منى سلمان
كلباً كْلَبك .. دنقر راسك وأرفع ضنبك
تعويذة كنا نرددها صغارا وقلوبنا واجفة، عندما تجبرنا ظروف المراسيل أو سلك الطريق من وإلى المدرسة، للمرور من أمام كلب باسط ذراعيه بجانب الطريق، علها تكفينا شر ممارسته لهواية الكلاب المفضلة بالهوهوة في وجوه الشفّع أو سَكّهم عديل في سبيل (تحمية) عضلاتهم، ونفضا للكسل والخمول الناتج من نومهم في الضللة طول النهار، فقد كان حيّنا ككل الاحياء الجديدة الناشئة وقتها مدججا بالكلاب التي اقتناها السكّان درءا لخطر الحرامية.
في طفولتي كانت لي قناعة بأن الكلاب (حقارين)، ويمارسون حقارتهم تلك في الشفّع المساكين، وإلا فكيف نفسر أن يسمح الكلب الراقد في الضل لرجل أو سيدة كبيرة بالمرور بين يديه، دون أن يكلف نفسه جهد التعامل معهم، ويكتفي برفع رأسه ورمق (الماري) بنظرة متفحصة من خلف عينيه شبة المغلقتين قبل أن يعاود الرقاد ..
بينما ما أن يلمح صغيرا قادما من بعيدا، حتى ينتصب واقفا ويتمطى كي يهيئ عضلاته للسكّة النظيفة، وان تكاسل عنها أو أحس بأن الصغير (معرفة)، فسوف يكتفي بـ (هوْهوة) يقتلع بها قلب الصغير من الخلعة ويدفعه في الحالتين لاطلاق ساقيه ليسابق بهم الريح ..
ظللت مؤمنة بتلك النظرية إلى أن كبرت وتعلمت أن أنوف الكلاب (الشمامة) لها مقدرة قوية على شمّ هرمون الخوف (الادرينالين)، الذي يتدفق في دم الشفع حال رؤيتهم لكلب، وهو السبب في تحفيز الكلاب لمطاردة الخوافين شفّعا كانوا أو كبارا.
رغم خوفنا العظيم من عموم قبيلة الكلاب إلا أن الاستثناء الوحيد كان (كاندي) كلب جيراننا الأليف، ولعلنا لم نكن نعدّه كلبا، فقد تعودنا على اللعب بجواره بل والقفز من فوقه أثناء مطاردتنا لبعضنا البعض في لعبة (السك سك) .. لم يكن يتزمر من ازعاجنا وقطعنا لاستمخاخته في الضل بشغبنا، وحتى عندما تخطئ اقدامنا الصغيرة وتدوس على ذيله أو بطنه، يكتفي برفع رأسه وتأنيبنا بنبحة حنونة متسامحة ..
استمر وجود (كاندي) على هامش مشهد ساحة العابنا تحت شجرة النيم، حتى رزئنا بفقده في حادثة جد أليمة، ففي أثناء أنتشار موجة من (السعّر) تهور (كاندي) بـ عض أحد أطفال الحلة القدام المشاغبين، ورغم أن العضة كانت دفاعا عن النفس من سادية ذاك الصغير الذي آذى (كاندي) بوابل من الحجارة، إلا أن قرارا بإعدامه صدر من جارنا مراضاة لأهل الصغير ودرءا لشبهة السعّر الحايم، فكان أن عانينا الصدمة والحزن ونحن نتابع عملية الاعدام شنقا حتى الموت والتي تم تنفيذها بحقه فوق غصن النيمة ..
جلسنا نتابع ربط جارنا لانشوطة صنعها من حبل الغسيل، ثم نادى على (كاندي) فلبى النداء وأتى مسرعا يهز زيله وهو غافل عن ما يدبر له .. فحمل جارنا الحبل ووضعه حول عنقه وربطه أعلى الغصن .. ظلت قوائمه ترفس برهة قبل أن تهمد حركته ويفارق الحياة وسط دموعنا وآهات حزننا ..
على العكس من علاقتنا الجميلة بـ (كاندي) ونهايتها الحزينة، كانت علاقتنا بكلب جيراننا الذين يقطنون في نهاية الشارع، فقد انطبق عليه وصف (ترى الكلب الهزيل فتزدريه وفي أثوابه أسد هصور) فرغم هزاله ونحافته الظاهرة إلا أنه كان شرسا نبّاحا وقاطع طريق من الدرجة الأولى، وكان يحبس علينا درب المدرسة الذي يمر ببيته مما يضطرنا لـ عوج الدرب هربا من أنيابه، التي كان يتباهى علينا باستعراض (سنانتها) ومضائها كلما أجبرتنا الظروف للمرور بين يديه، وكم تجندنا و(اندرشنا) على وجوهنا جراء مطاردته لسكّاكاتنا النحيلة ..
ورغم مضي سنوات على رحيل ذلك الكلب غير مأسوف على شبابه، فما زلنا نحفظ له حادثة طريفة كان بطلها شقيقنا الصغير .. ففي ذات عصرية وبينما كل منّا منشغل بشغلة ما، إذ بنا نسمع صرخات شقيقنا المدوية تأتي من الشارع مختلطة بنباح جرقاس .. تدافعنا نحو باب الشارع الذي كان مغلقا، وقبل أن نصله فوجئنا بالصغير وقد تشعبط متسلقا الباب إلى أعلاه، ويبدو أنه وبحسبة صغيرة، وجد أن الزمن الذي سيأخذه منه فتح الباب، سيوصل الكلب الى قدميه، ففضل تسلق الباب على محاولة فتحه !
رفعنا رؤوسنا إليه وصحنا مستفسرين في جزع:
مالك يا ولد ؟!!
فأجابنا بصرخات هستيرية مبهمة لم نفهم منها حرفا، حتى فسّرها لنا لاحقا بعدما فتحنا له الباب وأنزلناه من علياءه .. فقد كان يحاول أن يحكي لنا عن مطاردة الكلب له، وفي نفس الوقت يطمئننا على عدم أصابته بالسوء عندما لاحظ الجزع الشديد الذي كنا نعانيه .. قال، أنا كنتا قاعد أقول ليكم:
سكّاني ما عضّاني .. سكّاني ما عضّاني ..
ففهمنا أنه يقصد أن يقول: (الكلب سكّاني لكن ماتخافوا علي شديد لأنو ما عضّاني) !
لطائف – صحيفة حكايات
munasalman2@yahoo.com
لك التحيه ياستاذة على المواضيع الحيه وحقيقه ان الكلاب تسبب الام كثير لصغار وانا واحد من هولئك الذين اتالموا كثير من مطاردة الكللاب له واتذكر ان كنت فى مرة اشتريت شنطة جديده وكنت مبسوط بيها ويا فرحه ماتمت عندما كلب جارنا انبرى لمضاردتى فما كان منى الا ان ضربته بالشنطه ومسك فيها باسنانه والبقيه معروفه لسه بتحسر عليه
شكرا ست مني ..
وأنا طبعا ما بخاف في الدنيا الا حاجتين … الكلب لأني ضقت عضة بت كلب
والتانية : طبيب الاسنان ، لكن دة بخاف منو ليه والله ما عارف …
كان لدينا استاذ وجار لي صعب جدا اسمه محمود طه حتى أننا أطلقنا إشاعة على طلاب مدرسة، معظمهم من فئة معينة من سكان السودان، أخرى كان يعمل هو فيها قولهم ” أنا بخاف بس من الله ومحود طه والكلب”. بوركت استاذتي منى