كرت دعوة من الترابي :تحالفات في مواجهة المؤتمر الوطني
(لدينا علاقات تنظيمية نسبية لا بأس بها وننسق مع الأحزاب ونستهدف الذي لا نرضاه).. (سنتشاور مع القوى السياسية ليس للمقاطعة وانما للضغط على الحكومة واذا قاطعناها سنقاطع كلنا إذا لم تتوافر الشروط لانتخابات نزيهة).. بضع عبارات من أفكار أفصح عنها د. حسن الترابي زعيم المؤتمر الشعبي في مؤتمره الصحفي الأربعاء الماضي.. راميا بالكرة في ملعب الأحزاب التي تتطلع إلى إيجاد موقع لها في الإنتخابات القادمة رغم أنه ألمح إلى زهده في التنسيق معها..
وثمة ما يجعل التنظيمات والقوى السياسية تعيد النظر في فحوى الدعوة في سبيل ايجاد موطئ قدم في رحلة الإنتخابات التي ترعبها فكرة فوز المؤتمر الوطني بها..فما يجعلها تعيد النظر هو الفشل الذي لازم فكرة التحالفات السياسية.
وبغض النظر عن تجربة التجمع المعارض فإن رحلة السياسة السودانية حفلت بتجارب تحالفية مسجلة، لكن تبقى بضع محاولات مميزة في مواجهة حكومة الإنقاذ أبرزها ما سمي بـ (تحالف القوى الوطنية) الذي وقعته ستة عشر من أحزاب المعارضة ذات أربعاء من شهر يونيو 2005م وكان على رأس الموقعين الصادق المهدي زعيم حزب الامة، ود. حسن الترابي زعيم المؤتمر الشعبي، وكان هدف التحالف تصعيد النضال الشعبي لتغيير الوضع والحفاظ على مصالح الشعب وتحقيق التحول الديمقراطي. ووجد التحالف ترحيبا من الحكومة التي طالبته فقط بأن يكون مسؤولا. وتلى هذا التحالف تواضع أكثر من عشرين حزباً وتنظيماً العام الماضي على تكوين تحالف جديد مواز لتحالف القوى الوطنية أطلق عليه تضامن القوى الوطنية المتحدة (تقدم)، وميز نفسه بأنه تنظيم سياسي جبهوي يناضل من أجل تفكيك مفاصل النظام الشمولي عبر آليات شعبية مدنية.
ولكن مراقبين يعتقدون ان التحالفات التي تكونت لم تحقق كثيرا من اهدافها المعلنة، ولم تستطع الصمود طويلا رغم الجهود التنسيقية التي بذلتها. أما التحالف في جانب الإنتخابات تحديدا فإن مراقبين يرون ان التجربة السودانية لم تشهد سوى تحالف واحد وكان ضد الترابي نفسه في دائرة الصحافة في 1986م حيث تحالفت ضده أحزاب الأمة، الإتحادي، والشيوعي وغيرها، ولذلك لم يفز رغم أنه نال عدداً مقدراً من الأصوات.
وسبقت دعوة د. الترابي الأخيرة دعوة من العميد (م) عبد العزيز خالد رئيس المكتب التنفيذي للتحالف الوطني السوداني لتحالف عريض يضم احزاب المعارضة لهزيمة الوطني، يستلهم فى الانتخابات المقبلة تجربة كينيا وباكستان وزيمباوي، معتبرا أنه أمر ممكن رغم صعوبته عمليا.
وعدم وجود تجربة تحالف ناجحة كليا يجعل قيامه أمرا عسيرا، والاصعب من ذلك اجماع المعارضة على شخص محدد لينافس الرئيس البشير في الانتخابات الرئاسية، ويرى مراقبون ان المعارضة ستخفق لا محالة في الاجماع على شخص بعينه ليكون مرشحها في الانتخابات، وتبدو المشكلة في كثرة(الرؤساء) بالاحزاب المعارضة، لذا فمن المرجح ان تنشط الأحزاب تنسيقيا قبل الوصول إلى مرحلة الإنتخابات، وهذا إتجاه يؤكده حديث يوسف حسين القيادي بالحزب الشيوعي لـ (الرأي العام) حيث قال إنه لا يتحدث عن تحالف، وإنما عن تنسيق وعمل مشترك بين أحزاب وقوى المعارضة لتجاوز الأزمة التي تمر بها البلاد، خاصة فيما يتعلق بقضايا التحول الديمقراطي، ومواجهة النظام مع المجتمع الدولي، والقضايا المرتبطة بارتفاع الأسعار والضائقة المعيشية، والإنتخابات. وأضاف أن التنسيق ليس جديدا وأنه مستمر منذ عدة أشهر. وزاد بانه قد حقق بعض المكاسب الجزئية في قانون الإنتخابات، وتسجيل الأحزاب، ونسق جهوده داخل البرلمان مع كتلة التجمع الوطني الديمقراطي ولا يزال.
ولا يستبعد يوسف ان تعرقل الخلافات والإختلافات الأيدولوجية المسيرة إلا إنه يقول إنها واردة من ناحية مبدئية وممارسة عملية، ويضيف: يمكن ان يتنازلوا لبعضهم بعد اتضاح الأمور، ويشير إلى حادثة التحالف ضد الترابي نفسه في 1986م.
ويبدو أن مسألة التنسيق هذه هي الوسيلة الأنسب التي اختارتها الأحزاب قبلا، فقد نقلت تصريحات سابقة عن د. مريم الصادق المهدي القيادية بحزب الأمة القومي تؤكد فيها أن الأمة حدد ثلاثة أنواع للتحالفات المستقبلية هي تحالف خاص بقيام انتخابات حرة نزيهة تشترك فيه القوى السياسية كافة، وتحالف ذكي يشتمل على التنظيمات غير السياسية والأفراد الذين يلتقون حول برنامج الحزب، وثالث يتكون من تحالفات متعددة. مع تعضيدها لفكرة التنسيق بين المواقف حول قضايا وتاريخ محدد في التحالفات القائمة.
ولكل هذه الأسباب فإن التحالف نظريا وارد تماما للظروف التي تعيشها الأحزاب السودانية الآن، ويعتقد د. اسامة الجيلي أستاذ العلوم السياسية بجامعة النيلين أن الإنتخابات حبلى بالتحالفات لكن وفق منطق وظروف موضوعية، واحيانا تكون مبررة وأحيانا لا يوجد لها مبرر إلا في أذهان المتحالفين انفسهم، ولذلك فمن المتوقع أن تكون هنالك تحالفات كبيرة بين المؤتمر الوطني ومجموعة من احزاب حكومة الوحدة الوطنية باستثناء الشعبية، وبين المعارضة و الحركة الشعبية، وهي كلها بحاجة إلى التحالفات لأن أوضاعها لا تؤهلها للفوز. والإنتخابات مجموعة حلقات آخرها الإقتراع وكل حلقة تدار بحرفية عالية، وحتى الآن (في تقدير د.اسامة) فان الوطني يحقق إنتصارات في الحلقات التي تجري الآن، ولتظل الأحزاب قوية لابد ان تتحالف لتكون (راكزة) ضد الوطني في الساحة. ويضيف أسامة ان شكل التحالف سيكون رأسيا بالإتفاق على توزيع الدوائر، وحسب الدائرة المضمونة لكل حزب، وأي حزب ينسحب سيخرج من الساحة للأبد، ولذلك فكل الإحتمالات واردة.
ويعتقد مراقبون ان الإختلافات الأيدولوجية والعلاقات الثنائية مع الحزب الحاكم قد تحول دون تحقيق هذا التحالف الذي هدفه الأسمى هو هزيمة المؤتمر الوطني وبعدها ينتقل الجميع إلى تكتيكات أخرى تناسب الوضع، وكانت «الجزيرة نت» قد نقلت في وقت سابق عن عبد الله حسن أحمد نائب الأمين العام للشعبي قوله إن ما يجري الآن لتنسيق المواقف والاتفاق على ثوابت وطنية محددة، وأن التحالفات تظل متحركة إلى موعد حلول الانتخابات، وبعدها يمكن الحديث عن تحالفات حقيقية.
كما ألمح كمال عمر القيادي بالشعبي إلى إمكانية قيام تحالف وقال إن حزبه سيسعى لإنشاء تحالف عريض بين الأحزاب لمواجهة الحكومة الحالية.
ولكن التحالف بنظر كثيرين لن يتفق على شخص محدد ، واذا اتفقت الاحزاب على شخص فمن المشكوك فيه ان يكون الترابي لأن هناك عدم ثقة به، وهناك شخصيات سياسية لا يمكن ان تتفق أو تقف معه مثل محمد عثمان الميرغني، وهناك شخصيات لا تسمح لها وضعيتها أن تكون خلفه مثل الصادق المهدي، أما الشيوعي فمعروف أنه يقبل بالتحالفات التكتيكية القصيرة.
وكيفما كان الأمر فإن د. الترابي لم يأت بجديد لكنه اعاد لفت انظار الأحزاب لتتحسس اوزانها واختيار نوع وشكل التحالف المناسب، واختيار القيادة منذ الآن لأن ما تبقى من وقت لا يفي بالمطلوب من التزامات الإنتخابات القادمة.
عوض جاد السيد :الراي العام