سياسية

البرلمان.. محاولات بحث عن «ولاة» في شارع «القصر»

[JUSTIFY]باتت قضية تعيين الولاة عبر مراسيم دستورية مرتقبة، أمراً حتمياً وخياراً لا بديل له بمنطق الحكومة الحالية. فالمؤتمر الوطني يبدو أن قناعته قد ترسخت وبشكل كبير، بأن تجاربه الانتخابية الماضية لم تجلب له سوى الوبال الكثير ولم تحقق كذلك قيمة الشورى او المشاركة الحقيقية في السلطة، ولكنها وللأسف الشديد جلبت عليه المفاسد اكثر من اي قيمة ايجابية، بل وفتحت الابواب واسعة حتى تلج «القبلية» الى عمق مؤسسات الدولة وكياناتها، فاستشرت القبلية في أوصالها ومكوناتها الاخرى واحالتها الى مستعمرات وتكوينات تتصارع وتتنازع فيما بينها في سبيل الظفر بالحسنيين «السلطة والمال» وهذا التوجه او التدارك «الاخير» باللجوء الى خيارات التعيين.. هل يعني فعلاً أن المؤتمر الوطني سيطوي صفحة العراك القبلي الذي شهدته مجالس شورى الوطني بالولايات الاسابيع القليلة الماضية؟. الحقيقة المعترف بها من داخل سور المؤتمر الوطني ان هذه الممارسة كانت شائهة ومسيئة رغم ان مظهرها الاساسي هو الشورى، ولكن في جوهرها حالة من الالتفاف بالقبيلة وربما «العرقية» والمناطقية، دون السماح للكفاءة حتى تأخذ حقها على أساس قومي، ولكن الذي حدث ان هذه الممارسة اكدت ان خلف كل وال منتخب، حكاية تروى وقبيلة تتربص وتتجبر، ولهذا فانه لن تتحقق فرضية اسقاط القبيلة بالمعطيات القائمة الآن، او هكذا تبدو الصورة وسيظل البحث عن «القومية» أمراً عصياً الا عبر حزمة من التعديلات النصية في الدستور الحالي او هكذا يعتقد المؤتمر الوطني، وهذا ما ينشغل به البرلمان حالياً ويشغل به الساحة السياسية بكل اطيافها السياسية.
يبدو أن البرلمان سيكون هو اللاعب الاساسي في مسرح الاحداث والتحولات التي تتبدى الان في المشهد السياسي السوداني العام، بكل أحزانه وتعقيداته بحكم الدور الكبير المنتظر من البرلمان في مقبل الايام والشهور، لان قضية التعديلات الدستورية هي البند الحاسم والفاعل في ما تبقى من ايام من عمر البرلمان حتى يجد القصر الرئاسي مبرراته ومسوغاته القانونية والسياسية لفرض سلطانه على حكام الولايات.
كل هذه التوجهات والافكار والمفاهيم أحاط بها الدكتور الفاتح عز الدين رئيس البرلمان «الإنتباهة» في جلسة معه متشعبة المداخل والموضوعات، الا ان قضية تعيين الولاة هي التي اخذت الحيز الاكبر من اهتمامات الدكتور الفاتح في هذه المقابلة الصحفية. فالدكتور الفاتح يرى ان الحوار سيستمر كمبدأ والتزام سياسي واخلاقي ووطني اقيمت الانتخابات او لم تقم، وستكون الخيارات المتاحة امام الحكومة هي ان تمضي في سكة البحث عن شركاء جدد يضفون عليها قدراً من المشروعية، وذلك عبر نظام «المحاصصة» أوالكوتات على مستوى الجهاز التنفيذي والتشريعي، على ان يتم تعيين الولاة مباشرة من القصر الجمهوري، وهذا يعني ان الدستور الحالي سيخضع الى تعديل جزئي وبالاخص في النصوص المتعلقة بتعيين الولاة وسلطات الاراضي بالولايات، حيث ظلت الاراضي محل نزاع وتنازع وتقاطعات حادة بين السلطات الولائية والمركزية، اثرت كثيراً في حركة الاستثمار واجهضت العديد من المشروعات التنموية والاستثمارية، الامر الذي دفع بالحكومة المركزية وعبر البرلمان للتفكير وبصوت مسموع بأنه لابد من اعادة النظر في هذا الواقع والبحث عن سلطة مشتركة، ووضع سقوفات لاختصاصات الاراضي بين المركز والولايات حتى لا تكون الولايات هي وحدها التي تتمتع بهذه السلطة، باعتبار ان تجارب الولايات في استثمارات الاراضي كانت هي احدى المسببات المباشرة التي اعاقت الاستثمار واضاعت على الدولة مكاسب تنموية واقتصادية كبيرة، واهدرت كذلك العديد من الفرص الاستثمارية على الاقتصاد السوداني.
ولأن قضية التعديلات الدستورية تعتبر من اكثر القضايا تأثيراً في المشهد السياسي الراهن، فقد تفاعلت كل الاطياف معها وبشكل قد يكون بعيداً بعض الشيء عن منطق وقناعات المؤتمر الوطني خصوصاً من جماعة الرصيف، فهناك من لا يؤمنون أصلاً بهذه التعديلات ولا يجدون لها مبرراً، غير ان الدكتور الفاتح عزالدين يرى ان هذه التعديلات ممكنة ومبررة حتى لا تدخل الدولة السودانية في حالة فراغ دستوري تتمزق معه ورقة التفويض التي بين يدي الحكومة في مرحلة ما قبل نهاية ابريل القادم، فالصورة التي رسمها رئيس البرلمان تبدو زاهية ومريحة للناظرين فهو يعتقد ان المؤتمر الوطني الذي وصفه السيد رئيس الجمهورية «بالمخيف»، اكثر تماسكاً وبإرادة كاملة لتجاوز عقبة «تعيينات الولاة» وانه ليس صحيحاً أن هذه القضية ستحدث تكتلات أو تكوينات داخلية لا تفكر إلا بعقل منفرد.

تقرير: هاشم عبد الفتاح: صحيفة الانتباهة [/JUSTIFY]