تحقيقات وتقارير

ورطة جامعة” “كوسو” غائب والجدل يحتدم حول قرار تنظيم النشاط السياسي

[JUSTIFY]قبل نحو ستة شهور وبضعة أيام وتحديدا في الحادي عشر من مارس الماضي بدأت محنة جامعة الخرطوم وأزمتها حينما وقعت أحداث عنف دامية أدت بدورها إلى مقتل الطالب (علي أبكر موسى) القادم من منطقة (مركندي) التابعة لمحلية (عدالفرسان) بولاية جنوب دارفور والذي يدرس في المستوى الثالث بكلية الاقتصاد..

عقب الأحداث الدامية ارتفعت وتيرة التصعيد الطلابي وبلغ الاحتقان مداه بسبب دخول الطلاب في اعتصام مفتوح عن الدراسة، حينها قرر مجلس عمداء الجامعة تعليق الدراسة لأجل غير مسمى ودخول الجامعة في أزمتها التي لم تخرج منها بعد، منذها والوضع يراوح مكانه، إلى أن أعلنت إدارة الجامعة استئناف الدراسة مطلع سبتمبر الجاري. قبل أسبوع تقريبا أصدر بروفيسور صديق حياتي مدير جامعة الخرطوم قرارا بتجميد النشاط (السياسي والثقافي والاجتماعي) للطلاب داخل الحرم الجامعي، ورهن القرار النشاط السياسي داخل الجامعة بالحصول على إذن من عمادة شؤون الطلاب. وأرجع حياتي قرار حظر وتجميد النشاطي السياسي والاجتماعي والثقافي لعدم وجود البيئة والمناخ الملائم لممارسة النشاط الطلابي، منوها إلى أنه حال توفر الأجواء المناسبة فإن النشاط الطلابي داخل الحرم الجامعي سيعود على ما كان عليه. ووجه حياتي الجهات المختصة بوضع القرار موضع التنفيذ فورا، داعيا إلى تطبيق وتفعيل لائحة سلوك الطلاب على كل من تثبت مخالفته لقرار حظر وتجميد النشاط الطلابي داخل الحرم الجامعي.

وفي أول ردة فعل بعد صدور القرار بيوم واحد فقط أقام تجمع حاشد من طلاب جامعة الخرطوم مخاطبة طلابية بساحة كلية الآداب تناولت مجمل القضايا الطلابية بالجامعة، وتناول المتحدثون في المخاطبة المعاناة التي لحقت بالطلاب عقب قرار مجلس العمداء بإغلاق الجامعة لأجل غير مسمى. الطلاب الغاضبون عن القرار أعلنوا في مخاطبتهم الحاشدة رفضهم لقرار مدير الجامعة القاضي بحظر النشاط السياسي والثقافي والاجتماعي داخل أسوار الجامعة واعتبروا الخطوة تهدف إلى تحجيم دور الطلاب الطليعي، إلى جانب أنها تمثل أعلى درجات التعدي على حريتهم وكرامتهم، حسبما قالوا، واعتبروا القرار هروبا من قبل إدارة الجامعة من تحقيق مطالب الحركة الطلابية ومحاولة لتكميم الأفواه وهضم الحقوق.

حركة الطلاب الإسلاميين الوطنيين الجناح الطلابي لحزب المؤتمر الوطني الحاكم بدورها رفضت القرار وأمهلت مدير الجامعة فترة (72) ساعة تنتهي مساء اليوم (الجمعة) لسحب قراره القاضي بحظر النشاط الطلابي داخل الجامعة، وقالت الحركة إنها ستقوم بتعبئة سياسية لكل الطلاب وحشد التنظيمات السياسية لكسر قرار إدارة الجامعة، وطالبت مدير الجامعة بتقديم استقالته حال عجزه عن إدارة العمل السياسي بها واتهمته بتغييب اتحاد الطلاب الذي بدوره قاد إلى تدهور العمل السياسي بالجامعة..

وفي السياق قال محمد الفاتح الأمين العام للحركة بجامعة الخرطوم في تصريحات صحفية إن قرار حظر النشاط الطلاي يمثل مؤشرا خطيرا لقمع الحريات التي تنادي بها الدولة، واعتبر القرار سيحول الجامعة إلى (مدرسة ثانوية) فضلا عن أنه كان صادما لكل الطلاب بمختلف توجهاتهم السياسية مؤكدا أنهم مع تنظيم العمل السياسي وضد تجميده.

في الأثناء يؤكد عبدالملك النعيم مدير الإعلام بجامعة الخرطوم أن إدارة الجامعة لم تحظر النشاط، وإنما أصدرت قرارا لتنظيمه بعد أخذ الإذن من عمادة شؤون الطلاب وفقا للوائح وبحسب قرار المدير القاضي بتنظيم عملية النشاط وليس حظره، مبينا أن إدارة الجامعة أصدرت قرار تنظيم النشاط كي لا تؤثر الأنشطة المختلفة على سير العملية الأكاديمية داخل الجامعة. وأوضح النعيم أن فكرة الإذن الغرض منها تنظيم النشاط وتوفير المكان المناسب للنشاط، ونفى أن يكون الطلاب قاموا بكسر حظر النشاط مؤكدا أن جميع الأنشطة التي قام بها الطلاب في مجمعات (الوسط والتربية وشمبات) كانت بإذن من عمادة شؤون الطلاب وبموافقتها، وكشف عن تهيئة العمادة لدار اتحاد طلاب جامعة الخرطوم لممارسة النشاط الطلابي بدون إذن تفاديا للاحتكاكات.

وفي الضفة المغايرة انتقد الدكتور محمد يوسف أحمد المصطفى أستاذ علم الاجتماع بالجامعة قرار المدير القاضي بحظر النشاط ووصفه بأنه ليس له معنى واعتبر أن فيه تقييدا للحريات، مبينا أن تجميد النشاط إلى حين تهيئة المناخ والبيئة الجامعية المناسبة كان يحتاج لمزيد من الدارسة والتأني، مؤكدا أن تنفيذه سيكون مستحيلا لجهة أنه يمضى في اتجاه عكس خيار تطور الجامعة التي كانت منذ تأسيسها مكانا للأنشطة المتعددة.. وحمل يوسف إدارة الجامعة والحكومة مسؤولية تهيئة البيئة الجامعية المناسبة للطلاب وتابع قائلا: “لا يمكن أن يدفع الطلاب ثمن عجز إدارة الجامعة والحكومة في إصلاح البيئة الجامعية”.. وشدد على ضرورة إصلاح البيئة الجامعية التي وصفها بأنها (معطوبة ومأزومة ومعكرة).

وينظر بعض المراقبين والناشطين للخطوة التي أقدم عليها مدير الجامعة بأنها محاولة لتحجيم الدور الطليعي لطلاب جامعة الخرطوم في الحراك السياسي والتغيير المنشود.. وتوقعوا أن تقود الخطوة إلى صدام بين إدارة الجامعة والتنظيمات السياسية الطلابية داخل الجامعة لجهة أن القرار أفرز حالة من التذمر وسط الطلاب بعد أن شهدت مجمعات (التربية وشمبات والوسط) حراكاً سياسياً تمثل في المخاطبات التي هدفت إلى كسر قرار مدير الجامعة.

إلى ذلك أرجع بعض الطلاب تدهور الأوضاع في الجامعة لغياب اتحاد طلاب جامعة الخرطوم الشهير بـ(كوسو) الذي يعود تكوينه إلى جمعية الثقافة والإصلاح بكلية غردون في عام 1939م والتي كانت الشرارة الأولى لاتحاد طلاب جامعة الخرطوم.. وجاء أول اتحاد في فبراير من عام 1941م.. ويعتبر اتحاد طلاب جامعة الخرطوم من أقوى الاتحادات في السودان وعرف منذ نشأته بدوره الرائد في قيادة المجتمع والحياة السياسية بالبلاد. وبعد تجميده لفترة تجاوزت الـ(13) عاما عاد في العام 2003م واستمر حتى عام 2007م لفترة أربع دورات متتالية الأمر الذي جعل الجامعة تشهد استقرارا تاما إلا أنه غيب لفترة عام كامل ليعود مرة أخرى في عام 2008م في ظل معطيات مليئة بالشد والجذب بين التنظيمات السياسية ومنذ ذلك ظل غائبا حتى الآن.

وبالنظر إلى اتحاد طلاب جامعة الخرطوم نجد أنه لعب أدوارا بطولية في تاريخ السودان ومنذ نشأته عرف بدوره الرائد في قيادة المجتمع وقيادته عبر كل المنحنيات السياسية التي حقق أهدافها وفي أكتوبر 1964م شارك الاتحاد مشاركة فعالة في تسطير تلك الملحمة التاريخية وإسقاط نظام عبود، كما ساهم مساهمة فعالة في انتفاضة 1985م التي أطاحت نظام مايو.

والحال كذلك، لربما كانت ورطة الجامعة بالفعل من غياب المنبر النقابي (كوسو) وصدور قرار حظر النشاط السياسي الذي زاد الأمور تعقيدا وجعل الخيارات مشرعة بين الرفض والقبول، وأدخلت الجامعة في جدل محتدم ربما يتطاول أمده ويأتي بردود أفعال عكسية ربما عادت بها إلى المربع الأول.

عبدالرحمن العاجب: صحيفة اليوم التالي
[/JUSTIFY]

تعليق واحد