حوارات ولقاءات

الوزير كمال عبد اللطيف (1): بورتسودان شهدت بواكير طفولتي وسني دراستي الأولى

[ALIGN=CENTER]59200941854AM4[/ALIGN]

يطلقون عليه العقل الذكي والمفكر وملك المتابعة هذا الرجل.. اطل فجأة الى العمل الواجهي.. وإطلالته على الواجهة .. لم تأت صدفة.. فلقد .. كان الرجل متميزاً.. منذ بواكير شبابه.. عرف بالهدوء .. وبالنبرة الهادئة.. وبالدقة في كل ما يوكل اليه من عمل او تكليفات.. ابناء دفعته من بورتسودان الحكومية الى جامعة الخرطوم كانوا من المتميزين واصبحوا نجوماً.. ومن صناع القرار في هذا العهد…
جاء الرجل من اسرة سودانية بسيطة.. وتفوق في كل مراحله الدراسية.. وعمل في مواقع كثيرة في القطاعين الخاص والعام.. وكان مبرزاً وناجحاً
وعندما عين وزير دولة بمجلس الوزراء.. ظهرت قدراته كاملة.. وكان احد الوزراء المبدعين في عملهم . تميز كمال عبد اللطيف الوزير الشاب بالهدوء التام بنبرته الهادئة.. وبكاريزما لافتة .. وبسعة صدر تسع كل الناس.
يقولون عنه انه رجل مرتب بشكل غير عادي وديناميكي بشكل ملحوظ.. ويأتي الى مكتبه مبكراً .. ويخرج متأخراً .. ولا يعتمد على التقارير المكتوبة. دائماً بعد ان يطلع على التقرير، يذهب بنفسه ليقف ميدانياً على موضوع التقرير وهذا ما لا يتوفر لدى كثير من المسؤولين.
استقاءً من عمله مع القيادات العليا للدولة. بدءاً من رئيس الجمهورية عندما كان مديراً لمكتبه بالمؤتمر الوطني ومن الاستاذ علي عثمان نائب الرئيس المسؤول عن العمل التنفيذي الذي يشكل كمال عبد اللطيف احد اهم اضلاعه ويقول.. كان تأثير الرئيس والنائب كبيراً على شخصي واكتسبت كل هذه المهارات من عملي معهما.. وهما متميزان بقدرات عالية.. وأفق وخيال بلا حدود. وقصدت ان اقدم الوزير كمال عبد اللطيف للناس.. في افادات مهمة.. لانه رجل لا يحب الاضواء ولا يحب ان يتحدث عن نفسه..لقد بذلت جهداً كبيراً في اقناع الرجل.. وكان بداية حواري معه.. من هو كمال عبد اللطيف..؟ لقد وجدت في مسيرة الرجل وسيرته ما يستحق ان يعرفه الناس عنه.. ومع اولى حلقات حوار الثلاث ساعات مع الوزير كمال عبد اللطيف.. كانت هذه الإفادات الثرة الزاخرة.
…………………………………………………………………………………………………….
? من هو د.كمال عبد اللطيف؟
– اسمي بالكامل كمال عبد اللطيف عبد الرحيم محمد عبد الرحمن ولدت في قرية منصوركتي في عمودية قنتي وهي وحدة إدارية من محلية الدبة بالولاية الشمالية، وأنا بديري دهمشي عيدابي، والدي ووالدتي من عمودية قنتي أيضاً، وولدت في أول فبراير 1957م، وبالتقويم العربي في الخامس من ربيع الأول، قضيت حياتي الأولي في بورتسودان، ومنذ العام 1948 كان والدي قد خرج من منصور كتي وعمل في الشرطة ببورتسودان، وتزوج والدتي في العام 1953م، طفولتي قبل التعليم الإبتدائي قضيتها في بورتسودان ودرست في روضة الشرطة هناك، وكانت تديرها سيدة قبطية تسمي مدام إرادة، ودخلت التعليم الإبتدائي، أقمت بقشلاقات الشرطة في حي المدينة وفي ديم موسي وفي الأسكلا,
? الإبتدائي والمتوسط والثانوي، أين درسته؟
– درست الإبتدائية في المدرسة الشرقية (أ) ببورتسودان، ودرست فيها أربع سنوات وفقاً للنظام القديم، وامتحنا من الأولية للوسطي ودرسنا في المدرسة الأهلية الحكومية ببورتسودان السنة الأولي والثانية متوسطة، عقب ذلك أتي نظام محيي الدين صابر الجديد، وحول السلم لأساس وإبتدائي وثانوي عام، واعتمدونا في أولى وسطى وثانية وسطى كصف خامس وسادس، وخضعنا لامتحان قبول عادي ودخلنا أولى ثانوي عام في ذات المدرسة، امتحنا للثانوي العالي ودرست الثانوي العالي في مدرسة البحر الأحمر الثانوية العليا في بورتسودان.
? أهي مدرسة أخرى ليست بورتسودان الحكومية؟
– هناك مدرسة بورتسودان الحكومية ومدرسة البحر الأحمر الحكومية.
? درست بها أسماء كثيرة جداً منها علي عبد الله صالح والفريق صلاح قوش وصلاح ادريس وغيرهم؟
– نعم، في السابق كان اسمها المعهد العلمي، وعندما أتت مايو حولت كل المعاهد إلى مدارس ثانوية عليا، فحولوها لمدرسة البحر الأحمر، ودرس بها كثيرون أبرزهم صلاح قوش، وقبلنا كان الفريق الهادي، وامتحنت منها سنة 76 ودخلت الجامعة.
? لابد أن تكون لك أنشطة في مجالات النشاط الطلابي في تلك المراحل، منها الرياضية والثقافية والإجتماعية، أماً منها كان يمارسه كمال عبد اللطيف، ومن تذكر من زملائك في تلك المراحل ومن كان منهم بارزاً ولا يزال؟
– عندما أتينا للوسطى كان هناك نشاطان بارزان هما النشاط الثقافي والرياضي، الأول تمثل في الجمعية الأدبية التي تعقد يوم الإثنين من كل أسبوع، وفي الثانوي العام والوسطى كان لدينا مذاكرة مسائية تبدأ عند المغرب، وكانت إلزامية للجميع وتمتد لساعتين، من الخامسة للسابعة في الشتاء، وفي الصيف من السادسة للثامنة، كانت كل أيام الأسبوع عدا الخميس، وفي يوم الإثنين كانت الجمعية الأدبية، وكنت أشارك في الجمعية الأدبية عبر المسرح كممثل وكنت عضواً في فرقة مسرحية بالمدرسة الأهلية، ومثلت في مسرحيات كثيرة، ركزت على التمثيل ولم ألق قصيدة سوى مرة واحدة فقط لحافظ إبراهيم عن اللغة العربية، وكان هناك نشاطاً رياضياً وكانت المدرسة مقسمة لأربعة فرق رياضية، تسمى (ملاسي والبربري، وعثمان دقنة والمك نمر)، وكنت عضواً في فريق عثمان دقنة، وفي الثانوي كانت هناك جمعيات ثقافية وكل الطلبة كانوا ملزمين بالإنضمام إلى إحدى الجمعيات، وانضممت لجمعية اللغة العربية وانتخبت نائباً لرئيسها منذ السنة الأولى، رئيس الجمعية الأخ محمد هاشم إبراهيم الصافي ويدير الآن القسم التجاري والإقتصادي بالهيئة القومية للتلفزيون، وتوليت رئاسة الجمعية مكانه عندما وصل السنة الثالثة وتم تفريغهم للتخرج، وظللت رئيساً حتى آخر السنة الثانية، وفي السنة الثالثة تفرغت لامتحانات الشهادة، وكنت عضواً في جمعية الجغرافيا والتاريخ.
? عندما دخلت جامعة الخرطوم، من من الاسماء البارزة الآن في الساحة السياسية كان موجوداً بها؟
– صلاح قوش ومحمد هاشم إبراهيم كانوا معنا من أيام مدرسة البحر الأحمر، ومعنا لواء في الأمن يدعي محمد جعفر، وعندما دخلنا الجامعة كان معنا من خارج المدرسة هاشم فيصل عمران، وجمال ويوسف أحمد يوسف، وعبد الله حسن عيسى ونصر الدين محمد أحمد.
? المجموعة كلها ذهبت للأمن؟
– من لم يذهب للأمن ذهب للخارجية، جئنا للجامعة في أكتوبر 1976 بعد أحداث 2 يوليو، وكانت الجامعة قد أغلقت بسبب أحداث يوليو، ووجدنا معظم قيادات الإخوان وغيرهم إما في السجون أو مطاردين، كانت الجامعة شبه خالية، وبعد عام حدثت المصالحة ودخلت الجبهة الوطنية الاتحاد الإشتراكي، ودخلت الجامعة كل القيادات الطلابية التي كانت في السجون أو خارج البلاد، وأذكر أن هذه الموجة أتتنا بغازي صلاح الدين والطيب إبراهيم محمد خير وأمين حسن عمر، وحسن مكي، والزبير أحمد الحسن، ومحمد حسن الباهي، وسيد الخطيب ويحيى حسين، وكان جميعهم إما في العام الأخير أو قبل الأخير، وأقول دائماً أن تأخر هذه الكوادر عاماً أسهم في تأهيلنا وتدريبنا وصقلنا، ورب ضارة نافعة، انتفع منها جيل أو جيلان بعدهم ليتدربوا ويستفيدوا من تجاربهم.
? في بورتسودان الثانوية هل كانت هناك تنظيمات سياسية، وهل انتميت لأحدها؟
– دخلت مدرسة البحر الأحمر في 1ديسمبر 73 وفي السابع من ديسمبر انضممت لتنظيم الإخوان المسلمين، وأبرز التنظيمات السياسية في ذلك الوقت كان الإخوان المسلمين والشيوعيين، كان هناك حزب البعث وغيره لكنها كانت مجموعات صغيرة، في بورتسودان الثانوية كان هناك تيار يسمى المعتزلة وكانوا أقرب لأنصار السنة، ومن أشهرهم أستاذ بالمدرسة يدعى علي عبد اللطيف، وحسن الفكي، لكنهم أصبحوا إخواناً فيما بعد، كانت تلك موجة لآن بورتسودان من المدن التي يوجد بها تيار سلفي قوي، ربما لطبيعة البلد، لإرتباطها بالبحر الأحمر ربما، وفرع الحزب الشيوعي في المدينة كان أحد أقوى الفروع.
? أنت تحتل موقعاً سياسياً وتنظيمياً مهماً، متى كانت بداية اهتمامك بالعمل السياسي، وإلى أي مدى كنت فاعلاً فيه؟
– أقول في المجالس الخاصة دائماً أنني بقيت أخو مسلم قبل أن أبلغ الرشد، وعندما بلغت واحتلمت كنت قد صرت إخوانياً قبل شهرين، واستطيع القول أن اهتمامي بالعمل السياسي بدأ منذ الثانوي، ذات يوم دعاني أمير المدرسة ليخبرني باجتماع، وفي ذلك الوقت كانت حركة شعبان على أشدها وعندما فتحت المدارس قلنا إننا يجب أن نشارك في فضل حركة شعبان بالخروج في مظاهرات، وخرجت بالفعل مظاهرات الطلاب في بورتسودان، وأخبرني الأمير أن هناك اجتماعاً في بورتسودان الحكومية لمندوبين من المدارس الثانوية لتنظيم محاضرة، وكان يجب أن يذهب فلان لكن لديه محاضرة وستذهب أنت، وفهمت أن ذلك نوعاً من التحدي، وذهبت وناقشت وناكفت، أيضاً، كان لدينا فرق رياضية في الأحياء، وكان لدينا فريقان في الحي، (القادسية واليرموك).
? هذه أسماء لها دلالات؟
– الغرض كان إجتماعياً ورياضياً، إضافة لدرس بعد التمرين مباشرة، ملابس التيم كان يغسلها شخص واحد كل مرة، وكان ذلك نوعاً من التدريب على التكافل، وأتاح لنا ذلك أن نبني شخصياتنا بهذه المعاني.
? في جامعة الخرطوم يبدأ النشاط السياسي بشكل مكثف ويظهر الصراع بين الأحزاب خاصة بين الاتجاه الإسلامي والجبهة الديمقراطية، هل تذكر مواقف محددة وأحداثاً شهدتها الجامعة أثناء دراستك؟
– في سنتنا الأولى كما قلت كان هنالك ركود ولم يكن ثمة عمل سياسي ولم يكن مسموحاً به، الصحف كانت معطلة، وبعد أن تمت المصالحة وأتت الأحزاب والجبهة الوطنية، وأعيد الإتحاد وأعيد معه النشاط السياسي والصحفي داخل الجامعة، في السنة الثانية بدأنا العمل السياسي، وكل السنوات التي قضيتها كنت فيها عضواً في القيادة التنظيمية في الجامعة، والأحداث السياسية الكبيرة كانت الانتخابات، وكانت هناك جمعيات كثيرة، في الاقتصاد كان لدينا أربعة جمعيات ( الاقتصاد وإدارة الأعمال والعلوم السياسية والإجتماعية)، وجمعيات أخرى كجمعية أصدقاء الثورة الأريترية والإيرانية، وأصدقاء الثورة الفلسطينية، فلا يخلو أسبوع في الجامعة من انتخابات لجمعية إلى جانب الانتخابات للجان التنفيذية للروابط الجغرافية، ما يعني أن أسابيع السنة ال52 كانت تحفل بانتخابات وما يتبعها من حملات وصحف وندوات سياسية واتصال فردي، ويكلفونك بزملائك في الغرفة لتدعوهم للتصويت، وكان ذلك عملاً كثيفاً استمر طيلة سنوات الجامعة، لكن الشيء البارز كان في السنة الأولى، عندما قمنا بمقاطعة الإمتحانات، كان عبد الله أحمد عبد الله مدير الجامعة قد أعلن نظام السميستر بينما كانت الجامعة تعمل بنظام السنة سابقاً، وأجمعت القاعدة الطلابية على مقاطعته، وكان مدعوماً من نظام مايو، ومضى لينفذ التجربة في كلية الزراعة، وكانت معركة عنيفة، وحاول بعد ذلك تطبيقها في بعض كليات الوسط، ووقف الطلاب وقفة قوية فألغت إدارة الجامعة الفكرة، الحدث الثاني كان الصراع على اتحاد الطلاب في عامي 79-80 والمعركة بين التمثيل النسبي والمباشر، التنظيمات المعارضة كالشيوعيين والبعثيين تحالفوا وطالبوا بتغيير النظام الانتخابي في الجامعة من الحر المباشر إلى نظام التمثيل النسبي، وخاضوا الانتخابات معاً وفازوا وتشكل المجلس الأربعيني من (28) منهم و(12) من الاتجاه الإسلامي، وبقوا لثلاثة أو أربعة أشهر لكنها شهدت صراعاً وضرباً وعنفاً طلابياً، وهي الفترة التي استشهد فيها أخونا الغالي عبد الحكم، وكان في كلية الزراعة فطعنه أحدهم بسكين وقتله، واستشرى العنف حتى أصدر مدير الجامعة قراراً بإغلاقها، وفتحت بعد بضع شهور، من الأحداث التي لا تنسى الثورة الإيرانية، وعندما أتت في آوخر السبعينيات رحب بها الاتجاه الإسلامي وأقام لها الندوات ونظم مسيرة ضخمة تحركت من الجامعة وصحبها عنف لأن الشيوعيين والبعثيين حاولوا استغلال هذه المسيرة في العداء لنظام مايو، وحاولوا إختراق المسيرة والهتاف مصير نميري مصير الشاه، وحدث ضرب في شارع الجامعة وداخل الجامعة، وهناك أيضاً انتخابات مجلس الشعب التي مرت علينا مرتين ونحن في الجامعة، وفي المرتين كنا نقع في دائرة علي عثمان وكنا نعمل في حملته وبدأت علاقتنا به منذ ذلك الوقت، وشاركنا في الحملة الانتخابية لزكريا بشير لأنه كان في دوائر الخريجين، وإبراهيم عبيد الله، وكان كله نوع من التدريب والتأهيل في مجال العمل السياسي.
? متى تخرجت، وما هي أول وظيفة شغلتها؟
– تخرجت في أكتوبر 1981، وهناك طرائف كثيرة اكتنفت الأمر، تصدق أو لا تصدق، حال تخرجنا ذهبنا وسجلنا في مكتب العمل وأخذنا كرت العمل، ظهرت وظائف في مجلس الوزراء، ودخلنا المعاينات، كانت ثلاث وظائف في مجلس الوزراء والرابعة في الجمارك، كان ترتيبي الرابع في المعاينات فذهبت للجمارك، وأذكر أن وظيفة مجلس الوزراء الثالثة أفلتت مني بدرجة أو اثنتين، كان الفرق بيني وبين صاحب الترتيب الثالث، وهو الآن موظف بالمجلس يسمى محمد أحمد الريح، وكنا دفعة في الجامعة، وكان محمود الباهي قد انضم أيضاً لمجلس الوزراء لكنه تركه الآن، بعدها أخذت أوراقي من لجنة الإختيار وذهبت لرئاسة الجمارك وسجلت، وكان اليوم خميساً، وأخبروني أن آتي يوم السبت لأقابل المدير، كنت حينها أسكن في بري (عزابي)، وكنت قدمت أيضاً في شركة إعادة التأمين الوطنية وكان مديرها حيدر كبسون، وكان صديقاً لأحد أقربائي وهو المرحوم حسن البيلي الذي كان المستشار القانوني لبنك السودان، وعندما ذهبت للبيت وجدت رسالة من حسن البيلي بأن آتيه صباح السبت وأنه وجد لي وظيفة في شركة إعادة التأمين الوطنية، وصباح السبت عوضاً عن أن أمضي للجمارك مضيت لحسن البيلي في مكتبه بعمارة الشيخ مصطفى الأمين قرب المسرة، وأدخلني على نائب لكبسون من أبناء العيلفون يسمى عمر أحمد، وفي ذلك الوقت كان كبسون قد ذهب وأتي بدله أحمد محمد الأمين وهو من العيلفون أيضاً، وعندما دخلت عليه أجرى معي المعاينة باللغة الإنجليزية، وبعدها أخبرني بأنهم قبلوني وأن علىّ أن أذهب واستلم عملي، فتركت الجمارك وعملت مع إعادة التأمين الوطنية زهاء عامين ذهبت بعدها لبنك فيصل الإسلامي في بدايات العام 1983م.
? لماذا تركت القطاع العام ومضيت للقطاع الخاص؟
– ذهبت لبنك فيصل لسببين، أولهما أنه كان معقلاً لكوادر الإخوان، وثانيهما أنه مرتباته كانت أعلى المرتبات في السودان وقتها، وبعده مباشرة الجمارك.
? كنت بحكم انتمائك السياسي معارضاً لنظام مايو، في رأيك ما هي إيجابيات وسلبيات النظام المايوي؟
– هناك قاعدة، ليس هناك شراً محضاً ولا خيراً محضاً، ونظام مايو كأي نظام له إيجابيات كثيرة جداً وسلبيات كثيرة جداً، نحن كإسلاميين نعتبر أن إحدى أبرز إيجابيات نظام مايو هي الشريعة الإسلامية، ومن إيجابيات مايو الاستجابة لفكرة الحكم الفيدرالي الذي نفذ بقوة، ثالثاً إتفاقية أديس أبابا للسلام، نحن كأبناء بورتسودان نعتقد أن أحد إنجازات نظام مايو هو طريق بورتسودان كسلا الخرطوم، وكنا نعتقد أنه من المعجزات في ذلك الوقت، لم يكن هناك تواصل بري بين الخرطوم وبورتسودان، كذلك من إنجازات مايو العظيمة ترفيع منطقة بورتسودان من معتمدية تابعة لمحافظة كسلا إلى محافظة قائمة بذاتها وتم تعيين أول محافظ هو عبد الرحمن عثمان وبعده كرم الله العوض ثم أتى عبد الرحمن ثانية، وحتى عامي 78-79 لم تكن بورتسودان تشاهد تلفزيون السودان بل تلفزيون السعودية، وقاموا بتركيب أجهزة المايكرويف فصرنا نشاهد تلفزيون السودان، هذه إنجازات عالقة بالذهن خاصة السلم التعليمي الذي أفدنا منه والأجيال التي تلتنا إفادة كبرى، نحن آخر دفعة متمكنة من اللغة الإنجليزية، درسناه في أولى وثانية وسطى، وثلاث سنوات في الثانوي العام، خمس سنوات درسناه ثم دخلنا الثانوي العالي، والدفعة التالية قرأت ثلاث سنوات، الأجيال التي سبقتنا كانت تدرس بالإنجليزية (فل)، أما نحن فلم ندرس بالإنجليزية لكننا درسنا لغة إنجليزية لخمس سنوات، وعندما دخلنا الجامعة لمسنا فرقاُ بيننا وبين الدفعة التالية لنا التي درست الإنجليزية ثلاث سنوات، تلك إنجازات تحسب لنظام مايو.
? القادة الإسلاميون كانوا مطاردين، لماذا؟
– التسلسل الحقيقي للأحداث كالتالي، منذ دخل التيار الإسلامي المصالحة الوطنية في 77 كان هناك تنازعاً عنيف بين فئتين في الاتحاد الإشتراكي، فئة القادمين وفئة القدامى، نميري نفسه كان متنازعاًُ بين التيارين، وكنا نلاحظ أن خطابات نميري في أعياد مايو يشتم فيها الجبهة الوطنية والإخوانية ليرضي المايويين القدامى، وعندما يأتي خطاب الإستقلال يقلب الحكاية، وكانت كر اً وفراً، يغلب هؤلاء حيناً ويغلب أولئك حيناً آخر، حتى أتت قوانين الشريعة الإسلامية في 83، بالنسبة للإسلاميين كانت قمة ما كانوا يبتغونه من مايو بجانب الحكم الإتحادي، بالنسبة للطرف الآخر كانت هزيمة، هذه المرحلة التي بدأ يقوى فيها العنصر الأمني، وبدأت الدوائر الخارجية تتوجس مما حدث، أتت الحركة الشعبية وتمرد جون قرنق وزيارة بوش الأب للسودان حتى أتت فترة 85 التي وصل فيها التدخل الأجنبي قمته في الوقيعة بين نظام مايو والإسلاميين لدرجة أنهم بدأوا يخوفون نميري من أن الإسلاميين يخططون للإنقلاب عليه وأوغروا صدره، فقام بإصدار قراره المفاجيء بمعادلات السياسة وغير المفاجيء أمنياً ومعلوماتياً، بإدخال الإسلاميين المعتقلات وتوزيعهم علي سجون بورتسودان والفاشر وكوبر، ومنشأ ذلك الهوس من أن هؤلاء يرتبون لأمر ما، ولو تذكر مسيرة الردع التي نظمت في مباني الاتحاد الإشتراكي بواسطة الاتحاد الإشتراكي واليساريين لتهنئة نميري بضرب الإخوان، وخاطبها نميري من مباني الاتحاد الإشتراكي بينما كان يفترض أن يخاطبها في أحد الميادين، نتيجة للهوس بوجود خطة إغتيال، بعدها دخلت البلاد في جو جديد مختلف، وأقول لك بصدق أننا كنا وقتها في الجامعة، والطلاب بطبيعتهم متمردون ومتفلتون ويحبون صناعة الثورات، لكن قيادتنا كانت تحرص على أن لدينا عهداً مع النميري لا ننقضه حتى ينقضه، وبالتالي حالوا دوننا ودون عمل سياسي كبير ضد النظام المايوي، لم يسمحوا لنا بالخروج في مظاهرة أو المشاركة في إضراب، ونقول بصدق أننا لم نقم بإجراء أي حركة أو نشاط يخل بعهدنا مع نميري في المصالحة الوطنية حتى أصدر قراره بإعتقال قيادات الإخوان في التاسع من مارس 1985 م
? كنت حينها من القيادات الشابة لكن هل تعتقد أن نميري والإسلاميين اخطأوا في تطبيق الشريعة؟
– ابداً..لا أفتكر ذلك..

? النظام المايوي شهد حركات مسلحة ومدنية لعل أهمها غزو الجبهة الوطنية للخرطوم وإنقلاب حسن حسين، أين كان حينها كمال عبد اللطيف وهل يذكر وقائع معينة لا يزال يحتفظ بها؟
– كنا خارج هذه الصورة لأن هذه كانت جميعها أنشطة عسكرية ولم نكن طرفاً في أجهزة عسكرية، عندما قام حسن حسين في 1975 كنت في إجازة في منصور كتي وكنا نجلس تحت شجرة في بيت جدنا نتناول إفطاراً متأخراً، ونعد أنفسنا لصلاة الجمعة وانقطع بث الإذاعة وإنقلاب حسن حسين، كنت حينها في الثانوي، في العام التالي كان يفترض أن ندخل الجامعة في 3 يوليو 1976 وكان لدينا لقاء مع مدير الجامعة للبدء في إجراءات التسجيل، وعندما حدثت الأحداث صدر قرار في ذات اليوم بإغلاق الجامعة وتأجيل دخول طلاب السنة الأولى، وجئنا ثانية يوم 16 اكتوبر، وعندما وقعت الأحداث كنت في بورتسودان ولم أكن قد وصلت الخرطوم بعد، ومن الأشياء العالقة في الذهن إنقلاب الشيوعيين في 71، كنا في الوسطى، وإرتبطت به لأن سكرتير الحزب الشيوعي في بورتسودان كان إبن خالتي الخير عبد الهادي رحمه الله، وكنا في زخم القضية كأسرة، وجزء من الزخم العام.
? كنت تعمل في جهاز الأمن الوطني، متى انضممت إليه وماذا كان موقعك؟
– انضممت للجهاز عقب ثورة الإنقاذ في 1989 ومن الطرائف أن أول مهمة توليتها أنني كنت مديراً لأمن سودانير من نوفمبر 89 إلى أكتوبر 90، عندها إنتقلت من أمن سودانير إدارة الولايات برئاسة الجهاز، وبقيت فيها حتى 93، ثم انتدبت إلى نيروبي وعملت بها مدة أربع سنوات، وكانت أخصب فترة شهدت جهود السلام، وعندما عينت في 89 كنت برتبة رائد، وعندما عدت من نيروبي صرت مدير المكتب التنفيذي للجهاز وكان مدير الجهاز حينها د.قطبي المهدي.
? نيروبي كانت محطة تعج بقيادات التمرد، كيف كنت تتعامل معهم؟!
– الأربع سنوات التي قضيتها في نيروبي كانت من أبرز سنوات حياة المرء، التأهيل الذي لقيته كان كبيراً وعظيماً، وأتيحت لي الفرصة للالتصاق بأحداث لها تأثير حقيقي على مستقبل البلد، وتعرفت على عدد كبير من المتمردين، جميعهم تقريباً، رياك مشار، دينق ألور، كنا نلتقيهم أثناء مفاوضات السلام في نيروبي بين 93 و97، ونلتقيهم في المطاعم والمقاهي، وكان هناك اجتماع شهري بمباني الأمم المتحدة في نيروبي لشريان الحياة، كنت ومعي عبد الله أزرق وبعده علي الصادق نمضي معاً لنحضر الإجتماع الشهري لشريان الحياة وكنا نلتقي برياك قاي الذي كان رئيساً لإحدى منظمات الحركة الشعبية الطوعية، كانت هناك (ونسة) ومناكفات، السالب والموجب، والبارد والساخن، ومن الشخصيات التي عرفتها حق المعرفة سايمون موري، وبيتر أدوك وزير التعليم العالي الحالي، وكنت أرى ياسر عرمان لكن لم يحدث بيننا تلاقي، وإسماعيل جلاب، ودانيال كودي، علاقات من على البعد فيها كثير من الحذر، ولكننا عرفناهم وعرفونا خاصة عندما تكون هناك مفاوضات، وفي ذلك الوقت كان الوفد يأتي كل شهرين ويبقي خمسة عشر يوماً، كان نافع يأتي ومرة أخرى يأتي غازي، ومرة يأتي وفد ضخم، فيه علي الحاج أو أحمد إبراهيم الطاهر.

صحيفة الراي العام

تعليق واحد