سياسية

قرار وزارة الخارجية الصائب تأخر إصداره !!

[JUSTIFY]أصدرت وزارة الخارجية في الأيام القليلة الفائتة قراراً بإغلاق المركز الثقافي الإيراني وكل الفروع التابعة له بالسودان وأمهل العاملين بهذه المراكز مدة اثنين وسبعين ساعة لتنفيذ هذا القرار. ووضحت وزارة الخارجية في قرارها هذا أن هذه المراكز حادت عن مجال تخصصها ومهامها المحددة وجعلت غاية همها نشر التشيع ومدخلهم الناعم لهذا هو دغدغة العواطف بالحديث عن حب آل البيت علماً بأن أهل السودان السنيين هم أكثر الناس حباً لخير البشر أجمعين حبيبنا المصطفى سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، ومن أكثرهم توقيراً للخلفاء الراشدين والصحابة والتابعين رضوان الله عليهم أجمعين ولآل البيت محبة خاصة عند السودانيين السنيين، ويتجلي هذا في أن أكثر الأسماء انتشاراً هي أسماء محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين.

ووضع قرار وزارة الخارجية فواصل بين الأشياء لئلا يتم الخلط بينها إذ لم تتم بموجب هذا القرار مقاطعة دبلوماسية بين السودان وإيران وستظل السفارة الإيرانية قائمة ككل السفارات الأخرى الموجودة بالسودان والقرار قاصر فقط على المراكز الثقافية التي ظلت تقوم بنشاط يؤدي لفتنة دينية بالسعي للتغلغل والتمدد بالتدريج ولسان حالهم يردد مشوار الألف ميل يبدأ بخطوة. وإن عدد سكان السودان يزيد على الثلاثين مليون نسمة وليست هناك إحصائية لعدد المتشيعين في السودان، ولكن يردد البعض أن عددهم بلغ عشرة آلاف، وهو عدد ضئيل بالنسبة للعدد الكلي للسودانيين ونسبتهم ضئيلة ولكن مع ذلك فإن هذا الرقم مخيف ويدعو للقلق إذ أن هذه البلاد السنية تعتبر أرضاً سبنخ لا يمكن أن ينبت وينمو فيها التشيع وفي تقديري أن عددهم أقل من ذلك كثيراً والرقم المشار إليه فيه تضخيم إذ قل أن يلقاك شيعي وإذا تمت عملية إحصاء فالمؤكد أن كثيراً من المحافظات«المحليات» بالسودان لا تجد في أي محافظة «محلية» شيعياً واحداً ومع ذلك فإن استئصال مسببات الفتنة في مهدها هو الأصوب. ولنا أن نتساءل هل إغلاق المراكز الثقافية الإيرانية يعني إيقاف مد التشيع واستئصاله أم أن تداول خبر هذا القرار وردود فعله الإيجابية في الداخل والخارج سيعقبه إحساس بالزهو والنصر وشعور باستئصال هذا النبت في هذه البلاد السنية، وتحت هذا الغطاء يتحول نشاطهم من العلن عبر مراكزهم الثقافية لنشاط مستتر والعمل السري أخطر من العمل العلني، وهم يتسمون بالحذر والتقية وإغلاق الباب أمامهم في الظاهر قد يؤدي لولوج تمويلهم ونشاطهم عبر النوافذ الخلفية، وبالطبع هناك أبرياء ليس لهم مطامع مادية أو دنيوية ولكنهم انساقوا وراء هؤلاء بعد دغدغة عواطفهم بحب آل البيت وهؤلاء ينبغي مد جسور الوصل معهم ومحاورتهم بالكلمة الرقيقة والأخذ والرد معهم بهدوء للرجوع للجادة، ولعل لبعضهم احتقانات ومظالم ينبغي النظر فيها ليزال عنهم الغبن، ولكن أخطر الأنواع وسط الشيعة أو غيرهم من الجماعات هم أهل المصالح والمطامع الدنيوية الذين يتخذونها مصدر ارتزاق «والباكية الحزينة ليست كالثاكلة الأجيرة».

ويوجد الشيعة بكثافة في بعض الدول العربية لا سيما العراق والبحرين والخليج ودول المشرق العربي ولا وجود يذكر لهم في السودان كما ذكرت آنفاً، ومع ضآلة عددهم إلا أن وجودهم غير مرضي عنه في هذه البلاد السنية وأزعج وجودهم هنا على قلته دولاً عربية أخرى فيها وجود شيعي بدرجات متفاوتة، ولعل الذي يزعجهم أكثر ويجعلهم في ريبة من أمرهم تجاه السودان هو إحساسهم بوجود علاقات مريبة في ظنهم بين السودان وإيران رغم أن السودان لم يجن شيئاً يذكر من هذه العلاقة في كل المجالات الحيوية المتعلقة بالزراعة والصناعة والتنمية، وليست لإيران بصمات تذكر في السودان في هذه المجالات وغيرها من المجالات الاقتصادية الحيوية، والذي يطفو للسطح هو الحديث عن السلاح والتسليح كما تدعي بعض المصادر الأجنبية غير الموثوق فيما تنشره، ويعتبرون أن الهجمات التي وجهتها إسرائيل للسودان في الشرق بضرب بعض العربات وتحطيمها واغتيال راكبيها وتوجيه ضربة سطحية لمباني مصنع اليرموك لم تنفذ لما بداخله هي وسائل إسرائيلية غربية تحذيرية من تنامي الشبهات حول العلاقات السودانية الإيرانية، وقد زار الرئيس الإيراني الأسبق رافسنجاني السودان قبل أكثر من عشرين عاماً قبيل إعادة انتخابه لدورة رئاسية ثانية وأعد له استقبال جماهيري ضخم بمدينة الحصاحيصا وصرح أحد أركان النظام الحاكم بأن نقل ذلك الاحتفال على الهواء مباشرة وإعادة بثه في إيران عدة مرات ساهم في فوز رفسنجاني في تلك الانتخابات بأغلبية مريحة على حد تصريح ذلك المسؤول، وتاريخياً فإن العلاقات العربية الفارسية قديمة وقد دخلوا في الإسلام في وقت باكر ومنهم صحابة أجلاء مثل سيدنا سليمان الفارسي، وحدث تلاقح بين الثقافتين والحضارتين الفارسية والعربية، وفي عهد الخليفة المأمون ضمت دار الحكمة أعظم الترجمات من الفارسية للعربية وبالعكس في شتي المعارف والعلوم. وفي عام 1975م أقام شاه إيران الذي كان جالساً على عرش الطاؤوس احتفالاً أسطورياً باذخاً واستعرض فيه قوة جيشه الذي كان يعتبر ثالث أو رابع قوة عسكرية في العالم، وبدأ بعد ذلك العد التنازلي للشاه الذي استنفد أغراضه بالنسبة لأمريكا والغرب وأضحى طريداً ورفض حلفاؤه الغربيون إيواءه، وقضى آخر أيامه منفياً بمصر. وعند عودة دكتور جعفر بخيت من احتفالات الشاه تلك كتب سلسلة مقالات بعنوان خواطر مسافر في فراديس الحضارات. وبعد حرب أكتوبر عام 1973م وقفل قناة السويس تضرر السودان كثيراً من هذا القفل وأدلى دكتور منصور خالد وزير الخارجية آنئذ بتصريح نشرته مجلة الحوادث البيروتية على عهد رئيس تحريرها الأستاذ سليم اللوزي، وأعلن عتابه للدول العربية البترودولارية لعدم مساهمتها في مساعدة السودان بترولياً ومادياً نتيجة لما لحق به من قفل قناة السويس، وذكر أن ما قدمته إيران «على عهد الشاه» في تلك الظروف يفوق ما قدمته كل الدول العربية البترولية، وسبب هذا التصريح حرجاً للسودان مع تلك الدول العربية وفي التعديل الوزاري الشهير الذي أعفي بموجبه عدد من كبار الوزراء من أركان النظام تم نقل دكتور منصور خالد لمدة عام من وزارة الخارجية لوزارة التربية والتعليم. وعند سقوط نظام الشاه وانتصار الثورة الإيرانية بقيادة الإمام الخميني وجد هذا الانتصار ارتياحاً عاماً وسط السودانيين. وقد حدث فتور في العلاقات بين السودان وبعض الدول العربية مرده للمواقف المتباينة حيال ثورات الربيع العربي لا سيما الجانب المتعلق بجمهورية مصر مع الريبة والحذر من العلاقات السودانية الإيرانية، وها هو النظام السوداني يسعى لترميم جسور الوصل مع أشقائه في المملكة العربية السعودية ودول الخليج، ونأمل أن تكلل بالنجاح والفلاح في ظل ترميم للسياسات والعلاقات الخارجية التي ينبغي أن يبنيها السودان كما تفعل باقي الدول على المصالح المتبادلة لا على العواطف والشعارات.

صحيفة الانتباهة
ت.إ
[/JUSTIFY]