عن الحمير والبكاسي والزمن الجميل
يحكى أن السودانيين (انشبكوا) في السنوات الأخيرة في حالة من (النوستالجيا الحنين إلى الماضي)، أظهرتها بوضوح حمولات المعنى للمصطلح المستخدم بكثافة في مواقع التواصل الاجتماعي، وفي الصحف اليومية، والقنوات الفضائية المحلية، فقد تجد صفحات كاملة تحت مسمى (صور السودان القديم)، (السودان زمان)، (حليل الزمن القديم)، (السودان الجميل.. بالأبيض والأسود)، وهكذا ناهيك عن المقالات والحوارات والدراسات التي تدور كلها حول هذا المحور، الشوق والحنين إلى سودان ما قبل أربعة عقود أو أكثر، وكأن الواقع الآن لا يعدو أن يكون (كابوسا) فظيعا الكل يحاول الهروب من أمامه والعودة إلى الماضي، رغم أن بعض هذا الكل لم يعرف أو يشاهد السودان القديم إلا في هذه الصور (البديعة) ذات اللونين أبيض وأسود.
قال الراوي: قد تبدو مسألة هذه النوستالجيا السودانية المزمنة، حين النظر إليها بعين التفحص سلبية جدا، فأن تحن إلى الماضي هروبا من الحاضر وتقصي المستقبل من تفكيرك، فهذا يعني أن حالة من مرض الاكتئاب الحاد قد أصابتك، وفي هذه الوضعية، يصبح المرض اكتئابا جمعيا، مما يعني أن روح الحياة بدأت تذبل داخل السودانيين وتفسح المجال لحالة من الموات الذي يوصف بأنه (الموت بالحياة) وهو أخطر أنواع الموت. بالطبع هذه زاوية للنظر لهذا (الحنين)، والزواية الأخرى تؤشر بوضوح أيضا إلى تنامي (الرفض) لدى السودانيين، رفضهم لكل أوضاعهم الحالية، الذي يترجم في نوستالجيا الماضي؛ الرفض الذي لو وظف جيدا قد يقود إلى (ثورة) مجتمعية ونفسية و(تاريخية) تحاول إعادة الأشياء إلى مسارها الطبيعي (الزمن الجميل) حتى يتصل الماضي بالمستقبل متجسرا الحاضر.
قال الراوي: وقيل إن أحد المسؤولين الكبار عيَّر السودانيين بالنقلة الحضارية التي حدثت في بعض القرى والحلال والفرقان وليس المدن؛ بالانتقال من ركوب (الحمير) إلى ركوب (البكاسي)، وكأنه أحد شركاء شركة تويوتا التي تملأ مركباتها فيافي وأرضي السودان، وبغض النظر عن نبرة التعالي والمن في لغة هذا المسؤول، فيبدو أنه لا يدرك أن متغيرات التطور الطبيعي من (حولنا) وكد واجتهاد الناس هي التي أركبتهم السيارات والبكاسي وليس سياساته (المعطوبة)، كما إنه قد لا يدرك أن هؤلاء الناس (السودانيين) وأثناء عذاب حياتهم اليومي كم يتمنون لو عاد بهم الزمن إلى وقت الحمير (الجميل) بدلا من هذا الزمن (الأغبر)!
ختم الراوي؛ قال: الحمار أكثر حميمية ورحمة من الحديد، دون أدنى شك.
استدرك الراوي؛ قال: كم أحن لـ(حمار) الزرع وكسرة الذرة الهنية.
[/JUSTIFY]أساطير صغيرة – صحيفة اليوم التالي