اجرِ يا نيل الحياة سيرة النهر العظيم.. حبشي اللون كجيرته من منبعه وبحيرته
يقول الشاعر: “فأحياناً يؤدبهم إذا ما خالفوا الأدبا/ ويهديهم إلى الرشد فيضحى أمرهم عجبا)، ويقول آخر: (نحن السمر أبونا النيل والكل سودانية).
وأهم فروع النيل هما الأزرق والأبيض، والبعض يسمى النيل الأزرق بالنهر الشاب لأنه في زمن الفيضان يكون في حالة اندفاع وثورة، وحسب تقارير منظمة الفاو التابعة للأمم المتحدة في مساهمة النيل الأزرق في مياه النيل تبلغ نحو 80% إلى 85% في حالة الفيضان، وفي الحالات الدنيا تنخفض إلى 70%، والنيل الأزرق يحمل معه كميات كبيرة من الطمي يخلفها على شاطئيه ليكسو الأرض جمالاً وخصوبة.
منافع متبادلة
يقول الشاعر: “حبشي اللون كجيرته من منبعه وبحيرته/ سبغ الشطين بسمرته لوناً كالمسك وكالعنبر”. إن معظم السدود في السودان مقامة على النيل الأزرق منها الروصيرص سنار خشم القربة، وبالتالي تكثر فيه المشاريع الزراعية خاصة مشروع الجزيرة والرهد. ينبع النيل الأزرق من بحيرة تانا ثم ينحدر إلى سهول السودان وتربطنا علاقات وطيدة مع الجارة إثيوبيا فعندما حرق المك نمر إسماعيل باشا وصحبه هاجر من المتمة إلى إثيوبيا، حيث أكرمه ملك إثيوبيا، ومنحه قطعة أرض شيَّد عليها مدينته وسماها المتمة. والآن أقام بعض المستثمرين السودانيين مصانع ومشاريع في إثيوبيا، ويوجد شارع أسفلت شُيِّد حديثاً من أجل تسهيل التجارة بين البلدين وخاصة تعتمد إثيوبيا في وارداتها وصادراتها على ميناء بورتسودان لأنها دولة لا شواطئ لها، فالمنافع متبادلة وعلينا توثيقها أكثر وأكثر، وبأن لا نجعل سد النهضة يعكر صفو العلاقات بيننا .
سرقة المياه الجوفية
مصر الشقيقة تبحث دائماً عن مصالحها وخاصة مياه النيل، وعلينا أيضاً أن نبحث عن مصالحنا، وأود أن أسرد بعض الحقائق عن مياه النيل: مع بداية الصراع على مياه النيل والشروع في بناء سد النهضة، حيث تتهم مصر إسرائيل بأنها وراء ذلك نسبة لحاجة إسرائيل إلى توطين اليهود في صحراء النقب، وهي تبحث عن الماء، وحسب ما ورد في ندوة المهندسين المصريين عام 1991م بأن إسرائيل تقوم بسرقة المياه الجوفية من سيناء بعمق 800 متر من سطح الأرض بحفر آبار أرتوازية.
اتفاقية مياه النيل عام 1929م، تنظم العلاقة المائية بين مصر ودول حوض النيل (أيام الإمبراطورية البريطانية والتي كانت تحكم بريطانيا مصر والسودان). وهنالك بنود تخص العلاقة المائية بين مصر والسودان، وردت على النحو التالي:
إن الحكومة المصرية شديدة الاهتمام بتعمير السودان وتوافق على زيادة الكميات التي تستخدمها السودان من مياه النيل دون الإضرار بحقوق مصر الطبيعية والتاريخية في تلك المياه. ألا تقام بغير اتفاق سابق مع الحكومة المصرية أعمال ري أو توليد قوي أو أي إجراءات على النيل وفروعه أو على البحيرات التي تنبع سواء من السودان أو البلاد التي تقع تحت الإدارة البريطانية من شأنها إنقاص مقدار المياه الذي يصل لمصر أو تعديل تاريخ وصوله أو تخفيض منسوبه على أي وجه يلحق ضرراً بمصالح مصر.
تقدم جميع التسهيلات للحكومة المصرية لعمل الدراسات والبحوث المائية لنهر النيل في السودان، ويمكنها إقامة أعمال هناك لزيادة مياه النيل لمصلحة مصر بالاتفاق مع السلطات المحلية. أما اتفاقية 1959م فتنص على احتفاظ مصر بحقها المكتسب من مياه النيل وقدره 48 مليار متر مكعب سنوياً، وكذلك حق السودان المقدر بأربعة مليارات متر مكعب سنوياً.
موافقة الدولتين على قيام مصر بإنشاء السد العالي وقيام السودان بإنشاء خزان الروصيرص على النيل الأزرق، وما يستتبعه من أعمال تلزم السودان لاستغلال حصته. كما نفى هذا البند على توزع الفائدة المائية من السد العالي والبالغة 22 مليار متر مكعب سنوياً توزع على الدولتين، بحيث يحصل السودان على 14.5 مليار متر مكعب، وتحصل مصر على 7.5 مليار متر مكعب ليصل إجمالي حصة كل دولة سنوياً إلى 55.5 مليار متر مكعب لمصر و18.5 مليار متر مكعب للسودان.
فاقد الشيء لا يعطيه
قيام السودان بالاتفاق مع مصر على إنشاء مشروعات زيادة إيراد النهر، يهدف لاستغلال المياه الضائعة في بحر الجبل وبحر الزراف وبحر الغزال وفروعه ونهر السوباط وفروعه وحوض النيل الأبيض، على أن يتم توزيع الفائدة المائية والتكلفة المالية الخاصة بتلك المشروعات مناصفة بين الدولتين.
الاتفاقية التي تم توقيعها في عام 1929 كانت كل تلك تحت الاحتلال البريطاني، وبالتالي لم تبرم تلك الدول هذه الاتفاقية، لأنه لم تكن هنالك حكومات قومية، فكيف تعطي بريطانيا هذه الحقوق لمصر، بينما تلك الموارد ليست ملكاً لها (وفاقد الشيء لا يعطيه)، وكل دول حوض النيل طلبت عدم الاعتراف بتلك الاتفاقية، ولا بد من توقيع اتفاقية جديدة، حيث أنها أصبحت دول كاملة السيادة، فمن حقها إعادة النظر في الاتفاقية المذكورة.
ولنا ملاحظة في اتفاقية 1929 الذي أعلن السودان عدم الاعتراف بها والحقوق التاريخية المكتسبة الذي تتمسك بها مصر، وهي منذ الاستعمار البريطاني بمعنى هذه الحقوق التاريخية المكتسبة قد منحها الاستعمار البريطاني لمصر.
إن مصر عزيزة علينا ولكن اتفاقية عام 1929 كانت مهينة للسودان، فلا يستطيع مزارع الحصول على سحب قطرة من نهر النيل، إلا بعد الموافقة المسبقة من إدارة الري المصري، وبالرغم من أن السودان لم يستخدم حصته كاملة من مياه النيل حسب ما ورد في تقارير الفاو، فكيف يأخذ إذناً مسبقاً من الري المصري.
اليوم التالي
خ.ي