منوعات

عبد النبي صالح.. «24» ساعة في جزيرة مع الثعابين والعقارب

[ALIGN=CENTER]526200923917AM2[/ALIGN]

عبدالغني صالح ابراهيم في الـ«70» من عمره تعرض قبل اعوام لحادث غرق مركب في النيل مازالت آثاره باقية على حياته.. وكما قالت لنا زوجته فانه منذ الحادث ينتابه صداعاً شديداً لا يتركه إلا بعد منتصف الليل ولا يسكنه اي دواء.. بالرغم من انه لا يعاني من اي مرض. جلسنا اليه في منزله «بحي مجراب» في وادي حلفا، وسرد لنا تفاصيل رحلة المركب الذي كان يقل «24» شخصاً غاص قبالة جبل الشيطان في النيل في طريقهم الى قرية «ارقين» شمال وادي حلفا- لم ينج منه سوى «6» اشخاص من بينهم فتاة وشاب في الـ«14» من عمره والبقية في العشرينات، ويروي عمنا عبدالغني الساعات العصيبة والمخيفة التي قضوها بين انياب الامواج، منهم من هزمها ومنهم من استسلم لها واسلم روحه لبارئها.
كنا «24» شخصاً اي كل سكان قرية ارقين شمال حلفا بيننا اطفال وشباب ونساء ورجال، تحركنا من حلفا على متن قارب متجهين الى «ارقين» ومعنا موادنا التموينية من زيت ودقيق وسكر وبكميات ليست القليلة اي ما تكفينا لمدة اسبوعين على الاقل، سرنا نحو «4» ساعات في النهر، وبما ان القارب كان به ثقب في قاعه ودون ان نشعر اخذت المياه تتسرب الى المركب وفجأة مالت مؤخرة المركب على نحو مخيف وتشبثنا ببعضنا البعض ولكن قوة الامواج دفعت بنا الى خارج المركب، وارتفعت صيحات النساء والاطفال.
وصمت برهة كأنه يسترجع ذكريات اللحظات المؤلمة وواصل قائلاً: كنا نسبح دون ان ندري الى اي شط نتجه. وبجواري رجل يعتبر من امهر السباحين في المنطقة، وآخر يحمل طفله.. و.. قطعت دمعة حديث الرجل قبل ان يسترسل قائلاً: الرجل الذي كان يحمل ابنه اصابه الوهن فلم يستطع اكمال المسير وغاص هو وابنه الى القاع وماتا، والمبكي انه عندما تم انتشالهما وجدوا الاب يحتضن ابنه.المهم، الرجل الذي كان بجانبي كان يسبح بسرعة كنا نقول له لا تسرع حتى لا تصاب بالتعب ولكنه لم يستمع لكلامنا وغاص هو الآخر حتى خارت قواه وعجز عن السباحة. المهم بعد ساعات طوال من السباحة وصلنا الى جزيرة رملية رطبة ومن شدة الارهاق استلقينا على الرمال فاذا بالعقارب والثعابين تحاصرنا من كل اتجاه.. وبدأ الليل يسدل استاره وكان الخوف قد بلغ بنا مبلغاً لا استطيع التعبير عنه.
قضينا ليلتنا نقف على ارجلنا دون حراك خوفاً من الحشرات السامة حتى شروق الشمس. حيث دخلت الحشرات الى جحورها اتقاء حرارة الشمس، وبينما الحيرة تهتك باذهاننا لاح في الافق رفاس واخذنا نصرخ بأعلى صوتنا ونلوح له.. إلا انه لم يسمع ولم يرنا وعاد اليأس يدب في اوصالنا وايقنا باننا مهلكون لا محال.. وبعد مضي تقريباً «3» ساعات عاد «الرفاس» بنفس الطريقة. وعدنا للصراخ والتلويح ولكنه بعد ان ابتعد عاد الينا مرة اخرى، وانتشلنا من الجزيرة الى وادي حلفا وتم نقلنا الى المستشفى، وبعد يومين علمت بوفاة «81» من ركاب القارب. وكان حدثاً محزناً هز كل وادي حلفا- ومازالت آثاره باقية. وصدقني كلما تذكرت الحادث ينتابني شعور غريب مصحوب بصداع حاد.
الراي العام