وزارة الصحة .. هي فوضى وليست مخالفات
قبل سنتين تقريباً كنت أضحك وأنا أطالع حواراً صحفياً مع وزيرة الصحة بولاية نهر النيل على خلفية طبيب عطبة المزيف – أقرتفيه بأنها ليست المرة الأولى التي يزعم فيها شخص أنه طبيب بمستشفى عطبرة، لكنها عادت لتطبطب على المواطن باستدراكها بأن هذا الادعاء لا يتجاوز في الغالب كتابة روشتة.
ما أضحكني في إفادة سامية، هو استدراكها بالتحديد، وليتها لم تستدرك، حيث أقر سائق الركشة الذي هو (جراح بعطبرة) أقر أنه أجرى بين بورتسودان وعطبرة أكثر من (300)، إن أول جراحة يجريها سائق الركشة كانت لامرأة أتبراوية من حي بانتو طبعاً ببنج كامل، إذ قال عنها (والحمد للها لعملية نجحت وكنت اتابع حالتها فى العنبر). إذاً الأطباء المزيفون لا يقفون في حدود كتابة الوصفات الطبية، بل يضلعون بمهام أخرى أكثر تعقيداً كأجراء العمليات الجراحية واستخدام المشارط الحادة والمقصات وما إليها.
حسناً، ليس هنالك تفسير لاندساس سائقي ركشات وبصات سفرية وشاحنات ثقيلة، وسط الأطباء والقيام (على أكمل وجه) و بثقة تامة بما يليهم، إلاّ واحداً وهو أن وزارات الصحة الولائة والاتحادية (ما شايفها شغلها)، وهذا ما أكد عليه وزير صحة الخرطوم مأمون حميده أول أمس، حيث كشف عن ما اسماها تجاوزات ومخالفات تجري بين ظهراني وزارته أعظمها شأناً ضبط أشخاص ينتحلون صفة الطبيب، إلى جانب تسرب الإشعاعات في ستة عشر مستشفى، وإغلاق مستشفيات خاصة بسبب أخفاقها في حفظ الدم، وعيادات تجري جراحات دون ترخيص، واختصاصين يتهربون من العمل الحكومي (رغم تقاضيهم رواتب) إلى عملهم الخاص.
وما بين طبيب أتبرا المزيف وأطباء الخرطوم (المضروبين)، يموت المرضى، و تقطع أحشاءه بالمقصات الصدئة غير المعقمة، وتغلق بطنه وفي داخلها مشارط وأقطان (طويلة التيلة).
ما أسماها وزير الصحة بالمخالفات، ليست كذلك، هي فوضى ضاربة بأطنابها، هو فساد إداري متجذر، عبث بأرواح الناس الذين ما عادوا يثقون في الأطباء، وكيف لهم أن يثقوا في شخص (مجهول الهوية)، كيف لهم أن يعرفوا أن الذي يفحصهم يفتح بطونهم و ويحيك بـ(عصب متين) جراحهم، ويحرر لهم روشتات الأدوية، هو طبيب متخصص وليس سائق ركشة أو بائع ترمس؟
كيف تعتبر وزارة (تشتغل) في ترميم حيوات البشر و إشفائهم من أعطابهم الجسدية والنفسية ما يحدث محض مخالفات، إن ما يحدث كارثة حقيقة، كارثة تستدعي جرجرة الطبيب الذي يأخذ راتبه من دافع الضرائب (ثم يزوغ) إلى عيادته الخاصة، وتستدعي التحقيق في تسرب الإشعاعات وتخثر الدماء، وتستدعي أن يعطى المريض الحق الطلب ممن يفحصه بإبراز هويته حتى لا يقع تحت مشرط بائعة (لقيمات) أو مقص (ترزي).
[/JUSTIFY]الحصة الأولى – صحيفة اليوم التالي