رأي ومقالات

خالد حسن كسلا : وزير المالية ومحاربة «جرِّ الشوك»

[JUSTIFY]وزير المالية د. بدر الدين المفترض أن يكون أحد الأهداف الصحفية في النقد المستمر نظراً للظروف الاقتصادية القاسية التي تمر بها البلاد، ونظراً ــ أيضاً ــ إلى صبر الشعب على إجراءات وزارة المالية القاسية باعتراف الوزير نفسه أخيراً في حلقة برنامج «مؤتمر اذاعي» ضحى الجمعة الفائتة بتوقيت أم درمان، فقد نجا بذكائه الاداري من ذلك. الوزير قال إنه قام بإصلاحات اقتصادية للحفاظ على قيمة العملة وثبات الأسعار إلى حد كبير، وكل هذا كان ثمرة واضحة ملموسة طبعاً في يد المواطن. ومن هذه الاصلاحات كما قال الوزير محاصرة «التجنيب» الذي هو تدوير لعملة وطنية وأحياناً أجنبية خارج دائرة الموازنة مما يزيد الطينة بلة على صعيد قيمة العملة والأسعار، وإن كان هو لتسيير أعمال مؤسسات حكومية بعينها، لكنه تسيير كماء يسقى به نبات الموز الكاذب الذي لا يثمر موزاً حتى ولو أعطى الأنظار لون الخضرة. وزير المالية قال إنه رفض أن ينظر في ورقة تحمل سطورها طلباً برفع الدعم عن المحروقات، وقال إن هذا العجز يمكن سده بفكرة أخرى. والوزير هنا بقدراته العالية في الفهم الاقتصادي يقوم بعملية اقتصادية دقيقة لمعالجة مشكلة دون آثار جانبية، لقد نجح في تقليص ثمن المعالجة لأدنى حد. وكانت رسالة قوية جداً لمن يلجأون إلى «المواطن المسكين» برفع الدعم ليسدوا عجزاً من «جيبه».

إذن اضافة إلى دكتور عوض الجاز ود. مصطفى عثمان اسماعيل، يكون وزير المالية الحالي وكذلك محافظ بنك السودان الحالي في مشروع معالجة المشكلة الاقتصادية. نعم توجد المشكلة بسبب الحروب. ولا سبيل إلى علاجها بطريقة تقليدية إلا وقف الحروب ورفع الحظر عن بعض احتياجات السودان التي تحتكر تسويقها السوق الأمريكية. لكن هؤلاء يقدمون العلاج بطريقة غير تقليدية.
فيتحمس د. عوض الجاز لاستخراج النفط لأنه سلعة حتى ولو لم تظهر أثر النعمة في المواطن السوداني كما في المواطن الخليجي، فعلى الأقل تنفتح قناة تجارية لجلب العملة الصعبة. ولا ننسى في تلك الفترة النجاح المالي الباهر الذي حققه د. بدر الدين طه حينما كان والياً للخرطوم، فقد عاصر الرجل بوصفه والياً فترة فاتورة الحرب الباهظة جدا.. ومع ذلك غادر مكتبه وخزينة الولاية منتعشة. ووقتها لم تفكر الحكومة في تعيينه بعد هذا النجاح «المالي» وزيراً للمالية، وقد كان هو مديراً للبنك الزراعي. أي من نفس القبيلة المهنية. لكن هذا لم يحدث. وقد حملته أمواج قرارات الرابع من رمضان الهادرة في الثاني عشر من أغسطس عام 1999م الى حيث ذهبت المجموعة المنشقة بقيادة الترابي.

البلاد تواجه مؤامرات تستهدف أمنها واستقرارها لصالح مشروعات في الخارج، في اسرائيل وأمريكا وبعض دول أوروبا. وكل هذا بهدف انهيار اقتصادها. وبالتالي نسف استقرارها السياسي. وهذه المشروعات وجدت ضالتها في العراق وليبيا وسوريا بسبب غباء حكوماتها التي استعدت عليها شعوب هذه البلاد.
ففي العراق إما تكون بعثياً رغم أنفك وإما تكون محل إذلال من جانب النظام الحاكم وكذلك في سوريا، وقد ألقى نظام الأسد الأب عام 1982م القنابل من الجو على مدينة كاملة لأنه شعر بعدم ولاء أغلبها لحكمه. كل هذا طبعاً لا علاقة مباشرة له بما نحن هنا بصدده، لكن يجدر ذكره من ناحية تفكير العقلية الغربية والصهيونية في هدم الاقتصاد للدول ذات الموارد التي يمكن أن تتقدم على حساب أسواق دول الاستكبار إذا تم بشكل جيد استغلال هذه الموارد.

مثل كل هذا بالطبع يحتاج لاقتصادي فوق العادة ليكون سياسياً أكثر من كونه اقتصادياً مثل وزير المالية بدر الدين محمود، وكان مثله من قبل بدر الدين طه، ان البدرين «بدري الدين» وضعا في الاعتبار التحديات الأمنية وفاتورتها، وفكرا في حلول سحرية لا علاقة لها بالتخصص الاكاديمي. والآن تثمر هذه الحلول السحرية التي انتجتها عقلية وزير المالية.. محاصرة التجنيب الذي يعتبر علاجاً أسوأ من المرض. لأن المال المجنب يضخم الكتلة النقدية التي تكون داخل الموازنة، ويكون حجم الأموال المتداولة ورماًَ غير طبيعي وحالة مرضية تؤذي المواطن. ولا يقل ضرره عن التضخم، بل ان الأخير أهون من التجنيب. إن تحصيل الايرادات خارج الموازنة ليس فكرة معالجة مالية، وانما فكرة مثل مفهوم المثل الشعبي «جلداً ما جلدك جر فوقه الشوك». والمطلوب من الذين لم يدرسوا الاقتصاد ولم يفهموه جيداً من خلال الاهتمام بالعمل العام والشأن السياسي ألا يدعوا إليه. فهو مثل حك الجرح، ممتع لذيذ لكن عاقبته وخيمة.

صحيفة الإنتباهة
ت.أ[/JUSTIFY]