رأي ومقالات

د.ناهد قرناص: (علينا جاي.جبنا بالطيارة وبعنا بالخسارة … الطب بخمسة والهندسة بسبعة …الاقتصاد ..)

احد أصدقاء صفحتي بالفيس بوك وهو من دولة عربية ..كان قد أرسل لي قبل فترة رسالة يقول فيها انه يرغب في التسجيل (للدراسة عن بعد) باحدى جامعات السودان وهو يسأل لو بامكاني مساعدته في طلب مهلة لاكمال اوراقه ..رحبت بمساعدته وفعلت ..

قبل يومين تذكرته فارسلت له رسالة أسأله عما حدث بشان اجراءات التسجيل وهل بدأ في الدراسة بالفعل؟؟ فرد علي قائلا بانه تقابله مشكلة مادية فقد تدبر رسوم الدراسة ولكنه حتى الان لم يتدبر (فلوس الوسيط) الذي يطلب 500 دولار بعد ان وعده بانه سيتحصل له على منحة لبقية السنوات قرأت هذه الرسالة واستعدت شعورا نسيته منذ فترة وهو الاندهاش!!!!

هكذا تباع المنح عبر الوسطاء ..علني وعلى عينك ياتاجر ..اذكر انه قبل فترة ونحن داخل المعمل أتى الينا شاب يحمل ملصقات لكورس في مادة حديثة دقيقة التخصص ويحدد الرسوم ب(1000) جنيه سوداني ..ولكن المشكلة لم تكن في الرسوم ..بل الشئ الغريب ان الكورس كان برعاية احدى شركات (الحلول المتكاملة) ..والتي تبشر في ذات الملصق بوجود منح دراسية للبكالوريوس والماجستير والدكتوراة!!!!! …

سؤال يا جماعة من يتولى امر التعليم في بلادنا؟؟ ..الذي يتولى ذلك فليجيبني متى تم نقل الاختصاص الى شركات الحلول المتكاملة والوسطاء والسماسرة؟؟؟ وهل سياتي يوم نسمع نداء بعضهم في قارعة الطريق (علينا جاي.جبنا بالطيارة وبعنا بالخسارة … الطب بخمسة والهندسة بسبعة …الاقتصاد ..).

حقيقة كنت أستغرب تلك الاعلانات التي تمر في الشريط الاعلاني التلفزيوني (توجد فرص محدودة بكلية الاعلام وكذلك فرص قليلة بكلية البيطرة ..سارعوا )..وعلى مشاهدينا في الأقاليم مراعاة فروق الوقت… ولكني الان فهمت الذي يجري فالقصة كلها بيد السماسرة والوسطاء و(الحشاش يملأ شبكته) .

سؤال اخر …ماهي الشروط التي يجب توفرها لكي يتم التصديق لاحدهم بانشاء كلية خاصة ؟؟؟ دعك من جامعة ؟؟؟اذا لم يكن في هذه الشروط وجود مبنى متكامل به المعامل والمكتبة وكذلك (حوش ) نعم حوش محاط بسور وبه جميع الخدمات الانسانية .. .اذا لم يكن موجودا ..بالله عليكم أضيفوا هذا الشرط ..فأكثر شئ يثير موجة من المشاعر المتداخلة في نفسي ..هو رؤية أؤلئك الطلاب وهم يتزاحمون حول الدكاكين في الاحياء مرتدين (البالطو الأبيض) الذي من المفترض ارتدائه فقط اثناء المعمل أو مناوبات المستشفى .

اما الذي يؤلمني من الاعماق هو ان ياتي الينا في المعمل احد (الاساتذة) ويقول بان السنة الدراسية في القسم الفلاني (التقني) قد قاربت النهاية ولم يدخل احد الطلاب المعمل لان الكلية تفتقر الى المعامل وهو يريد ان ياتي بطلابه لمدة يومين لكي يتعرفوا على الاجهزة فقط …صح النوم يا دكتور ..هل (نمت وصحيت لقيت نفسك برعي؟؟).. ام انك لم تكن تدري ان هذه الكلية كلية تقنية تستوجب تدريب الطلاب وليس مجرد اجراء حفلات تعارف اخر السنة ؟؟؟ .

ثم بعد ذلك نتحسر على مستوى الطلاب وعدم جديتهم وقلة معرفتهم بابجديات المهنة وننسى تلك المقولة القديمة (من زرع ..حصد) ..ونحن لم نزرع شيئا فقد تم بيع الأرض للاستثمار وكدا. هناك طرفة متداولة تقول ان رحلة جوية تمت دعوة اساتذة الهندسة السودانيين لها ..وبعد ان ربطوا الاحزمة واغلقت أبواب الطائرة تمت تحيتهم من قبل كابتن الطائرة وقال لهم ان هناك مفاجاة وهي ان هذه الطائرة من صنع تلاميذكم..قال هذا من هنا واندفع الاساتذة باحثين عن مخارج الطؤاري من كل ناحية ..وساد الهرج والمرج ..الا احد الأساتذة كان هادئا في مقعده ..اتى اليه احدهم وقال له (القاعد ليها شنو؟ قالوا ليك الطيارة عملوها طلبتنا ..اكيد اول ما تقوم حتقع)..فرد ذلك قائلا (ما في شئ مطمني الا انو عملوها طلبتنا ..دي دقني ..كان قامت)…

وهذا الشئ يمكنه ان يسري على كل الكليات العملية والتقنية ..الا من رحم ربي ….وكم انا ممتنة لمسجل ادم فهو الوحيد الذي يفهمني ويواكب الاحداث (يا العالي تعليمك ..انا من مظالميك ..ايه ذنبي وريني)..ووصباحكم خير

د.ناهد قرناص

تعليق واحد