كاذبة رغم ان التقرير نفسه لم يذكر وجود عمليات اغتصاب !!!؟