مرض (الإيبولا)… البعبع الذي أرعب العالم أجمع
اختصاصي: هناك فرق بين (الحمى النزفية الصفراء) و(النزفية الإيبولا)
أعراض لحالات ملاريا وإسهالات عادية تشبه الأعراض الأولية لعدوى (الإيبولا)
تنتقل الإصابة أيضاً خلال مراسم الدفن حين ملامسة جثة مريض
الإيبولا.. مرض فيروسي قاتل شكلاً ومضموناً، هكذا تؤكد حيثياته التي نطالعها وفقاً للتقارير التي تدفع بها منظمة الصحة العالمية حول أعداد الوفيات والإصابات في دول غرب أفريقيا التي وصلت إلى (2240) حالة بينها (1229) حالة وفاة.
وأكثر الناس تشاؤماً لم يتوقع أن يرتفع عدد ضحايا المرض إلى هذا الرقم في وقت عدّه الكثيرون وجيزاً، نسبة إلى أن فترة حضانته قصيرة جداً تقدر بخمسة أيام، الأمر الذي دعا منظمة الصحة العالمية إلى إعلان حالة الطوارئ، ووفقاً لذلك زادت مخاوف السودانين، خاصة أن السودان يعدّ ضمن الدول الأولى التي سجلت حالات إصابات بالحمى النزفية (إيبولا) وذلك في عام 1976م، فهل يعاود هذا المرض الظهور مرة أخرى باعتبار أن الفيروسات تعاود منشأها وفقا لبعض الأطباء؟! وما أعراض ومسببات هذا المرض؟ وما هي تحوطات وزارة الصحة لمنع دخوله البلاد؟
{ الفرق بين الاثنين
ثمة خلط من قبل كثير من السودانيين بين الحمي النزفية (الصفراء) التي ظهرت حالات إصابة بها في مناطق غرب السودان في أوقات سابقة وبين (الحمي النزفية إيبولا)، ولكن حسب د. “أبو بكر إبراهيم” اختصاصي علم الأمراض وطب المناطق الحارة وعميد مؤسس لكلية الطب بجامعة بخت الرضا، فإن هناك اختلافاً بينهما، خاصة أن الإيبولا مرض يسببه نوع معين من الفيروسات، بخلاف الحمى الصفراء التي تسببها فيروسات أخرى تنتقل عن طريق أحد أنواع البعوض، مشيراً إلى وجود نوع من الحميات النزفية التي تسببها عدة فيروسات وأعراضها شبيهة للإيبولا.
ويقول د. “أبو بكر” إن حضانة المرض قصيرة جداً حوالي خمسة أيام تقريباً، وتكون الأعراض الأولى فيه أشبه بـ(الإرهاق والفتور) وحمى، ثم سرعان ما يتبعها التهاب في الحلق يصاحبه قيء وخلل في وظائف الكلى والكبد، ثم يبدأ الجسم في الأحمرار بظهور بقع حمراء في الأطراف وباقي أجزاء الجسم، ويحدث النزيف ما بين حوالي (6- 10) أيام من الإصابة بالمرض، وتؤدي الإصابة بهذا الفيروس إلى وفاة (90%) من المصابين أو أكثر.
{ تداعيات الإصابة
وطفق د. “أبو بكر” يشرح لـ(المجهر) كيفية حدوث نزيف من كل مسامات الجسم، وكيف أن الفيروس يحدث خللاً في الصفائح الدموية المناط بها حفظ سيولة الدم، فيؤدي ذلك إلى حدوث نزيف في كل أجزاء الجسم، وبدوره يفضي إلى إصابة المخ والكلى والأجهزة والأعضاء الحساسة بنزيف حاد.
ووصف د. “أبو بكر” الفيروسات بالخطيرة، حيث يعدّ الفيروس من أصغر الكائنات الدقيقة التي لا ترى إلا بالمجهر الإلكتروني، وتكمن خطورتها في أنها تعمل على تغيير خصائصها في وقت قصير، لا سيما أن فيروس الإيبولا ظهر في بادئ الأمر من خلال عينة أخذت من أنسجة قرد جيء به من يوغندا، وتم فحصها في ألمانيا عام 1967م مما أصاب العاملين في المعمل بالمرض آنذاك- الحديث ما زال لدكتور “أبو بكر”- وأردف بقوله: (يعدّ ذلك أول ظهور للمرض، ثم تغيرت خصائصه لاحقاً وعرف عنه الانتقال من إنسان لآخر).
{ ظهور في بلد المنشأ
وأوضح د. “أبو بكر” أن السيرة الذاتية للفيروس تبين أن تسميته جاءت نسبة لانتشاره في القرى المحيطة بنهر إيبولا الذي يسري في القارة الأفريقية داخل جمهورية الكنغو الديمقراطية، وعن حقيقة أن الفيروسات تعاود الظهور في منشأها يقول محدثنا: (لا أستطيع الجزم بذلك، لأن في الغالب بعض الأمراض الوبائية تظهر بعد أن تختفي في منشأها).
وتساءل د. “أبو بكر” عن حقيقة أن يكون السودان هو المنشأ لهذا المرض، مؤكداً أن الحالات التي ظهرت كانت بجنوب السودان في منطقة مريدي في وقت كثرت فيه حالات النزوح من الكنغو ويوغندا.
{ حيطة وحذر
وفي السياق دعا د.”أبو بكر” المواطنين إلى توخي الحيطة والحذر، مشيراً إلى وجود أعراض لحالات ملاريا وإسهالات عادية بالبلاد تشبه في مضمونها الأعراض الأولية للإيبولا.. وعلى الجميع توخي الحذر، خاصة أن المرض ليس لديه علاج ناجع- على حد قوله- وكل العلاجات الموجودة تعمل على تقليل نسبة الوفاة فقط، مشيراً إلى أن عموم الأمراض الفيروسية تعتمد بصورة أساسية على الوقاية، مستشهداً بمرض الايدز الذي يسببه فيروس (HIV). كما طالب بمراقبة جميع مداخل البلاد كالموانئ والمطارات لمنع دخول هذا المرض، خاصة القادمين من الدول الموبوءة، لافتاً إلى أن الأمراض النزفية توجد في الدول المتخلفة.
{ حاد ووخيم
تؤكد الحقائق الأساسية لمنظمة الصحة العالمية أن حمى الإيبولا النزفية هي مرض فيروسي حاد ووخيم تصل معدلات الوفيات التي يسببها إلى (90%)، وينتشر في القرى النائية الواقعة في وسط أفريقيا وغربها وبالقرب من الغابات الاستوائية المطيرة، ويتميز المرض غالباً بإصابة الفرد بالحمى والوهن الشديد والآلام في العضلات والصداع والتهاب الحلق، ومن ثم التقيؤ والإسهال وظهور طفح جلدي واختلال في وظائف الكلى والكبد، والإصابة في بعض الحالات بنزيف داخلي وخارجي على حد سواء. وتظهر النتائج المختبرية انخفاضاً في عدد الكريات البيضاء والصفائح الدموية وارتفاعاً في معدلات إفراز الكبد للإنزيمات.
نسبة انتقال العدوى بالمرض كبيرة جداً ومتعددة، خاصة أن المصابين ينقلون عدواهم إلى الآخرين عن طريق إفرازات الجسم من سوائل كالدم والعرق طالما أن دماءهم وإفرازاتهم حاوية الفيروس.. والأخطر من ذلك أن العدوى تنتقل خلال مراسم الدفن حين ملامسة جثة مريض. ولقد تبيّن من حالة مكتسبة مختبرياً عُزِل فيها فيروس الإيبولا عن السائل المنوي أن الفيروس كان موجوداً في السائل حتى اليوم الحادي والستين عقب الإصابة بالمرض، وتعدّ كلاً من غينيا وليبريا وسيراليون ونيجيريا أكثر الدول تضرراً بعد تفشي مرض الإيبولا الذي حصد أرواح الكثيرين فيها.
{ خطة تحوطية
كشفت وزارة الصحة الاتحادية عن خطة تحوطية من انتشار مرض الإيبولا تشمل مراقبة مطار الخرطوم ودخول المسافرين القادمين من المناطق الموبوءة، فضلاً عن مراقبة منافذ (الجنينة ـ نيالا)، إذ من المتوقع أن تكون مشتركة بين (نيجيريا وتشاد)، كما تم تكوين أتيام لمتابعة الوضع الصحي بكل من الجنينة ونيالا ورفع الوعي والتثقيف الصحي وتوزيع نشرات تثقيفية.
وأكد مدير الإعلام بوزارة الصحة الأستاد “خالد حامد” أنه لم يتم تسجيل حالات إصابة بمرض الإيبولا في السودان ولا في دول شرق المتوسط حتيى هذا التاريخ، مشيراً إلى وجود احتياطات وعمل ((Ebola task farc من عدة جهات، إلى جانب تدريب الكوادر الطبية والكوادر العاملة في المطار والمنافذ، وتجهيز غرف عزل، وتوفير الملابس الواقية من انتشار المرض.
{ وبعد…
الكثير من التحديات تواجه القارة الأفريقية لمحاربة مرض الإيبولا القاتل، وإيجاد علاج ناجع له يحد من انتشاره. كما تواجهنا أيضاً في السودان الكثير من التحديات لمنع ظهور هذا المرض، لكنها تحتاج إمكانيات مادية عالية ليظل السؤال قائماً وهو هل ستجدي خطة وزارة الصحة التحوطية من دخول المرض للسودان؟ أم أن الأمر سيفوق توقعات وزارتنا الاتحادية؟ وإلى أي مدى تستطيع وزارة الصحة توفير العلاج والمحاليل اللازمة حال ظهور حالة مرضية لا قدر الله بالبلاد لا سيما أنه لا يفصلنا عن الدول الموبوءة إلا قليلاً؟ وفي ظل الأزمة الاقتصادية التي تمر بها البلاد هل تستطيع وزارة المالية توفير ميزانية لتحضير غرف عزل خاصة وملابس واقية أشبه بملابس رجال الفضاء بمبالغ باهظة الثمن؟ أم أن الأمر سيكون أشبه بمعالجات فصل الخريف الذي راح ضحيته الكثيرون؟!
تحقيق- هبة محمود: صحيفة المجهر السياسي
خ.ي