خالد حسن كسلا : «الصادق» أم «عبد الواحد»؟!
وحينما يكشف الرئيس عن أن المخطط الصهيوامريكي الأخير من حيث إدخاله حيز التنفيذ هو استقدام السيد الصادق المهدي لباريس للتوقيع على إعلان ـ لا نؤيده جملة وتفصيلاً وهو محمّل بفخ وقف الحرب ـ فإن هذا الكشف في أعلى منبر في البلاد، يبقى تنبيهاً لأغلبية الجماهير التي منها من ينشغل بأخبار الإلهاء الاجتماعية والرياضية ومنها من ينصرف إلى الفتن القبلية، ومنها من تشرد أذهانهم إلى ساحات هموم المعيشة في الخيال. ومنها من يقتصر حياته ما تبقى من عمره كميت بين يدي من يبجله ويصرف إليه بعض صفات الله وحقوقه.
فكل هؤلاء ينبههم الراعي.. بمنطق كل راع مسؤول عن رعيته. واليهود كانوا قبل التمتع بالقوة «الأمريكية» ونفوذ الاحتلال الأوروبي، وفي مقدمته البريطاني، يُسرون كل مؤامرة، حتى لا تنكشف فيتعذر تنفيذها. لكن بعد إقامة دولتهم على أساس وعد بلفور في وسط الإقليم العربي والعالم الإسلامي في ظل الاحتلال الأوروبي طبعاً وبعد الدعم الأمريكي السخي الذي لا يعرف الشح للمؤسسة العسكرية اليهودية، فإن التكتم على المؤامرات اليهودية ووضعها في خزانات السرية تكون هي التي تحاك ضد الدول التي تقيم علاقات معها وتطبيع معها حتى لا تنهار هذه العلاقات. لكن بالنسبة للدول التي ترفض التطبيع مثل السودان، فإن اليهود لا يرون غضاضة في أن تكون مؤامراتهم ضدها مكشوفة، وقد يتعمدون كشفها لزلقها في عملية تطبيع، أو للتحفيز على إطاحة حكوماتها «العنيدة» التي لا تسمح بتمرير مياه المصالح اليهودية تحت جسورها على حساب شعوبها.
وإذا كانت إسرائيل تسمع أصوات بعض القوى المعارضة في داخل السودان تنادي بإسقاط الحكومة وتعرف في ذات الوقت أن هناك دولاً من بينها دول جوار «أزلي» يسوؤها استمرار نظام معين في الخرطوم لأنه كذا وكذا. ففي هذه الحالة لا تكون في حاجة ماسة إلى إسرار مؤامراتها ضد السودان. فهي تجد المسلم العربي يسعده التآمر على الحكم في الخرطوم، وهي هنا تفكر في التآمر على كل البلاد من خلال ترحيب البعض بالتآمر على الحكومة، وهكذا تخلط تل أبيب الأوراق. ولا يهم من وقع على إعلان باريس المفخّخ أن تختلف مصلحة اسرائيل أو تتقاطع مع مصلحته، فكل ما يهمه هو إخلاء القصر الجمهوري له.. حتى ولو كانت لتحقيق هذه الرغبة العارمة تبعات سيدفع ثمنها الشعب السوداني مثلما حدث له بعد عملية تغيير 21 اكتوبر المفخخّة بشعارات براقة أطفأتها لاحقاً عودة حليمة الأحزاب لقديمها «حليمة عادت لقديمها» تقرأ بالدارجي بدون نطق الهاء في «قديمها» ـ وقد يقرأ البعض هذه التبعات من زوايا تبريرية.
عبد الواحد في باريس وله مكتب شهير في تل أبيب عاصمة دولة الاحتلال اليهودي في فلسطين. وفكرة تغيير الحكم في السودان واتخاذ الفاشر عاصمة مؤقتة لا يقتضي تنفيذها استدعاء الصادق المهدي ليكون هو رئيس السودان ويحكم من الفاشر. والصادق قد تعجبه الفكرة لكن إذا كان بالإمكان نجاح تطبيقها فبدونه يمكن أن يكون النجاح.
والفاشر الآن وحتى الجنينة القصوى ونيالا هي كلها في السيادة الوطنية مثل حلفا الجديدة وبورتسودان والقضارف. فهي ليست مثل طبرق في ليبيا.
وربما لم يكترث المتآمرون اليهود لدراسة هذا الأمر، بسبب الاعتماد الكلي على قوة واشنطن الضاربة. فهي بالنسبة لهم مغنية عن اضاعة الوقت في التمعن في التطورات على مستوى السيادة الوطنية في البلاد المستهدفة. والفاشر يمكن أن تستقبل عبد الواحد، لكن يتعذَّر ذلك للصادق المهدي سواء بمؤامرة يهودية أو انتخابات.
وإذا عجز عبد الواحد عن ذلك فإن السيد الصادق المهدي أجدر بالعجز. والصادق أليس مستوعباً لكل هذا؟ نعم مستوعب.. لكن الجري وراء السراب لماذا؟! لأنه تحقق له ما يريد غير السلطة، فهو لا يريدها وحدها.. يريد الإعلام.. يريد الكيد للنظام ـ يريد تزعم المعارضة بما يجعله جديراً بذلك.
صحيفة الإنتباهة
ت.أ