تحقيقات وتقارير

المادة الشفّافة لتغليف الأجبان واللحوم من أرخص أنواع البلاستيك وأخطرها

[JUSTIFY]البلاستيك يصارع من أجل البقاء فى بيئة تعجز تماماً عن ايجاد بديل له يفى بالاغراض التى يؤديها، بعض الولايات منعت استخدام البلاستيك لما يسببه من امراض شديدة الخطورة -حسب وجهة نظرالجهات المختصة- ولكنها لم تفلح فى خلق بديل مناسب لاستخداماته المتعددة، ما جعل من ايقاف استخدامه اشكالية، اما مصانع البلاستيك والتى كادت ان تفقد عملها فهى تعانى الامرّين ما بين مطرقة الالتزام بالجودة والمواصفات التى تقلل من الخطورة المحتملة، وسندان الاغلاق الذى يهدد مصانعهم… خلية من الحركة ترصدها عين التحقيقات فى مكب النفايات لتؤكد معاناة العمال واصحاب المصانع فى عملية التصنيع واعادة التدوير، وكلمات من اصحاب المكاتب الفخمة لا يعلمون ما يفعلون غير جشعهم وإغلاقها دون وجود البديل وحقائق علمية مؤكدة:

نقطة البداية.. في المكب مشهد متكرر لعربة«كارو» تحمل بقايا لاكياس التقطتها فى الغالب ايدى صغيرة تبحث عن لقمة عيشها بين انقاض النفايات ليحالفها الحظ فى العثور على اكبر كمية من مخلفات البلاستيك بكافة انواعه«اكياس،قوارير» وتساعد بصورة او اخرى فى الحفاظ على النظافة وخلق بيئة صحيه وآمنة، وهى ذات الايدى التى تبيعها لاصحاب المصانع عبر شبكة من التجار الذين يشترونها مقابل جنيهات تسد رمق «اللقّيطة» وتفى بمتطلبات المصانع البسيطة لتبدأ عملية التدوير واعادة الصناعة من فرز وتكسير وخلط الى ان تخرج فى شكلها المألوف وتباع فى الاسواق، هذه العملية قد يقوم بها الف عامل او يزيد باعمار مختلفة فضلوا العمل الشاق والمؤلم عن التشرد فى الطرقات وتهديد الامن، وعند سؤالهم اكد صبى فى الثالثة عشر من عمره انه يعمل فى هذه المهنة منذ اربعة اعوام يبدأ يومه منذ السادسة صباحاً بعد ان يقوم باستئجار «كارو» مقابل سبعين جنيهاً، ليجوب بها الشوارع ويحصل على اكبر كمية من مخلفات البلاستيك يتم وزنها بواسطة ميزان متخصص ويباع الكيلو بما يقارب الثلاثة جنيهات، واكد ان هامش ربحه قد يصل الى خمسين جنيهاً يعود بها الى اسرته التى تنتظر عودته بفارق الصبر. اما الصبى الاخر ولقبه «طُلبة» اكد انه ترك الدراسة بعد وفاة والده وهو يعول اسرته الصغيرة، وعن المخاطر التي يواجهونها فى عملهم اكدوا بالاجماع انهم لا يبالون بها ويستخدمون الليمون وزيت السيارات لمعالجة جروحهم فلا وقت لديهم لذلك، واخر يحمل «شوال» يفوق حجمه ويتجه نحو الميزان بفرح غامر بعد ان حصل على غنيمة كبيرة وكلمة «يلا ياعمك اوزنها» تصك الاذان ضارباً بالاقوال التى تؤكد خطورة البلاستيك وانه من المواد المسرطنة عرض الحائط.

مواصفة البلاستيك استناداً الى البند «7» من قانون الهيئة السودانية للمواصفات والمقاييس للعام 2008م قامت اللجنة الفنية بوضع المواصفات القياسية مواصفة لأكياس البلاستيك أكدت من خلالها «ان الكيس وعاء من فيلم بلاستيكى مختلف السمك والابعاد والشكل يضاف اليه مواد اثناء عملية التصنيع، اما كيس الحمل فله خاصية الحمل الذاتى على الا تقل ابعاد الكيس عن30cm حسب التصميم وتحدد هذه المواصفة متطلبات اكياس الحمل والتعبئة التى تصنع من البلاستيك الحرارى محلياً او المستوردة» تغطى هذه المواصفة انواع المواد البلاستيكية المستخدمة والاضافات وترميز الالوان للاستخدام المختلفة «كالبولى ايثلين عالى الكثافة ومنخفض الكثافة والخطى المنخفض الكثافة والبولى برولين» وانواع الاضافات المستخدمة فى انتاج الاكياس ملونات للسادة الخام ومضادات الشحنة الكهروسناتيكية والانزلاق والالتصاق والاشعة فوق البنفسجية ومواد مالئة والمواد المحللة عضوياً والترميز بنسب مختلفة، وقد حدد ان استخدام الاكياس حسب الالوان، فالاسود يستخدم للنفايات ومواد المغلق والمواد غير الغذائية، الشفاف المواد الغذائية السائلة والرطبة«المبردة،الساخنه»، والالوان الاخرى للمواد الغذائية الجافة والطازجة ومواد البقالة، حيث يجب استخدام مواد بكر فى الاكياس الشفافة والالوان الاخرى ويمكن البلاستيك المعاد تدويره فى الكيس الاسود وان يتناسب سمك الكيس مع الحمولة داخله.
عدم الوعي البيئي أكد الخبير البيئى والمستشار غير المتفرغ لوزير البيئة ميرغنى تاج السر، اكد ان البلاستيك باختلاف انواعه لا يمكن الاستغناء عنه فى ظل انعدام البديل المناسب، ولكن يجب ان يكون هنالك وعى بيئى للاستخدام العام. وقد اكد متخصصون ان البدرة المستخدمة فى صناعة الاكياس اذا تعرضت الى السخونة تؤثر سلباً على الصحة، واذا كان من الضرورى اغلاق المصانع لابد ان يكون ذلك ممرحلاً وايجاد بدائل مناسبة للاستخدامات المختلفة، فالاكياس تمثل خطرا بيئياً، لان الحيوانات وبصفة خاصة البهائم تقول بالتهامها ما يؤدى الى اصابتها بالامراض وتؤدى الى نفوقها ما يسبب خسائر فادحة فى الصحة والاموال والبيئة، وعلى الجهات المختصة من وزارة الصحة وهيئة المواصفات والمقاييس نشر الوعى البيئى لاستخدام الاكياس، كما يجب ضبط الجودة فى التصنيع بدلاً من إغلاق المصانع.

فيما اكدت حماية المستهلك على لسان ممثل لجنة البلاستيك د.ابراهيم محمد احمد ان المسؤول الاول فى معضلة الاكياس هو سلوك المواطن وليس المصانع، واكد ان ملايين الاسر تعتمد على عمل هذه المصانع ولا علم لنا بايقاف المصانع ويجب ان يكون هناك وعى صحى وبيئى لدى المواطنين، مبيناً ان منع اكياس البلاستيك رغم ضررها على الصحة لا يعتبر فى الوقت الحالى حلاً مناسباً لانعدام البديل وان المصانع تعمل بربع الطاقة التصميمية ولا تمثل عائقاً، واضاف ان هذه المصانع توفر وظائف لعدد هائل من العمال قد يصل الى «200» عامل او يزيد وجميعهم من الاسر الفقيرة ولا توجد وظائف يمكن ان تستوعب هذه العمالة، وقد أجرينا العديد من الفحوصات والتقييم لحُبيبات البلاستيك ولا تحتوى على اى خطورة، فالمصفى الرئيس يغذى هذه المصانع بغاز يصل الى «30» الف طن وهناك الكثير من الايجابيات لعمل هذه المصانع التى تصل الى «400» مصنع، واعتبر ان التهديد باغلاق هذه المصانع يعتبر ابتزازاً لاغراض شخصية من جهات معلومة لها اهداف خفية، وهنالك تضليل يمارس لخلق توترات بين الوزارة واصحاب المصانع لاغراض شخصية مبهمة.

الخطر القادم أكد أمين المال بشعبة البلاستيك طارق مهدى، ان هنالك أرقاماً وأسهماً متتابعة توضع على الصناعات البلاستيكية لمعرفة نوعها وحجم الضرر الذى تحتويه، وهذا ما يجب ان يكون معلومات لدى المواطنين حتى يمارسوا رقابة ذاتية على أنفسهم واستخدامهم للبلاستيك حيث أبان أن الرقم «5» يعتبر من أفضل انواع البلاستيك وأكثرها أمناً، ويناسب السوائل والمواد الباردة والحارة ويستخدم في صناعة حوافظ الطعام والصحون وعلب الأدوية وكل ما يتعلق بالطعام. ويجب ان يكون المواطن حريصاً على الا يستخدام قوارير ماء الصحة لأكثر من مرة لأنها مصنوعة لتستخدم لمرة واحدة فقط وتصبح سامة إذا أعيدت تعبئتها، اما الرقم «6» فهو خطر وغير آمن وهو ما يسمى بالبولي ستايرين أو الستايروفورم ، يستخدم فى علب البرغر والهوت دوغ وأكواب الشاي ويختلط على الناس الامر باعتبارها فلين، وتعتبر هذه المادة من أسباب نقص طبقة الأوزون لأنها تصنع بأستخدام غاز CFC الضار اما الرقم «7» الصناعات التى تحمل هذا النوع لا تقع تحت اي تصنيف من الأنواع السابقة، وقد يكون عبارة عن خليط منها وتدخل فى صناعة رضاعات الأطفال وما تزال هذه المادة محط جدال بين الأوساط العلمية. ويجب ان تجنب هذه المادة قدر الإمكان إلا أذا ذكر عليها أنها خالية من مادة BPA والصناعات التى تحمل الرقم «4» تعتبرآمنة نسبياً وقابلة للتدوير كأكياس التسوق، والرقم «3» ضار وسام إذا أستخدم لفترة طويلة وهو ما يسمى بالفينيل يستخدم في مواسير السباكة وستائر الحمام، وكثيراً ما يستخدم في لعب الأطفال وتغطية اللحوم والأجبان كبلاستيك شفّاف لذا يجب الحذر من هذا النوع بالذات، لأنه من أخطر أنواع البلاستيك وأرخصها لذا يستخدم بكثرة ،الرقم «2» آمن وقابل للتدوير يستخدم لعلب الشامبو والمنظفات، الحليب ولعب الأطفال ويعتبر من أأمن انواع البلاستيك خصوصاً الشفاف منه، والرقم «1» آمن وقابل للتدوير يستخدم لعلب الماء والعصير والصودا وزبدة الفول السوداني. وهذا يؤكد ان مسؤولية الامراض التى قد تنتج من الاستخدام الخاطئ للبلاستيك تقع على عاتق المواطن لا المصانع، ونفى ان يكون وجود الاكياس صديقة البيئة حلاً لان الصناعات البلاستيكية لا حصر لها وتدخل فى جميع الاستخدامات حتى الاجهزة الطبية، وعلى الذين يعتبرون ان البلاستيك يمثل معضلة عليهم اثبات ذلك وخلق بديل يلائم جميع الاستخدامات.

من المحررة أن يكون البلاستيك اساسى فى الحياة اليومية فهذا امر طبيعى، ولكن ان يكون سبباً فى حياة اسر تعتمد عليه فى لقمة عيشها فهذا امر يستوجب على الجهات الساعية لاغلاق هذه المصانع التفكير ملياً فى مصير هذا الكم الهائل من العمال الذين يحاربون الظروف للبقاء، واذا وجد البديل فى الصناعة هل ستوفر ذات الجهات صاحبة الاجندة الخفية وظائف لـ«طلبة» وأقرانه؟ بل هل ستجد المحليات من يساهم معها فى النظافة والحفاظ على البيئة …؟ أما الجهات المعنية بنشر ثقافة الوعى البيئى عليها توصيل الارشادات الى ابسط المواطنين وبطرق سريعة وفعالة، لضمان نشر الوعى البيئى تجاه مخاطر البلاستيك وما قد يحويه من اضرار فى حالة الاستخدام الخاطئ، وعلى الراغبين فى اغلاق هذه المصانع تسجيل زيارة ميدانية للمكب فقط لمعرفة الحقيقة المجردة، التى عجزت الكلمات والصور على تجسيدها بين هذه السطور.

تحقيق: ندى الحاج
صحيفة الإنتباهة
ت.أ[/JUSTIFY]