متى وكيف تطلق النار.. بعد 7 سنوات من نشرها يوناميد تحتاج لرئيس “يبيض” فضيحة “التستر”
منذ نشر يوناميد والاتهامات تلاحقها بعجزها عن حماية المدنيين، في الغالب من الحركات المسلحة وأحيانا من الحكومة، كما كان عليه غضبة رئيس السلطة الإقليمية لدارفور، التجاني السيسي، في مارس من العام الماضي، عندما كانت قوات يوناميد تتفرج على قوة تابعة لحركة عبد الواحد محمد نور وهي تختطف ممثلين للنازحين كانوا تحت الحماية التي يفترض أنها أممية وهم في طريق سفرهم للمشاركة في مؤتمر العودة الطوعية الذي نظمته سلطة السيسي بمدينة نيالا.
وبين هذه وتلك كان مسؤولو البعثة صامتين دون أن تجد هذه الاتهامات التفاتة دولية، لكن الأمر أخذ منحىً آخر باستقالة البصري العام الماضي احتجاجا على ما رأت أنه “تستر” من البعثة على جرائم ارتكبتها القوات الحكومية والحركات المسلحة بحق المدنيين.
ورغم أن اتهامات البصري حشرت البعثة في خانة “وشهد شاهد من أهلها” إلا أن البعثة والمؤسستين الأممية والأفريقية تأخرتا في الاستجابة لطلبها تشكيل لجنة تحقيق رسمي، فآثرت المتحدثة السابقة أن تدفعهما دفعا لذلك وهي تقود ما يمكن أن يطلق عليه حملة إعلامية بدأتها في أبريل الماضي وهي تتصدر مجلة (فورين بوليسي) لتحكي فصولا من رواية “التعتيم” الذي قالت إن البعثة تمارسه حيال الحقائق على الأرض المحروقة.
شيئا فشيئا كانت البصري تتصدر نشرات كبيرات وسائل الإعلام الغربية، ولم يجد كي مون مع ذلك مخرجا غير الإعلان عن تشكيل لجنة تحقيق في يوليو الماضي.
وبعدها بأسابيع أعلن كي مون مون نقل شمباس ليرأس مكتب الأمم المتحدة في غرب أفريقيا، وبالطبع دون تحديد أي أسباب للقرار وهي المهمة التي تكفل بها آخرون ربطوا بين القرار وما وصفوه فضيحة التستر.
فالقرار بالنسبة للمحلل السياسي، آدم محمد أحمد، هو “محاولة لاستباق نتائج التحقيق التي ستكشف الإخفاقات الكبيرة للبعثة وعجزها عن حماية المدنيين” لكن المتحدث باسم البعثة أشرف عيسى يقول إنه “لا توجد على الإطلاق علاقة بين القرار والاتهامات الموجهة للبعثة”.
وفيما يسترسل أشرف مدافعا عن بعثته بالقول إن “نقل رؤساء البعثات إجراء عادي ومتعارف عليه ويجريه الأمين العام من فترة لأخرى، ونقل شمباس يأتي في هذا السياق”، يحيلنا أحمد إلى ما يراه السؤال الأهم.. “هل استطاعت البعثة حماية المدنيين فعلا خلال سبع سنوات من نشرها؟”.
الإجابة عند أحمد هي “لا” ومن بين أسباب ذلك التفويض الممنوح لها والذي يقيد استخدامها للقوة للدفاع عن المدنيين، بينما يطلق يديها لاستخدام القوة للدفاع عن منسوبيها.
وبالمقابل يستشهد عيسى بمرات كثيرة قال إن البعثة استخدمت فيها القوة لحماية المدنيين بناءً على التفويض الممنوح لها تحت الفصل السابع والذي يتيح لها “استخدام القوة لحماية المدنيين تحت الخطر الداهم دون المساس بمسؤولية الحكومة في حماية مواطنيها”.
وبالطبع يمكن فض الاشتباك بين أحمد وعيسى من الشرط الملازم لاستخدام القوة لحماية المدنيين وهو “عدم المساس بمسؤولية الحكومة في حماية مواطنيها” وهو ما يمنح البعثة سلطة تقديرية تمكنها من حماية المدنيين أو تبرير عجزها عن ذلك متى سلطت عليها الاتهامات.
وبغض النظر عما ستؤول إليه لجنة التحقيق الأممية والتي لم يصل أي من أفرادها حتى الآن للسودان ولا زالت البعثة تزودها كما يحدثنا عيسى بالمستندات والبيانات التي تطلبها، فإن المؤكد أن البعثة لن تكون كما كانت عليه سابقا، موزعة على مهمتين، حماية المدنيين والوساطة بين الحكومة والحركات المسلحة، فاتهامات البصري سواء صدقتها اللجنة أو كذبتها نزعت منها الغطاء الأخلاقي على الأقل واللازم لأية عملية وساطة.
فالبعثة الآن وكما كانت من قبل نسبيا غير مؤتمنة لدى الحركات المسلحة حتى تقبل بوساطتها، وهذه فرضية يمكن القول فيها إن شمباس ومن خلفه الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي حاولوا معالجتها بتوصيته التي رفعها لمجلس الأمن الدولي بنقل الوساطة التي جرت العادة أن يقودها رئيس البعثة لتكون تحت مظلة الآلية الأفريقية رفيعة المستوى التي يقودها ثابو أمبيكي والمفوضة أصلا من الاتحاد الأفريقي لمتابعة تنفيذ اتفاقية الدوحة.
والمعالجة الثانية بالضرورة هي اختيار الرجل الذي سيخلف شمباس وسيرث منه كل هذا العبء والذي يفسر لماذا اتفق لبان كي مون ورئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي، نكوسازانا دلاميني زوما، أمس الأول تعيين النيجيري، أبيودون أولوريمي، نائبا لرئيس البعثة، بينما عزّ عليهما تسمية الرئيس الجديد.
فالراجح أن تعيين أولوريمي في المنصب الذي ظل شاغرا لأشهر، الغرض الأساسي منه هو قيادة البعثة عمليا ومنح المنظمتين الأممية والأفريقية وقتا أوسع لاختيار رجل بمقدوره تحمل هذا العبء، وتبييضه أيضا. وهذه مهمة ليست سهلة وسط القادة الأفارقة الذين يقول عنهم أحمد إنهم “يفتقرون للنزاهة” لكن تحتم تركيبة البعثة أن يكون رئيسها منهم.
محمد الخاتم: صحيفة اليوم التالي
ي.ع