صبراً آل خبز وقمح وتقاوى
بالتزامن مع أزمة الخبز الحادة، وما تشهده الخرطوم من طوابير انتظار طويلة يُشكلها المواطنون للحصول على حصتهم من الخبز، حتى أن بعضهم اضطر لتوفيره من السوق السوداء بضعف سعره، وتصريح رئيس اتحاد المخابز الطيب عثمان ليومية (التغيير) أمس، أن اتحاده أبلغ الحكومة بأن الوضع خطير، ونفى أن يكون اتحاده طرفاً في الأزمة. بالتزامن مع كل هذا برزت قضية فساد تقاوى القمح من صنف (إمام) التركي، التي كان قصب السبق فيها ليوميتنا هذه، لتزيد (طين) الرغيف بلة، وطين الاقتصاد وحلا ولزوجة، أما المزارعون الفقراء المساكين فما عليهم إلاّ الصبر وتحمل أوزار غيرهم من المفسدين في الأرض.
المزارعون بحسب تقرير الزميل بهرام عبد المنهم (عدد أمس) من يوميتنا هذه، خرج الآلاف منهم من دائرة الإنتاج، إذ تآكلت رؤوس أموالهم لدرجة الصفر، وأصبحت مزارعهم صعيداً خرِباً، وها هم الآن يقبلون أكفهم على ما أنفقوا فيها ليتضح لهم أن جهة ما أوقعتهم في فخ عظيم.
المُدهِش في تداعيات قضية التقاوى الفاسدة أن يصدر بيان (إعلاني) من اتحاد عام مزارعي السودان، مدفوع القيمة ومنشور في العديد من الصحف، من أجل دعوة المزارعين إلى الصبر (حتى يتبين الرشد من الغي) بعد صدور قرار اللجنة الفنية التي توجهت إلى مشروع الجزيرة لتقصي الفساد على أرض الواقع. وفي الوقت الذي يناشد فيه أعضاءه انتظار قرار اللجنة الفنية، يحمل مسؤولو الاتحاد فساد التقاوى لوزارة الزراعة والري ممثلة في فريقها الفني الذي بعد أن فحص (تقاوى إمام) أكد أن عالية الجودة وأن نسبة إنباتها تفوق الـ(95%).
إذن، الاتحاد يعرف الجهة التي تتحمل فساد التقاوى (وزارة الزراعة)، ويقر بذلك صراحة في بيانه (الإعلاني)، بل وينفي مسؤولية الفساد عن البنك الزراعي، فما فائدة اللجنة الفنية؟ غير المزيد من الصرف وهدر الوقت والجهد؟
كنت أتوقع أن يذهب اتحاد المزراعين إلى رفع دعاوى قضائية ضد من اعتبرهم مسؤولين عن تمرير التقاوى الفاسدة، وأن يدعو عضويته إلى مساندته ودعمه حتى يجبر لها كسرها ويعيد إليها حقها، لكن لم يفعل ولن يفعل وسيظل يطعن ظل الفيل وينتظر أن يرى دمه مسفوحاً.
على كلٍّ، ربما تكون دعوة الاتحاد لعضويته بالصبر على ما حاق بهم منسجمة مع دعوات أخريات (رسمية) في الغالب، تحاول إخضاع قضايا (بشرية دنيوية) إلى مشارط جراحية مثقفة بقيم عليا ومثالية، تحاول عبرها تكريس حالة تغبيش الوعي بالحقوق والمطالبة بها، ودفنها رويدا ريدا بالتقادم. وصبراً آل (قمح وخبز وتقاوى).
الحصة الأولى – صحيفة اليوم التالي