حسن النوايا وحسن الخاتمة
مهما كانت نتائج الجولى الأولى لمفاوضات الدوحة، متواضعة ودون التوقعات، فهي على الأقل.. (حجر في بركة المفاوضات الساكنة) حول أزمة دارفور التي شهدت آخر تطور إيجابي منها على مستوى حل الخلافات وإبرام الاتفاقيات بين الأطراف المتحاربة، قبل أربعة أعوام تقريباً، في العاصمة النيجيرية (أبوجا) بتوقيع اتفاقية (ابوجا) بين الحكومة السودانية وحركة تحرير السودان بزعامة (مني أركو مناوي)!!
* بغض النظر عن ما حدث لتلك الاتفاقية، والعقبات التي اعترضت طريقها، والانتقادات الكثيرة التي وجهت لها.. (كونها اتفاقية ثنائية.. الخ)، فهي قد نجحت في انتزاع فصيل أساسي من فصائل التمرد من العمل العسكري إلى العمل المدني.. من ميدان الحوار بالسلاح، إلى ساحات الحوار بالكلام، مهما كانت الكلمات قاسية وصاخبة وغاضبة.. أو يائسة!!
* إذا أمعنا النظر في اتفاق (حسن النوايا وبناء الثقة) لتسوية مشكلة دارفور، نرى جملة أشياء إيجابية، تدعونا للتفاؤل بإمكانية تطويرها إلى اتفاقية إطارية، ومن ثم إلى اتفاق سلام!
* فهي قد تركت الباب مفتوحاً أمام التفاوض، بل تعهدت باستمرار المحادثات وبقاء ممثلين لطرفيها من أجل إعداد اتفاق إطاري للمحادثات النهائية، مما يعني أن (الاتفاقية الإطارية) التي كنا نتوقع أن تتوصل إليها الجولة الأولى للمفاوضات، يمكن أن يتم التوصل إليها في أي وقت، ما دامت المحادثات مستمرة ولم تتوقف.
* ليس ذلك فقط، بل نصت اتفاقية (حسن النوايا).. على تعهد الطرفين بأن تتبع الاتفاق الإطاري محادثات جادة تؤدي إلى إنهاء الصراع في وقت لا يتجاوز ثلاثة أشهر فقط من تاريخ التوقيع على اتفاق حسن النوايا، الأمر الذي يضع الطرفين أمام تحد كبير جداً، وهو الوصول إلى اتفاق إطاري يتضمن وقف العدائيات، ثم الوصول إلى اتفاق نهائي يضع حداً للصراع.. وذلك في مدى زمني قصير جداً لا يتجاوز (90 يوماً) من الآن!
* وفي أثناء ذلك يتم تنفيذ التدابير التي اتفق عليها الطرفان.. وهي الكف عن كافة صنوف المضايقات تجاه النازحين وضمان انسياب مساعدات الإغاثة إلى مستحقيها دون أية عوائق أو عراقيل، وتبادل الأسرى والمسجونين والمحكومين والمعتقلين (البنود أ، ب، ج من الاتفاقية)!
* ومما لا شك فيه أن هذا القيد الزمني القصير الذي ألزم به الطرفان نفسيهما، لتنفيذ مهام كبيرة والوصول إلى حل نهائي، هو مؤشر إيجابي لجدية الطرفين للوصول إلى اتفاق سلام، وإلا فإن الخيارات الأخرى التي يلوح بها المجتمع الدولي ستكون هي الأقرب إلى دارفور والسودان!!
* إن (ثلاثة أشهر) فترة قصيرة جداً مقارنة بحجم مشكلة دارفور وتداعياتها، ومن العدل أن تمنح الحكومة السودانية والأطراف الأخرى، فرصة الوصول إلى حل خلال هذه الفترة قبل اللجوء إلى الخيارات الأخرى ومن بينها القرار (1593) الذي أحال ملف دارفور إلى المحكمة الجنائية الدولية!
* المطلوب.. تعليق إجراءات المحكمة الجنائية الدولية، أو على الأقل تأخير إعلان القرار، والضغط الإيجابي على بقية أطراف الصراع للمشاركة في مفاوضات الدوحة.. وليس أكثر من ذلك.
* إذا أراد المجتمع الدولي للسودان.. (حسن الخاتمة).. فعليه أن يعطي الفرصة لـ(حسن النوايا).. وثلاثة أشهر لا تعني شيئاً مقارنة بست سنوات قضتها دارفور في اللهيب والنيران، وأضاعها السودان بين صراعات مجلس الأمن.. ورغبات أوكامبو!!
drzoheirali@yahoo.com
مناظير – صحيفة السوداني – العدد رقم: 1175 2009-02-19