رأي ومقالات

يوسف عبد المنان : المفاوضات المتعثرة!!

[JUSTIFY]استأنفت أمس المفاوضات المتعثرة بين الحكومة ومتمردي قطاع الشمال بعد توقف منذ (أبريل) الماضي.. وتباعدت الرؤى وافترقت الخطى وبات لا أمل في حل قريب، حتى استيأس الناس وساد الإحباط والإحساس بالمجهول خاصة شعب المنطقتين جنوب كردفان والنيل الأزرق الذين مزقت الحرب أوصالهم وزرعت في أرضهم الخوف والجوع، وخلال زيارة النائب الأول للرئيس الفريق أول “بكري حسن صالح” لكادوقلي اختارت نسوة المدينة الغناء للسلام بطريقة تثير الحزن والشفقة وتمزق نياط القلوب، كان مورال النساء يقول (نحن خلاص تعبنا من الهجوم دايرين السلام)، وذلك على أنغام رقصة الدرملي لعرب البقارة.. أما نساء النوبة فقد جلسن على الأرض وأخذن في ضرب الطبول وآليات موسيقية وهن يرددن (رئيسنا عمر البشير نحن عاوزين السلام رئيسنا).. (رئيسنا البشير مات رجالنا وعاوزين السلام).. (مات أطفالنا عاوزين السلام).. (خربت ديارنا عاوزين السلام).. تلك هي رغبات إنسان جبال النوبة.. والغناء الحزين كان موجهاً للوفد الحكومي الذي جاء من الخرطوم ليشهد احتفالات الولاية بافتتاح بعض المشروعات.. صحيح أن الفريق “بكري حسن صالح” قد رفع عصاه عالياً وشجع النسوة اللاتي أطلقن زغاريد الفرح بمقدمه، ولكن أملهن في تحقيق السلام كبير.. ولو كان الوفد الحكومي المفاوض في أديس أبابا يستوحي من رغبات المواطنين مواقفه ويضع اعتباراً لآراء أهل المنطقة لأقبل الوفد قبل أن يغادر الخرطوم لانتزاع قرار من السلطة العليا في الحكومة والحزب يقضي بتسوية النزاع في المنطقتين.. نعم هناك وجود لأبناء النيل الأزرق وجنوب كردفان في الوفد المفاوض.. لكن بكل أسف هؤلاء حينما يجلسون على طاولة التفاوض ويواجهون المتمردين من بني جلدتهم يعدّون أنفسهم ممثلين للحكومة أكثر من كونهم قادة في مجتمعاتهم، وبعضهم متطرفون في مواقفهم أكثر من أهل الشأن أنفسهم لأنهم في الغالب يعتقدون أن هناك من يراقبهم ويصحح أداءهم.. وأن التشدد والتطرف هو دليل صدقهم وولائهم للحزب والحكومة، الشيء الذي قد يدفع بصناع القرار في الحكومة إلى تعينهم بعد العودة من التفاوض وزراء ومسؤولين.. وهو ذات المشهد الذي كان يخيم على مفاوضات الحكومة والحركة الشعبية قبل الانفصال، حيث كان ما يعرف بجنوبيي الداخل أكثر تطرفاً من الشماليين في رفض أي تقارب مع الحركة الشعبية، وحتى لا ننسى فليتذكر الجميع تصريحات الدكتور “رياك قاي”.. واللواء “أليسون مناني مقايا” و”توت قلواك”.. أين هؤلاء الآن؟؟ لقد أصبحوا وزراء أكثر تطرفاً في بعض الشمال والكيد له من الجنوبيين الآخرين، بينما القيادات الجنوبية الصادقة مع نفسها ومع شعبها التي كانت تبدو أكثر مرونة في العلاقة مع الحركة الشعبية وتختار دوماً الوقوف في الصف المعتدل.. لم تبدل مواقفها.. وتبيع ثيابها بالمناصب والمواقع.. ودونكم القيادات الأصيلة مثل “علي تميم فرتاك” والمهندس “الشيخ بيش كور” و”موسى المك كور”.. من يسأل اليوم عن هؤلاء وكيف يعيشون؟ وأين؟ ولماذا؟ وكيف؟!
مفاوضات السلام مع الحركة الشعبية قطاع الشمال لن تصل إلى اتفاق في القريب العاجل، لأن الطرفين قناعتهم بالسلام ضعيفة جداً.. لا تزال في السماء بروق حرب ورعود موت.. وكل الذي يحدث الآن لا يعدو كونه جلسات علاقات عامة فقط.. لكن حينما يصبح السلام قناعة فإن كثيراً من المتغيرات سيشهدها ملف التفاوض، شخوصاً وتوجهات.. وقبل ذلك قرار سياسي من المرجعية العليا في الدولة بضرورة التوقيع على اتفاق سلام ينهي الحرب.. حتى ذلك الحين نتمنى إقامة سعيدة للوفود المفاوضة في فندق (ردسون بلو) في وسط الزهرة الجديدة (أديس أبابا).

المجهر السيايسي
خ.ي[/JUSTIFY]