حسن مكي: المهدي يسعى لكسب السلطة السياسية.. والآن يضع حزبه في دفة الحكم
* من هو حسن مكي؟
– في إطار البحث عن الهوية والهواء أنا ابن نازح.
* أولم تهتد بعد؟
– ابن النازح يحاول أن يثبت وجوده، إذا وجد البطانية بحث عن الراكوبة، وإذا وجد الراكوبة بحث عن الذكر، وإذا وجد الراكوبة والذكر حاول أن يطبّع علاقته مع الناس.
* ولكنك لم تغادر جامعة أفريقيا على الإطلاق؟
– مثلي حينما يستقر يحمد الله.
* آخر عهدك بالعمل التنظيمي؟
– مؤتمر شورى الحركة الإسلامية الذي جرت فيه المفاصلة.
* لم تمردت عليهم منذ تلك الفجيعة؟
– شعرت بنكتة العربي المعروفة الذي رأى الهلال، وعندما منحوه الجائزة قال ذاك هلال آخر.
* المقاربة شنو من الطرفة دي؟
– زي الحوار، الناس قالوا الحكومة انفتحت بالحوار وماشه تمام، قامت قالت ليهم هناك في حوار مجتمعي تاني.
* تقريباً.. لم أفهم ما تود قوله؟
– الواحد شعر بالفرق الشديد بين السياسة الشرعية والسياسة العملية، فالسياسة الشرعية تبحث عن مصالح الناس في إطار الثقافة الإسلامية، العدالة والحرية.
* والسياسة في السودان؟
– السياسة في السودان تبحث عن أشياء أخرى.
* في العادة.. ألا تأتيك دعوات لحضور مؤتمرات الحركة الإسلامية؟
– تأتيني.
* بأي صفة؟
– طبعا ما عدت عضوا في الحركة الإسلامية، ولكنني أقابل كل فعاليات وقيادات الحركة الإسلامية.
* هل أنت مكلف بدور محدد؟
– لا لا.. مافي عمل موكل إلي، ولا عندي ادعاء كبير بأنني من قادة الحركة الإسلامية ولا في عضويته، ولكنني الآن أحاول التصالح والتطبيع مع المجتمع السوداني والمسجد والصحافة.
* في أي مرحلة تبدو الآن من مراحل الحياة؟
– أنا الآن في مرحلة النهر حينما يسكن الخلود والديمومة.
* هل تشعر بأن العمر يمضي إلى نفاد؟
– طبعاً طبعاً.
* ليه المثقفين دائما متمردين على العمل الجماعي؟
– لأن المثقف يجد فرقا كبيرا بين الصورة الذهنية والخريطة العملية، هسه إنت كصحفي أسألك سؤال.. ما هي الحركة الإسلامية؟
* لم لا تجب أنت؟
– هي حركة وضعت على رأس أولوياتها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، واليوم إنت بتشوف قضية المخدرات، أكبر قضايا المجتمع السوداني، وهذه القضية الآن توأد، هل تاني بتكون عندك ثقة فيها.؟
* هل الحركة الإسلامية في نفسها “انتهت عن المنكر”؟
– ما أنا أديتك مثال، قضية حاوية المخدرات، وهي قضية عليها إجماع ديني، وطني وإنساني، بأن المخدرات تُحارب، ولكنك لا تسمع للقضية خبرا، لقد وئدت، بل تسمع كل الصحف تسب في الصادق المهدي مع أنه عمل عملا جيداً.
* كيف هو عمل جيد؟
– على الأقل هو عمل على أن تقف الحرب لمدة شهرين، ويتوقف الموت والخراب، علماً بأن أشجع الرجال هم الذين يموتون في الحرب، أوليس هذا إنجاز.؟
* أنا هنا أطرح الأسئلة.. ولكن ثمة من يقول إن الحوار في الداخل أفضل وأكرم؟
– هذه وجهة نظر ولكن الصادق المهدي حقق إنجازا حتى ولو لم تقلها.
* بالمناسبة ليه الإسلاميين دايما بيتطلعوا للزواج من أنصاريات؛ الترابي غازي وآخرين؟
– لأن الأنصار أهل “شوكة”.
* هل يعد الترابي نظيراً للصادق المهدي؟
– كلاهما صاحب مشروع لحكم السودان، والسودان فيه مقعد واحد للحكم، ولذلك هي لعبة كراسي.
* هل تشعر بأن هنالك جانباً مخفياً في إعلان باريس؟
– والله المخفي والمعلن في السودان قريب من بعض، لكن المهم نحن في الشهرين ديل حققنا تقدما بهذا الإعلان.
* هل تعتقد أن لدى الصادق هواجس من العودة بُعيد الاتفاق مع الجبهة الثورية؟
– الصادق يسعى لكسب السلطة السياسية.. والآن يضع حزبه في دفة الحكم.
* كيف سيتعامل معه النظام؟
– أي نظام؟
* أقصد الحكومة؟
– الحكومة الآن “كويمات”.. الحكومة ليست على قلب رجل واحد.. المؤتمر الوطني شيء، وقيادة الدولة شيء آخر، ولا تستغرب إذا سمعت بعد أيام بحل المؤتمر الوطني أو تكوين مؤتمر جديد.
* هل ممكن أن يحدث ذلك؟
– نعم، الآن المؤتمر الوطني يعزف خارج إطار المنظومة البشرية.
* قلت إن الوطني “كويمات”.. فهل تتصارع تلك الكويمات أم تتفاعل وتتجانس؟
– بتتصارع طبعاً، التفاعل كان في مرحلة قبل المفاصلة، والصراع ليس شيئاً سيئا، “فلولا دفع الله الناس بعضهم ببعض”، ولكن الصراع بكون سييء عندما تكون النظرة ذاتية.
* بمعنى ماذا؟
– بمعنى أين أنا، ولكن الاهتمام بالشأن العام، الغيرة الوطنية، والغيرة الدينية، وترجمتهما إلى برنامج عمل وتفاعلات، فهذا مطلوب.
* كنت تريد أن تقول لا يوجد مشروع سياسي وفكري يجمعهم؟
– الآن طبعا مافي مشروع، موش مشروع، بل مافي غيرة وطنية ولا دينية، وأبلغ تعبير هو إيقاف الصحف عن الكتابة في الفساد والمخدرات.
* ربما كانت للنشر في مثل هذه القضايا مخاطر على الاستثمار وهروب رؤوس الأموال؟
– لو كان ذلك صحيحا لهربت من أمريكا.
* تفتكر لم انسحب الصادق المهدي من الحوار الوطني “غير الأسباب المعلنة”؟
– لأنه شاعر بأن الحكومة تتلاعب به، وتريد أن توظفه في سبيل حكومة انتقالية يرأسها البشير، أو إدخاله في عملية انتخابية دون أن يكون مستعدا لها.
* ما هو موقع الترابي في حسابات الصادق المهدي؟
– الترابي الآن كأنه وصل إلى اتفاق مع البشير بدمج المؤتمر الوطني والشعبي في كيان واحد.
* مشروع جديد.. أم بنفس القضايا التي فاصل بها؟
– مشروع جديد يكون فيه هو المرجع، والرئيس يأخذ فترة انتقالية بدون انتخابات.
* هنالك حديث بأن البشير يعد الآن في خليفته من المؤسسة العسكرية؟
– لا أعتقد أنه يريد أن يحكم السودان من بيته أو قبره، فهو له الحق أن يرشح أحدهم، ولكن الفيصل يجب أن يكون المرجعية.
* في كلام كثير عن ترشح البشير من عدمه؟
– كل الشغل في الأيام الجاية حا يبقى تلاعب بالألفاظ، وتلاعب بالناس، حتى تحسم مسألة الرئاسة، لأنها حا تظل “هاجس” تحت البطانية لكثير من الناس.
* إنت بتستشرف شنو؟
– أفتكر الخيار الأفضل للرئيس أن لا تقوم الانتخابات لأنها مكلفة من الناحية المالية، وبعدين ما بتكون عندها جدوى سياسية وهي غير آمنة.
* ليه غير آمنة؟
– لأنو في انحسار كبير لشعبية المؤتمر الوطني، وهو يريد تراتيب انتقالية إلى أن يفتح الله عليهم، وهو يعلم أن المؤتمر العام إذا انعقد قد لا يأتي به، دا احتمال وارد.
* ولكن الرئيس لديه أنصار حتى من خارج المؤتمر الوطني.. ولديه تأثير كبير في أجهزة الحزب؟
– معناها في مجموعتين، واحدة مع الرئيس، وثانية تبحث عن وجه آخر.
* من هو الأقرب للترشح؟
– الأيام المقبلة ستكشف.
* المطابخ التنظيمية الآن تفتكر شغالة على أي سيناريو؟
– شغالة على صراعات، كثير من الناس الآن بيشعروا بأنهم أصبحوا ضحايا لهذا النظام، الآخر بيفتكر أنهم شبعوا سلطة.. ولكن هم في قرارة أنفسهم يشعرون بأنهم مجرد ضحايا لهذا النظام وأفنوا فيه زهرة شبابهم.
* بالنسبة للمكتب القيادي ومؤسسات الحزب؟
– هذه مجرد ألاعيب، حتى الولاة مجرد موظفين كبار، حقيقة البلد بدون مرجعية اقتصادية وسياسية.
* ثمة من يظن أن البلد تتعرض إلى مؤامرة؟
– مؤامرة من صنع أنفسهم، من الذي وقّع اتفاقية دارفور التي أدخلت القوات الأجنبية، ومن الذي فصل الجنوب، وكيف تدهورت العلاقات الخارجية.؟
* أنت تحدثت عن وجود استخباراتي أجنبي، ربما يكون أكثر نشاطاً؟
– بنفس الفهم موش غزة دي فيها استخبارات أشكال وألوان ومع ذلك صمدت.
* إلى أين يمضي الحوار الوطني؟
– الحوار الوطني مطلوب منه أن يقود الرئيس ليرأس حكومة انتقالية.
* وإذا أخفق في تلك المهمة؟
– إذا أخفق الأمور ستمضي إلى فرض دورة جديدة.
* ما هي أبرز المخاطر التي يمكن أن تعوق الحوار الوطني؟
– تعنت البعض بأنه ما في مساومة تاريخية، فليفهم من يفهم، وليمت بالغيظ من هو كاظم، الأمور سوف تستمر على ما هي عليه.
* هل تعتقد أن هنالك تيارات داخل النظام تعمل على إعاقة المصالحة الوطنية؟
– لا أعتقد ذلك، المصالحة الوطنية تصر على أن تكون أجندة بقاء الرئيس هي الأجندة الغالبة.
* أبرز المطلوبات حتى ينجح الحوار الوطني؟
– أن يتم اختيار رئيس وزراء على غرار ما حدث بعد ثورة أكتوبر، حيث تم اختيار سر الختم الخليفة لدورة انتقالية، وكذلك اختيار الجزولي دفع الله فيما بعد لحكومة انتقالية.
* ولكن تلك أعقبت ثورة جماهيرية؟
– المطلوب الآن حكومة انتقالية تقوم بواجب أداء المهام الانتقالية، وأهمها تحسين الوضع الاقتصادي، وتحقيق السلام، والتفاهم على الانتخابات.
* هل ممكن الانتخابات تتأجل؟
– طبعاً دا السيناريو الغالب، حكومة انتقالية برئاسة البشير.
* في الحالة دي ربما يفقد الحزب الحاكم شرعيته لمخالفته الدستور؟
– ومن يكترث لذلك؟
* البعض يعتقد أن الحركة الإسلامية عادت لتحكم من جديد؟
– أي حركة إسلامية، هنالك حركات إسلامية كثيرة، هناك المصالحة الجارية بين البشير والترابي وهذه قائمة، وفي أعداد كبيرة من الإسلاميين منهكين ومتعبين، ولا يرون أن هذا الأمر يلبي تطلعاتهم الإسلامية.
* ليه تفتكر الترابي ظل صامتاً طوال الفترة الماضية؟
– لأن في الصمت كلام.
* هل تعتقد أن علي عثمان يمكن أن يعود مرة أخرى؟
– الساحة السودانية مفتوحة على كل الاحتمالات.
* هل تعتقد أن نافع يقود تيارا يمكن أن يعيق الحوار؟
– لا أعتقد ذلك.
* البعض يروج بأن “داعش” صناعة ومخابراتية؟
– صناعة مخباراتية قد تكون جزءا منها، لكن في قصة اسمها (فرانكشتايل) وهي تتحدث عن أناس صنعوا إنسانا آليا، لكنه أصبح بعد ذلك خارج السيطرة.
* هل تقصد أن “داعش” هي النمر الذي سيأكل صاحبه؟
– “داعش” كانت مجموعات جهادية صغيرة دعّمت بواسطة استخبارات ومنظمات خارجية لتقويض نظام بشار الأسد، ولكنها فجأة تمددت ووجدت البيئة مواتية لها، خاطبت شيوخ القبائل وأنصار صدام حسين، الآن الفراغ السياسي جعل معظم الناس يلتفوا حولها.
* انتصرت “غزة” وهزمت “تل أبيب”.. فماذا يريد العرب أكثر من ذلك؟
– نعم انتصرت غزة وهو انتصار بمعنى أن إسرائيل لم تحقق شروطها.
* وماذا عن العقل اليهودي الماكر؟
– العقل اليهودي يفكر في المستقبل، إسرائيل تريد أن تحرق فسلطين حية، وعندهم حاجة اسمها “فطيرة الفصح”، وهي في الأساطير اليهودية تعني مص دم الإنسان في “فطيرة” وتوكل في عيد الفصح.
* هل تعمل إسرائيل على التهام فلسطين؟
– الآن إسرائيل بعد فشل الحصار، سوف تدخل العقلية الاستهلاكية حتى تصبح غزة قابلة للامتصاص، المعركة مع إسرائيل طويلة ومفتوحة.
* دائما تتعامل مع القضايا العامة ببرود شديد؟
– ما الذي تريده مني، أنا في النهاية مدرس، وعندي أكثر من مائة تلميذ أخذوا على يدي الدكتوراه، هات لي مثالا لشخص في السودان تلامذته بهذا العدد، وفيهم مدراء جامعات.
* دائما تقول كلمتك ولا تبالي؟
– ما المطلوب مني، مثلاً أن لا أتكلم.
* هل تؤمن بالحرية؟
– طبعا طبعا، وأنا حتى أبنائي مافيش حد فيهم مشى بطريقتي، بنتي قلت ليها ما تقري طب، قرت طب، وأنا سعيد بذلك.
* من الذي كان يشتري الخبز ويذاكر للأولاد؟
– لم أجلس في يوم من الأيام من أحد أولادي لأدرسه.
* بماذا يحلم حسن مكي؟
– أحلم!.. ما عدت أحلم.
* أوليس لديك طموح بأن تتقلد منصبا رفيعا في الدولة؟
– وهل هنالك منصب رفيع في الدولة؟
* أنت تجيب على الأسئلة بأسئلة أخرى؟
– أنا أفتكر أن الإنسان لو حافظ على مكاسبه هو الأفضل.
* أي مكاسب؟
– الآن لا أحد يتذكر اسم الحاكم الذي كان في عهد أبو حنيفة، أو عهد الإمام مالك؟ لن تعرفه، وحتى لو سألتك عن رئيس الوزراء أيام حسن البنا لن تعرفه، البنا لم يتقلد وظيفة، صاحب القلم أقوى من صاحب العمارة.
* لو طلب منك أن تترشح لرئاسة الجمهورية؟
– أنا! مستحيل أن أترشح.
* ليه ما تترشح؟
– لأنني أعرف حدودي، لكن إذا طلب مني أداء مهمة سياسية ممكن أفكر فيها متى طُلبت.
* أنتم جيل سعيد والأجيال التي جاءت بعدكم تعيسة.. ألا تشعرون بالذنب؟
– أنا محظوظ لأنني سُجنت ثلاث سنوات.
* لكنك لم تتغرب؟
– لا لا لم أغترب، ولكن سنوات السجن جعلتني أتعرف على قراءات عميقة في تاريخ السودان والفكر الإسلامي، وأصبحت عندي علاقات ممتدة.
* ألا تستمع إلى الموسيقى؟
– لا.
* هل جربت الرقص؟
– لا أذكر، أيامنا كان في (روك آند رول) لكنني كنت أذهب إلى السينما باستمرار وأشتري قطعة باسطة، كنت في الحصاحيصا وأهم وسيلة ترفيه فيها السينما، وفي العصر نسبح في النيل.
* أول ليك يوم في الجامعة.. أي شعور انتابك وأنت القادم من الولايات؟
– كنت بفتكر ممكن نعمل ثورة زي ثورة أكتوبر ونطيح بالنميري، ولذلك فصلت لأسباب سياسية ثلاث مرات من الجامعة.
* متى تضحك من أعماقك؟
– مثل جيلي أصبح فيه نضج وأصبح فيه نظر، بمعنى أنه مطلوب منا أن نتطبع مع المجتمع السوداني وأننا ظلمنا المجتمع السوداني كثيرا حينما “قلبنا” النظرة الأيدولوجية على النظرة الكلية.
* بماذا تشعر الآن وأنت تحدق في الواقع؟
– والله أشعر بأن السودان يُعاقب بفعلنا، حينما أذهب وأجد “كيلو اللحمة” يتجاوز السبعين جنيها ورطل الزيت بسعر مخيف، ومطلوبات الحياة البسيطة صعبة، حينما أجد بنتا لا تستطيع أن تواصل دراستها بسبب الرسوم
الخرطوم – عزمي عبد الرازق
اليوم التالي